28 ديسمبر، 2024 12:35 م

استمرار الهجرة والتشرد

استمرار الهجرة والتشرد

صحيح ان أرض الله واسعة لمن أراد ان يسيح.. أو يتأجر.. أو يهاجر. وصحيح أن في الهجرة منأى من الأذى.. وفيها لمن رام العلى متحول. وربما نوع من السعة والإستقرار.
وسواء كانت هذه الهجرة فرارا أو تمردا.. أو عملا، فهي لا تبرر التشرد، والتغرب المطلق، والتنكر للأوطان.. لمجرد الخوف والشدة والمضايقة.. وما هذا الإنحسار المرعب، والإنكماش المخيف الذي تعرضت له بعض الأمم والقوميات على مر العصور، وتحولها الى أقليات مستضعفة، الا بسبب هذا التشرذم، والتشتت الذي دبّ في مجتمعاتها، واتخذه بعض أفرادها أسلوبا وذريعة للفرار لسبب أو لآخر.
قد يستغرب البعض، ويرى سببا آخر، فيعزي سبب الإنحسار الى الحروب والأوبئة والكوارث التي فتكت بتلك التجمعات البشرية الكبيرة وأتت على من تبقى منها. والى حد ما فأن هذا السبب وارد لكنه يضاف الى السبب الرئيس ألا وهو النزوح وموجات الهجرة المتواصلة خلال هذه الفواصل الزمنية المتباعدة والتي أدت الى تناقص وربما اضمحلال تلك القوميات والحضارات وانكماشها.
لا شك أن أساليب القمع والقهر التي تمارسها السلطات الشمولية المستبدة هي نوع من أنواع سياسات التهجير بهدف تغيير البنى الطوبوغرافية للتجمعات البشرية واستبدالها بخرائط تتناغم مع سياسات تلك الحكومات الباغية!.
حيث أن هذه السياسات لا تلحق ضررا فادحا بسمعة تلك الحكومات بالحجم الذي تلحقه سياسة الإبادة الجماعية، أو إكتضاض السجون والمعتقلات والتي من شأنها إثارة الرأي العام، ومنظمات حقوق الإنسان للتنديد بشدة بذلك النظام وإدانته. وبتسارع دورات الزمن، وتتابع الفتن والمحن وتعاقب السلطات الجائرة، والنظم العنصرية والشوفينية طيلة هذه القرون، تغيرت الكثير من الخرائط السكانية الديمغرافية، وتلاشت أطياف، واندرست حضارات وصارت تأريخا يُقرأ، وعبرة من العبر!. وخير دليل معاصر هو هجرة خمسة ملايين عراقي خلال فترة تسلط حزب البعث من 1968-2003 أي ما يعادل خمس سكان العراق في هذه الفترة القصيرة في الحسابات الزمنية وإن كانت عصيبة ومعتمة.
ولو استمرت الحال على ما هي عليه، وفق تلك الوتيرة لفترة مشابهة لتغيرت هوية العراق السكانية حتما. وهنا مكمن الخطورة الذي توجب ان يتنبه له المخلصون، ويعكف على معالجته ذوو الإختصاص، وتتحشد كل الطاقات بحيث تسهم جالياتنا في المهجر مع جميع الجهود الجادة لمعالجة هذه الظاهرة. من المؤكد ان إستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والإقتصادية سيكون خير حافز لهجرة معاكسة فضلا عن توقف النزوح المستمر الى عالم الشتات، وهذا لا يتحقق بجهود حكومية منفردة، وانما باستنفار الأحزاب والحركات الوطنية للقيام بحملة توعية وطنية جادة، ودعوة كل مفكري ومثقفي البلد ونخبه الواعية للإسهام بهذه الحملة وإنجاحها كل من موقعه كونها لا تقل أهمية عن باقي تطلعات الجماهير لعراق آمن موحد مستقر.