23 ديسمبر، 2024 2:42 م

استقلال كوردستان … بين تهديدات ايران وتحفظات الجامعة العربية

استقلال كوردستان … بين تهديدات ايران وتحفظات الجامعة العربية

يبدو ان توجه الكورد لتقرير مصيرهم وعزمهم الانفصال عن العراق اقضت مضاجع دول المنطقة .. العربية منها والغير عربية , فلأول مرة تتبنى الجامعة العربية موقفا واضحا ازاء قضية من قضايا المنطقة بهذه السرعة في الوقت الذي تستخدم سياسة ضبط النفس في اصدار بيان شجاع يلعق الجرح العربي قليلا ازاء موضوع غزة . فقد اكدت الجامعة العربية بأنه (لا يحق للكورد الانفصال حاليا عن العراق ) .

ورغم قصر التصريح هذا إلا انه يحمل في طياته الكثير من المفاهيم المتناقضة , فاستعمال كلمة ( لا يحق ) يشير الى وجود قوانين وشرائع واتفاقيات تعتمد عليها الجامعة و يحاول الكورد التنصل منها ، في الوقت الذي كل القوانين الدولية ومواثيقها التي صادقت عليها الجامعة العربية تعطي الحق للكورد كشعب بتقرير مصيره . اما كلمة (حاليا) التي استخدمها التصريح فلا اتصور ان له محل من الاعراب , والتصريح نفسه يجرده من اي معنى , فكيف نقول لا يحق للكورد الانفصال ثم نحدده بعد ذلك بظرف زمني ؟ وما هو التوقيت المناسب الذي ترتئيه الجامعة العربية كي ينفصل الكورد بدولتهم عن العراق ؟ هل ترغب الجامعة ان يكون توقيت انفصال الكورد عن شعب عربي لا يجمعه به إلا الدين المشترك محددا بظرف سياسي معين تحدده له القومية العربية ؟ … في كل الاحوال فان تأثير هذا التصريح لا يتجاوز اكثر من بوابة القاعة التي انطلق منها و قد تعودنا من الجامعة العربية هذا النوع من التصريحات الاعلامية الخالية من اي تبعات سياسية .

اما الموقف المثير للاهتمام فهو الموقف الايراني الذي بدا قويا وحازما وأكد لأكثر من مرة وقوف الحكومة الايرانية ضد توجهات الكورد في تقرير مصيرهم وفك الارتباط عن العراق , ومع ذلك فالموقف الايراني لا يخلو من ثغرات يمكن لحكومة اقليم كوردستان التحرك من خلالها لإضعاف ردود الافعال الايرانية , فرغم ان اداء ايران السياسي يختلف عن اداء الدول العربية او تركيا ويمتاز بالنفس الطويل والدهاء , إلا ان هناك نقطة ذات حدين في الموضوع الايراني وهي عدم وجود علاقات طبيعية لإيران مع المجتمع الدولي , وهذه النقطة لها سلبياتها بقدر ما لها من ايجابيات . فعلاقات ايران السيئة مع المجتمع الدولي تجعلها في حل من اي مسئولية تجاه ذلك المجتمع وتعطيها مجالا اوسع في ردود افعالها ازاء اي ملف , ولكن في نفس الوقت تفقدها امكانية حشد الرأي الدولي خلفها في اي ملف مثار ضدها .

وعلى هذا الاساس فان بإمكان اقليم كوردستان التحرك وفق ثغرات الوضع الايراني من خلال محاور قد تكون البعض منها انية والبعض الاخر تحتاج الى عمل ووقت لتنفيذه وكما هو موضح ادناه :-

1- ان ايران تعاني من مشاكل اقتصادية كثيرة بسبب الحصار الدولي عليها وكذلك استنزاف قدراتها الاقتصادية في القتال الدائر في العراق وسوريا مما يجعل من اي تحرك عسكري محتمل لها ضد الاقليم مقيدا بعامل زمني لا تستطيع تخطيه .

2- نشوء الشعور المذهبي المضاد لإيران في المنطقة حددت كثيرا من قدرات ايران في المناورة السياسية وحاجتها الى حلفاء اقليمين خارج اطار الجماعات الشيعية التابعة لها , ويمكن لإقليم كوردستان مساومة الجانب الايراني في التحالفات التي تتشكل في المنطقة او التحالف معها في توجهات معينة مستقبلا .

3- الواقع الجديد في العراق , ومشاركة مجاميع اسلامية متطرفة الحدود مع ايران في الجانب العراقي ستبقي ايران في حالة تأهب مستمرة , وان نجاح هذه المجاميع في ترسيخ وجودها في تلك المناطق ستجبر ايران للقبول بوجود كيان كوردي مستقل يقلص طول حدودها مع هذه المليشيات الاسلامية خاصة في مناطق ديالى وكركوك .

4- استمرار الوضع الحالي في العراق دون نتائج حاسمة لحكومة بغداد سيجبر ايران لإعادة صياغة للمعادلة السياسية في العراق وإخراج العامل الكوردي منها على حساب العامل العربي السني .

5- ان وجود المليشيات الاسلامية المتطرفة في العراق يعطي الاقليم المبرر الكافي لتسليح جيشه رسميا للوقوف بوجه المجاميع الارهابية , وأيضا يعطيه مبرر اقامة قواعد عسكرية امريكية او لحلف الناتو على اراضيها , مما يقلل من اهمية التهديدات الايرانية مستقبلا ويجعلها مرهونة بتوافقات اقليمية ودولية .

6- ان تقييم الوضع الايراني على انه وضع متماسك داخليا هو تقييم مبالغ فيه , فإيران مثل بقية دول المنطقة تعاني من تنوع ديني ومذهبي وقومي يمكن لأي قوة خارجية من استغلالها للحد من التحركات الايرانية الخارجية وجعلها تنكب على مشاكلها الداخلية . فدعم عناصر مجاهدي خلق او المسلحين العرب او الكورد الايرانيين ليس بأمر صعب فيما اذا كانت هناك ارادة حقيقية لذلك .

7- يمكن لحكومة الاقليم تحجيم التهديدات الايرانية في اثارة الاوضاع الامنية داخل كوردستان بتقوية المؤسسات الامنية والاستخباراتيه فيها مما يحبط الجهود الايرانية في تحريك الجماعات الاسلامية المرتبطة بها .

8- ضرورة توجه الاقليم نحو روسيا ( الطرف الدولي الذي تعتمد عليه ايران في سياساتها في المنطقة) وربطها بمصالح اقتصادية داخل كوردستان لتحييدها في اي تحرك ايراني ضد الاقليم مستقبلا .

9- مشاكل ايران الاقتصادية تمكن الاقليم من اغرائها اقتصاديا وفتح السوق الكوردستانية امام شركاتها التي تعاني من مقاطعة دولية سواء من خلال المشاريع الاستثمارية او النفطية الموجودة في كوردستان .