19 ديسمبر، 2024 12:51 ص

استهداف الكتائب وفرصة التضامن

استهداف الكتائب وفرصة التضامن

تقول الحكمة القديمة إبذر الخير فوق أي أرض وتحت أي سماء ومع أي أحد.. فأنت لا تعلم أين تجده ومتى تجده، تلك الكلمات أظهرت المعدن الحقيقي للشعب الذي ينتمي لخارطة بلادنا التي تشهد أحداثا متجددة بين فترة وأخرى وكأن التاريخ يعيد نفسه فقط داخل حدودنا، حتى مع “مرتكبي الأخطاء” او من يمارس سلطته لنصرة الحكام بإستخدام المال والسلاح، فتجد الأكثرية من “عباد الله” يتوحدون لنصرتهم والدفاع عنهم ضد الاعتداءات الخارجية فالهوية الوطنية لا يمكن “التفريط” بها ومساندة الأجنبي على حساب ابناء البلد مهما كانت انتماءاتهم.
ولعل استهداف مقر كتائب حزب الله التابع للحشد الشعبي على الحدود مع سوريا في محافظة الأنبار بطائرات أمريكية كان أفضل تجسيد لهذه اللحظة التي تمثلت بإدانة الهجوم ودفع الكثير من المتظاهرين الذين سجلوا خلال الفترة الماضية العديد من الملاحظات على بعض الفصائل المسلحة لإعلان حالة التضامن والرفض الشعبي التي عكست صورة عن الفرق بين من يدافع عن الوطن بجميع مكوناته وينادي بعودته لأبناءه وبين من يحاول “توريط” مواطنيه بقتال “لا ناقة لنا فيه ولا جمل” سوى المزيد من الأرامل والأيتام والأمهات المفجوعات، فما حصل من تضامن، رسالة للطرف الأخر عليه الاستفادة منها في الابتعاد عن القوى السياسية “المتمسكة” بكراسي السلطة والتي تستخدمهم كاداة للحفاظ على مناصبها، وحينما تخرج الأمور عن السيطرة يجعلونهم أهدافًا سهلة للعدوان الخارجي ويمارسون سياسة “الصمت” أمام واشنطن التي استعانوا بها سابقا للوصول إلى قيادة البلد.
نعم.. قد يشتمني الكثير ويحاول البعض اتهامي بالدفاع عن الذين يصفهم “بالقتلة” كما حصل على صفحات الفيسبوك، لكن الحقيقة واضحة جدا ولا يمكن حجبها، فمن قتل على الحدود هم عراقيون كانوا يحرسون بواباتنا مع الجيران لمنع عبور “المرتزقة” وليسوا قطاعا للطرق او سراقا للمال العام كما يفعل السادة اصحاب المعالي من “جهابذة” العملية السياسية وقادتها، الذين خرجوا علينا ببيانات استنكار وادانة للقصف الأمريكي متناسين بانهم منحوا لواشنطن هذا الحق منذ أيام الاتفاقية الامنية وبنودها التي جعلت البيت الأبيض يختار الوقت المناسب لإراقة دماء ابناء هذا البلد الذي كتب عليه العيش تحت ظل “مجموعة من بائعي الضمير”، فكيف يفسر حديث رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي حينما اخبرنا بانه “تلقى اتصالا هاتفيًا من وزير الدفاع الأمريكي ابلغه عن موعد الهجوم قبل ساعتين من تنفيذه، والأكثر غرابة تاكيد عبد المهدي على محاولته الاتصال بقيادات الجيش والحشد الشعبي، لكنه لم يفعلها، لأسباب لا نزال نجهلها، لان دولته المستقيل اكتفى بالصمت ولم يوضحها، كما فعلها عند استشهاد اكثر من خمسمائة متظاهر وإصابة الآلاف، وهذا دليل واضح يجعله شريكا بتلك الجرائم.
في حين فتح اعلان واشنطن تبنيها لاستهداف مقر الكتائب بشكل صريح، لأول مرة منذ الاتهامات المتبادلة بين الطرفين عن التبعية للجارة ايران ومحاولة فرض الوصاية الدولية على العملية السياسية، الباب أمام بعض الأطراف للمطالبة بالرد على الهجوم بقصف المصالح الأمريكية “بحجة” الثأر لدماء الشهداء، في خطوة قد تكون البداية لحرب الإنابة التي تريدها واشنطن مع طهران على ارضنا، لكن بيان المرجع الديني السيد علي السيستاني كان رسالة واضحة لابعاد البلاد عن تلك الصراعات، حينما اكد على ضرورة احترام السيادة، وعدم خرقها من قبل الأميركيين وغيرهم بذريعة “الرد” على ممارسات غير قانونية تقوم بها بعض الأطراف، ليحدد بعدها الجهة المسؤولة عن التعامل مع تلك الممارسات ومنعها، وهي السلطات الرسمية العراقية، التي دعاها إلى عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخل الآخرين في شؤونه الداخلية، لتكون تلك الكلمات كفيلة بانهاء حالة الجدل ورد الاتهامات التي يروجها البعض ضد المنددين بالهجوم والرافضين في الوقت ذاته لاستخدام اراضينا وشبابنا في الصراع الإقليمي، فالسيد السيستاني، استنكر العدوان الخارجي وحمل الحكومة جميع المسؤولية في السيطرة على الأوضاع، واعتبر ان جميع الأعمال المسلحة خارج المنظومة العسكرية أو سلطة القائد العام للقوات المسلحة مخالفة للقانون، ويجب محاسبة مرتكبيها تطبيقًا لمبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وعدم الخروج عن شرعيتها، حفاظًا على حياة المواطنين، ولعدم اضاعة ما تبقى من هيبة للدولة.
الخلاصة… ان الرد على الهجوم الأمريكي يتطلب مواقف سياسية حقيقية تحرج واشنطن وتدفعها لعدم تكرار فعلتها من خلال توحيد القرارات وإيجاد صيغة للتعامل مع إنهاء وجودها على اراضينا، وليس اللجوء لمنطق القوة واقتحام سفارتها في المنطقة الخضراء والكتابة على جدرانها عبارة “سليماني قائدي” التي سيجعل البيت الأبيض منها حجة لارتكاب “المزيد من الحماقات” وبالتالي فان الخاسر الوحيد سيكون الوطن الذي سيذهب ابناءه ضحية للمشاريع الخارجية لتتكرر بعدها مشاهد الجثامين التي خلفها الاستهداف الأمريكي لمقر الكتائب، اخيرا… السؤال الذي لابد منه…. هل وصلت رسالة التضامن؟،..