23 ديسمبر، 2024 5:49 ص

استنزاف فتوى المرجعية “بالجهاد الكفائي” بالأهازيج والشعارات

استنزاف فتوى المرجعية “بالجهاد الكفائي” بالأهازيج والشعارات

تُبتنى المنظومة الإسلامية على التشريعات الصادرة من قبل الله تعالى ومن قبل الأنبياء أو الأئمة ومصدرها اليوم هو القران الكريم والسنة النبوية, وإذا أراد العالِم إن يستخرج الحكم الشرعي منهما فيتحتم عليه القيام بعدة مراحل من ناحية الدراسة والتحقيق والتدقيق والمعرفة والخبرة التي تأهله إلى كيفية استخراج الحكم الشرعي من الكتاب والسنة والتي يطلق عليها رتبة الاجتهاد لدى الفقهاء وهي التي توازي درجة الدكتوراه تقريباً, وما كل ذلك الجهد والتعقيد في معرفة استخراج الحكم إلا لأهميته من ناحية التطبيق التي يشترط فيها أن تكون موافقة لمراد المشرع سبحانه من باب مطابقة الحكم للموضوع.
فالحكم الصادر من الفقيه يكون ملزماً على عامة الناس وعليهم ان يطبقوه ويعملوا بمقتضاه وان لا يخالفوا الفقيه في ذلك وإلا فأنهم سوف يكونوا عصاه ومحاسبين أمام الله تعالى وليس لهم العذر في ذلك.
وفي المقابل فان المشرع تعالى لما أعطى تلك الصلاحية للفقهاء وأقعدهم في تلك المقاعد القريبة من التشريع جعل لهم مواصفات وشرائط خاصة لا تنطبق إلا على القليل جداً في كل عصر وزمان, وقد ذكرت كثير من الروايات والأحاديث مواصفاتهم وشروطهم وما إلى ذلك.
وكما أوصت الشريعة الإسلامية الفقهاء بان يحتاطوا في الدماء والفروج “الجهاد- والطلاق” لما لهاذين الموضوعين من أهمية في مسيرة المجتمع وتنظيم حياته وشؤونه وفق الشريعة الإسلامية السمّحاء, أي بمعنى أخر انه يشترط على الفقيه ان يكون واعي وحذر في تعامله مع قضية الدماء والقصاص والقتل والجهاد والطلاق وكل ما يتعلق بهذه المسائل من مواضيع أخرى مما توجب على الفقيه ان يكون متأنياً ومحتاطاً في إصدار الحكم والإفتاء فيها وان يبذل الفقيه  كل ما لديه من جهد وإمكانيات من أجل تضييق دائرة الحكم الشرعي.
ومن ضمن تلك الموضوعات التي يحق للفقيه إصدار الفتوى بها هي مسألة الجهاد والدفاع عن الإسلام ولو أردنا الحديث عن باب الجهاد فيحتاج لنا الكثير الكثير من الوقت في شرح مضامين وشروط وآليات وأحكام ذلك الباب العظيم في الإسلام لأنه يحتل مرتبة متقدمة ومهمة وحساسة في الشريعة الإسلامية.
والجهاد يقسم إلى قسمين في الفقه الجهاد الهجومي والجهاد الدفاعي فإما الهجومي فانه متوقف على وجود وإذن النبي أو الإمام المعصوم حسب معتقد المذهب الشيعي، وأما الجهاد الدفاعي فانه متاح لنا في هذه العصور ولكن بشرط ان يكون الدفاع عن بيضة الإسلام أو الدفاع عن حياض الدين وتحت لواء الإسلام وهنالك الدفاع الفردي الداخل ضمن الجهاد الدفاعي وهو الدفاع عن العرض والمال والأرض.
وإذا أراد الفقيه ان يصرح بوجوب الجهاد الدفاعي فانه يحتاج إلى مقدمات وتمهيد الأرضية المناسبة للتعاطي الايجابي مع تلك الفتوى ولكي يتم الاستعداد ألازم لتلك الفتوى.
ولأنها تمثل النقطة والورقة النهائية التي يمكن للفقيه إن يصرح بها وان يستخدمها في توجيه الشارع للدفاع والقتال من أجل الوطن, لأنها تضع الشعب المؤمن أمام خيارين إما النصر أو الاستشهاد.
وما شاهدناه مؤخراً من فتوى المرجعية بالجهاد الكفائي ضد أعداء الدين والإنسانية يكشف لنا أهمية الالتزام بتلك الشروط والآليات والأحكام التي يجب أن تتوفر قبل إعلان الجهاد.
ومن خلال عدة عوامل نستطيع القول بان التعاطي والتعامل مع فتوى الجهاد لم يكون في المستوى المطلوب مئة بالمائة وان الشارع استنزف تلك الفتوى المهمة والحساسة من خلال الشعارات والأهازيج وسوقت كمادة إعلامية فقط.
فبعد الإعلان عن تلك الفتوى عادت إلى الشارع المظاهر المسلحة وبدأت تنطلق التشكيلات والميلشيات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة أمام مرأى ومسمع الجهات الرسمية وعادت بنا عقارب الساعة إلى الوراء وبدأت السلطات الحكومية تفقد السيرة على تلك المظاهر المسلحة وهو تعاطي خاطئ وسيئ واستنزاف تلك الفتوى الحساسة والخطيرة, مما حتم على المرجعية الدينية صاحبة الفتوى إلى الخروج في تعديلات وتوضيحات وتقييدات متكررة, منعت فيها الخروج بالمظاهر المسلحة وأوجبت على من يريد تطبيق تلك الفتوى الانخراط في صفوف المتطوعين في الأجهزة الأمنية.
ومع كل تلك التعديلات التي أصدرتها المرجعية الدينية إلا انه لم نشهد ذلك التطبيق الصحيح والالتزام بتلك الضوابط فإننا نشهد ولحد الآن وبعد مرور أكثر من خمسة عشر يوماً على صدور فتوى الجهاد خروج التجمعات العشائرية وهي تستعرض قواها وطاعتها للمرجعية في القنوات الإعلامية فقط مما ولد لنا الملل واليأس من جدوى تلك التجمعات, التي كان المفترض بها ان تكون أكثر تحمساً لتطبيق فتوى المرجعية والالتزام بأوامرها من ناحية الانخراط في الأجهزة الأمنية ومساعدة القوات العراقية في الحفاظ على أمن وسلامة البلاد.
ومن خلال ما شهدناه يتضح لنا بان فتوى المرجعية بالجهاد قد استنزفت من خلال الشعارات والأهازيج واستثمرتها الفضائيات الشيعية والرسمية كمادة إعلامية تتكرر علينا صباحاً ومساءاً ليس إلا مما هو واضح للمتتبع والمشاهد مما يشعرك بحجم المآسي التي تحل بالعراق وأهله.