في منتصف القرن الماضي كانت الافكار في استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية في نمو, حيث تنطلق جموع المسلحين للشارع, لتحقيق طموحات سياسية, وتغيير خارطة التنافس السياسي, حيث وجدت احزاب مثل حزب البعث ان لا فرصة لهم بالتسلق نحو الحكم, الا بالغدر واستخدام السلاح والارهاب, وتحت مظلة الكفاح المسلح الفضفاضة, والتي تحت طياتها سيكون القتل والخطف والسلب مبررا لهم! ففي عام 1950 قدم جورج حبش الى مشيل عفلق اقتراحا يقصد منه اعطاء انياب لحزب البعث.
المقترح كان يتضمن انشاء منظمة شبه عسكرية تلحق بحزب البعث, ووافق عفلق فورا على المقترح, مع اشتراطه ان يكون اعضائها بعثيين.
حيث اصبح عندها لحزب البعث ذراع مسلح متدرب مهماته القتل والخطف والسرقة وملاحقة من يختلفون معه, واستمر العمل السري للذراع المسلح حتى اعطى ثماره في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم عام 1959 , والتي اثبتت ان الانياب نمت وكبرت, واحداث 1963 اثبتت نمو مخيف للقدرات الاجرامية للذرع السرية, حيث تغلغلت المنظمة العسكرية السرية للبعث داخل الجيش العراقي.
لذلك عندما حصل الانقلاب على عبد الكريم تحركت مجاميع المنظمة البعثية العسكرية السرية بلباس عسكري, لكن مع وضع اشرطة خضراء حول اكمامهم, حيث تدفق 2000 رجل مسلح اغلبهم من حي الاعظمية (معقل القوميين في تلك الفترة), وتوجهت بعضها لمحاصرة وزارة الدفاع, وبعضها الاخر لمطاردة رموز النظام واغتيالهم, واخرين توجهوا لبث الرعب بين الناس, حتى قتل في خضم ساعات ما بين (1500-4500) شخص في شوارع بغداد, حيث كان هدف الجناح العسكري نشر الرعب والخوف بين المجتمع, والقضاء على المدنيين المؤيدين لعبد الكريم والشيوعيين ورموز النظام.
هذا الامر شاهدناه تماما من داعش عندما احتلت الموصل, اي ان داعش والبعث في الموصل وجهان لعملة واحدة.
بعد ذلك كانت حملات التفتيش المسعورة التي قامت بها الاذرع المسلحة للحزب, بحثا عن ما تبقى من رموز النظام والشيوعيين ومن يظن انه مؤيد لعبد الكريم, وهذا يدلل على ان الجهاز السري المسلح كان يضم منظومة معلوماتية ممتازة قامت بجمع المعلومات الدقيقة.
وبعد السيطرة اتجهت تلك المجموعات المسلحة للسيطرة على النوادي الرياضية, ودور السينما, وبعض المنازل الخاصة بكبار السلطة السابقة, وتحويل بعضها لمقرات سرية, وبعضها الاخر لسجون مؤقتة.
نجد هذا الاسلوب البعثي تناكح بشكل عجيب مع الحاضر, واستنسخت فكرة الانقلاب المسلح, والسطوة على الجغرافيا بقوة السلاح, واثارة الرعب, وارهاب الناس, وتكتيم الافواه, ومنع الرأي الاخر, وانتشرت حتى عبرت الحدود العراقية, لتتواجد حتى في سوريا وليبيا والسودان ومصر وافغانستان …الخ, يطبقها كل كيان سياسي منزوع القيم ساعي للسطوة على الحكم في اي مكان من المعمورة.