من العوامل اللازمة لنهضة اي امه هو استنهاض العقل والاستفادة من مواقف وتجارب الامم الاخرى . حتى لو كانت هذه التجارب بعيدة ، فعلى الامم التي تسعى للنهضة تجشم الصعاب للاستفادة منها في تحقيق وجودها واللحاق بالامم الصاعدة . فهذين العاملين هما اساس نجاح تفاعل عوامل النهضة لاي عملية تطور ورقي وتقدم .
فكيف اذا كانت التجربة من القرب بحيث انها تُرى وتُسمع وتُلمس ،ولا يشعر بها الاقرب اليها وهم نحن . والتجربة هي التجربة الكردية التي تمثل انطلاقة صادقة لتحقيق هدف الشعب الكردي في تبؤ مكانة له بين الامم وتحقيق طموحاته في الرقي والتقدم ضمن حسابات دقيقة لتحديد مصادر القوة فيه وتفعيلها لتحقيق هذا الهدف . هذه القوة المتمثلة في حفاظه على وحدته وتماسكه من خلال ولاءه لفكرة القومية وتنمية روح الانضباط من خلالها . والاستفادة من الموقف السائد في الدولة العراقية المتسم بالتشتت والارتباك والفوضوية سواء على المستوى الشعبي او الحكومي . لغياب القيادة الفاعلة المدركة لمسئولياتها في ادارة الدولة بتوازن نشط وفاعلية مدركة . مع غياب الاهداف الحقيقية المتمثلة في السعي لما فيه مصلحة الوطن او تحقيق المصلحة العامة اثر افتقار هذه القيادة للمهارات اللازمة للتنظيم والتوجيه والتقييم والتقويم .
ان الولاء القومي المطلق في التجربة الكردية قضى على بقية الغرائز الباطنة فيه كالطائفية والمناطقية وحصر هذا الولاء بفكرة ( الكردية ) فقط . فعند سؤال اي كردي عن طائفته شيعيا كان او سنيا ….الخ ، فجوابه انه كردي . وعند سؤاله عن دينه مسلم او مسيحي…. الخ ، فجوابه انه كردي. ووصل هذا الولاء لدرجة عند سؤاله هل انت عراقي ؟،سيكون جوابه ايضا انه كردي . فلم يبقى للاكراد علاقة مع ( الوطن الام) الا الحصول على نسبة من ميزانية الدولة العراقية لغرض استخدامها في تنمية ( وطنهم) وتطوره وهم في سباق مع الزمن متمثلا في العمل ليلا ونهارا لانجاز هذه التنمية لما يتوافق مع استراتيجيتهم المستقبلية .وكذلك علاقة متمثلة بلوحات تسجيل لسيارات تحمل اسم اربيل او السليمانيه او دهوك . والتي لولا الاستفادة من ايراد هذه السيارات اثر شراءها من قبل اهالي ( المحافظات الاخرى) لالغيت ايضا . هذا الايراد الذي يعتبر دعما للمساهمة في عملية التنمية . وكذلك العلاقة التي تربطهم مع حكومة بغداد المتمثلة ب(وياهم وياهم….عليهم عليهم)فلا يُعرف هم مع من وضد من ، ضمن لعبة يلعبوها بذكاء مع كل الاطراف المتصارعة في الحكومة ليكونوا هم الرابحون فيها . فولاء الاكراد لقوميتهم يصل لحد اعتبار هذا الولاء خطا احمر لا يمكن تجاوزه . واذا ما فسر احد هذا الولاء على انه تطرف فسوف تقوم الدنيا ولا تقعد باعتبار هذا التفسير شوفينية وعداء .
بينما نحن العرب آثرنا نوم عقولنا في قارورة مخدر، ممزقبن ،مشتتين ،مهزومين من داخلنا. اثر تقبلنا لمخاطبة اللا وعي فينا مستجيبين لاثارة الغرائز الباطنة في عقولنا من طائفية ومناطقية من قبل المستفيدين من هذا الوضع وسعيهم للحفاظ عليه او زيادته سوءا . مما ادى بنا الى فقدان كل هوياتنا . فلا نحن وطنيون نحافظ على وطننا وسلامته ونسعى لتطويره وازدهاره. ولا نحن اسلاميون ندعوا للتسامح والمحبة والاخاء حتى فيما بيننا .ولا نحن قوميون لنا من حسنات تاريخنا وسيئاته عبر ومواعظ . لقد اضعنا كل الطرق ولم نعد الا تائهين في صحراء لا يُرى فيها غير كثبان الرمال ،ولا يُشعر فيها الا بلهيب حرارة الشمس . لقد افتقدنا كل عوامل النهضة فلم نعد الاعبيدا لاهوائنا .
فهل من استنهاض لعقولنا المغيبة لنتدارك جرس انذار بضياع وطننا وتبديد ثرواته بلا معرفة او وازع من ضمير او دين من قبل القائمين على اموره ووأد طموحاتنا بمستقبل افضل ؟ ….وهل من جمع لقوانا المبعثرة وتوحيد صفوفنا الممزقة والسعي الى توفير عوامل النهضة اللازمة لتغيير هذا الواقع المرير بواقع جديد يمثل خط شروع للانطلاق منه للحاق بالامم الصاعدة وتكوين وطن مزدهر يزهو بجميع اطيافه المتعايشين بمحبة وسلام واخاء.
فهنيئا للاكراد بثرواتنا ، ومناصبهم وامتيازاتها في الحكومة العراقية والضحك منها وعليها ، وتشتتنا وتمزقنا وفرقتنا.