تكونت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من ممثلي مكونات وتحاصصها كل مكون على حدة ايضاً، فهي تكونت من 4 ممثلين للشيعة واثنين للسنة العرب واثنين للكورد وواحد للاقليات، فحملت بذرة عدم استقلاليتها والصراعات والتجاذبات بين القوى السياسية وابتليت بمرض المحاصصة الخبيث الذي لا شفاء منه ومهما حاولت القوى تجميله وسلفنته، فالمواطنون سرعان ما لفضوه.
ان القوى السياسية المحتجة والجمهور العريض الذي يؤديها يشخص عن صواب بعد ان جرب وسائل عديدة وآليات لم تتمكن من تحقيق الاصلاح الجذري للعملية السياسية المتداعية مؤسسات وحكومة ودولة.
من هنا جاءت الفكرة لا بد من الاصلاح الاشتراعي اولاً والذي يبدأ بالمفوضية المستقلة للانتخابات وقانونها الى جانب قانون الانتخابات لعله يفرز خارطة نيابية جديدة، من خلال اختيار هيأة مستقلة بحق وحقيق، تكون على مسافة واحدة من كل الكتل المشاركة في الانتخابات المقبلة للمجالس المحلية والمجلس النيابي، لا تحابي احداً وليس لدى الجهات الحاكمة من سلطة على المفوضية سوى سلطة القانون والدستور الذي يؤكد بشكل صريح على هذه الاستقلالية التي طعنتها الاحزاب النافذة في الصميم.
طبعاً لا خلاف على ان انهاء عمل المفوضية الحالية يجب ان يكون عن طريق مجلس النواب صاحب الصلاحية والشأن ولكن هذا المجلس الذي تتطلع اليه الجماهير خذلها، لانه هو اصلاً غير مهيأ للاصلاح وبني على اساس المحاصصة الطائفية والحزبية وجاء من خلال قانون انتخابي غير عادل، فيه الكثير من الشوائب.
حاول مجلس النواب الالتفاف على خط الشروع هذا بتشكيل لجنة خبراء منذ اجتماعها الاول ارادت تأجيل تغيير مفوضية الانتخابات الى ما بعد الانتخابات، و من ثم هي بحثت في احتمال تغييرها ولكن على ذات المعايير والمبادئ الخاطئة باختيار المفوضين على اساس طائفي وعرقي وبالنسب التي تشكلت بها المفوضية الحالية، وهذا ما افصح عنه اكثر من مسؤول والمفوضين ذاتهم بذرائع وحجج متهافتة، بل ومضحكة بالزعم انهم سيجلبون جهازاً يعلن النتائج خلال ساعتين، ولكن لا يخبرونا لماذا لا تستطيع المفوضية الجديدة شراءه، ولماذا لم تشتريه من قبل؟ والأهم من ذلك هذا التشبث لمصلحة أية جهة سياسية يجري؟
لم يترك مجلس النواب للناس سوى ان تشكل لوبي ضاغط لاجباره على اداء جيد يستجيب لرغبات الناس بانتخابات نزيهة وعادلة والتخلص من القوى الفاسدة والمفسدة والاتيان بطبقة سياسية جديدة تحكم البلاد، هذا اللوبي كان جاهزاً في حركة الاحتجاجات المستمرة منذ سنتين والتي تنادي بالاصلاح الشامل السلمي ولديها البرنامج الذي يمكن ان يتم الحوار بشأنه للوصول الى صيغة مجربة تجيب عن كل التساؤلات والتشكيكات التي تطلق هنا وهناك.
كان الحراك الجماهيري سلمياً ولكن ابت القوى المناوئة للاصلاح والمستفيدة من الاوضاع الراهنة المطمئنة لمصالحها والمسؤولة عن حالة الانهيار على مختلف الصعد، الا تخضبه بدماء المحتجين وتهدرها غيلة وبذات الذريعة البائسة والكذبة المستلة من ترسانة الماضي بالقاء اللوم على المتظاهرين تارة، وفي اخرى على قوى مندسة، ولكن هذه القوى المندسة كانت مصطفة مع القوات الامنية وتستخدم وسائلها وعدتها وسلاحها، وهي معروفة لها.
الان، بعد الدماء التي سالت مجاناً ليس امام المجلس الذي ارسل بعض نوابه اشارات واضحة وصريحة الى انهم مع تغيير المفوضية واختيار اعضائها على أسس جديدة، جاء ذلك بفعل الضغط الاحتجاجي وهذا اولى ثماره.
ينتظر من الحراك الجماهيري ان يجذر مواقفه وينشط باوسع حملة توعية بشأن كيفية اختيار مجلس المفوضين ليقطع الطريق على الملتفين على مطالب الناس والتشديد على ان يكون المجلس مؤقتاً تنتهي مهمته بانتهاء الانتخابات وعناصره من القضاة يعينهم مجلس القضاء الاعلى من بين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والعدالة والاستقلالية.
ان الخلاص من امبراطورية مفوضية الانتخابات اصبح مطلباً ملحاً ولكن ليس لذاته، وانما من اجل اجراء انتخابات عادلة حرة بالاستناد الى قانون يتيح اوسع تمثيل لابناء شعبنا وتنافس شريف لا تجاوزات وتعديات فيه.
من هنا سيكون الانطلاق لانتخاب مجلس نواب يقر ويشرع قوانين تستأنف التقدم في طريق العملية السياسية واستكمال بناء دولة المواطنة الديمقراطية بجد كل عراقي له مصلحة فيها.
هذه وحدها القادرة على ضبط الاوضاع وايقاف الفوضى والانفلات الذي يضرب كل المفاصل ويحاسب منتهكي القانون العاملون بوجهين، وجه يقود السلطة، ووجه يقمع كل تحرك للمطالبة بالحقوق.
واخيراً نقول المطلوب الاعلان عن ورقة تثبت فيها خطوات مجلس النواب لحل ازمة المفوضية والقانون الانتخابي، وتحديد آجال الانجاز اذا كان اعضاؤه جادين في ابراء ذمتهم مما يحاك في الخفاء ضد طموحات شعبنا