18 يناير، 2025 11:45 م

استقبال شهر رمضان وعي الزمن والاجتماع

استقبال شهر رمضان وعي الزمن والاجتماع

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرأن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون – البقرة – 185-
هي لحظة ليست ككل اللحظات , ولكن لمن يعرفها , ولآننا نحاول أن نجتهد في معرفتها , فنريد خير المحاولة للجميع على القاعدة ألانسانية الحضارية :” حب لآخيك ماتحب لنفسك ” .
ولآننا ندرك ونشهد أن الزمن صناعة ربانية قال تعالى :” أن عدة الشهور عند الله أثناعشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات وألارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم …”
وأن السياحة في الزمن علم وفن وذوق وجمال , فستكون سياحتنا في شهر النور بركة ونماء لنا في باقي الشهور ؟
ونور هذا الشهر هو من شلال النور ومعدن ومنبع النور الذي منه تنطلق لغة النور في أفق الكون لتمحو الديجور , وتفسد ألحان الفسق والفجور التي من عشقها تبلد لديه الشعور , وراح ينظر للآخرين نظرة المذعور , فيحقد ويكره , ويكفر , وينتحر في بدعة ليس لها مثيل في العصور , ذلك هو ألارهابي المنسلخ من عالم النور والحبور والداخل في كهوف الظلمة ألابدية حتى الحشر والنشور الذي لايرى فيه الجهنميون النور ولايعرفون معنى النور  الذي يقول عنه تعالى :” الله نور السماوات وألارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح , المصباح في زجاجة , الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله ألامثال للناس والله بكل شيئ عليم – 35- سورة النور – 
وأستقبال شهر رمضان حدث كوني ومراسيمه مؤسسة من قبل السماء ومطبقة من علية أبناء أدم الذين عرفوا حق السماء من خلال خلافة وأستخلاف ألارض ومعرفة علاقتها بالسماء تلك العلاقة التي عبرت عن الحتمية بأعتبارها : –
1-  سنة ونظام
2-  قانون وحياة
3-  فهم وألتزام
قال تعالى كاشفا عن حتمية علاقة ألارض بالسماء : ” قل لو كان في ألارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ”
والذين عرفوا تلك الحتمية وبشروا بها هم :-
1-  ألانبياء والرسل صلوات الله وسلامه على نبينا محمد وعليهم وعلى أله وصحبه أحسن صلاة وأزكى تسليم .
2-  أوصياء ألانبياء وفي مقدمتهم وصي خاتم ألانبياء والمرسلين المعبر عنه ” ويتلوه شاهد منه ”
3-  الراسخون في العلم : الذين قال عنهم رسول الله “ص” لاتتقدموا عليهم فتهلكوا , ولا تتخلفوا عنهم فتزلوا , ولا تعلموهم فأنهم معلمون .
ومن ألانبياء والرسل نستمع الى خاتمهم رسول الله , محمد بن عبد الله “ص” الذي كان يستقبل رمضان فلنتعلم منه أدب ألاستقبال حيث يقول “ص” : –
” أيها الناس أنه قد أقبل اليكم شهر الله :
1-  بالبركة
2-  والرحمة
3-  والمغفرة
شهر هو عند الله أفضل الشهور , وأيامه أفضل ألايام , ولياليه أفضل الليالي , وساعاته أفضل الساعات ؟
هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله , وجعلتم فيه من أهل كرامة الله
أنفاسكم فيه تسبيح
ونومكم فيه عبادة
وعملكم فيه مقبول
ودعاؤكم فيه مستجاب .
فسلوا الله ربكم بنيات صادقة , وقلوب طاهرة , أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه , فأن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم؟
وأذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ؟
وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم , ووقروا كباركم , وأرحموا صغاركم , وصلوا أرحامكم , وأحفظوا ألسنتكم , وغضوا عما لايحل النظر اليه أبصاركم , وعما لايحل ألاستماع اليه أسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم , وتوبوا اليه من ذنوبكم , وأرفعوا اليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم , فأنها أفضل الساعات , ينظر الله عزوجل فيها بالرحمة الى عباده يجيبهم أذا ناجوه , ويلبيهم أذا نادوه , ويستجيب لهم أذا دعوه – مفاتيح الجنان – ص 246-
فأذا كان ألاستقبال ظاهرة أجتماعية تحظى بأهتمام المجتمع البشري بمختلف أجناسه وعقائده , فلنا أن نعرف لمن يكون ألاستقبال ومتى ؟ والجواب سوف يكون مستلا من تجربة ألافراد والجماعات , والشعوب , والدول , وهو على الشكل ألاتي :-
1-  أستقبال الضيوف : ولهم نسب وطبقات
2-  أستقبال الزوار : وهم المعارف والجيران وألاصدقاء
3-  أستقبال المراجعين : وهو مايجري في الدوائر الحكومية وغير الحكومية
4-  أستقبال المناسبات : وهو عرف شاع عند الكثير من الشعوب والمجتمعات والدول .
والمناسبات كثيرة منها :-
1-  المناسبات الدينية
2-  المناسبات الوطنية
3-  المناسبات ألاجتماعية
وشهر رمضان المبارك , ومن خلال الخطاب القرأني , ومن خلال خطاب رسول الله “ص” هو ليس مناسبة دينية فقط وأنما هو مناسبة يجتمع فيها الوطني وألاجتماعي للآسباب التالية :-
1-  هو شهر للهداية العامة للناس
2-  وهو شهر للمغفرة
3-   وهو شهر للرحمة
4-   وهو شهر للبركة
وهذه الخصائص مشتركات عامة : للآفراد , وللمجتمع , وللشعوب , وللآوطان .
فالهداية حاجة أجتماعية ووطنية , لآن المجتمع بالهداية يسوده ألانسجام والمحبة , والوطن بالهداية يتفرغ من أعباء الملاحقات ألامنية ومتاعبها , ويتوجه الى البناء وألاستقرار , فتصبح الدولة قوية محصنة .
والقرأن الكريم عندما جعل من شهر رمضان ونزول القرأن مناسبة للهداية العامة للناس , كل الناس على أختلاف أجناسهم ومشاربهم , ذلك لآن القرأن خطاب السماء ودستورها الى الناس كافة ” وما أرسلناك ألا رحمة للعالمين ” ” يا أيها الناس أني رسول الله اليكم جميعا ” .
فالقرأن مشروع هداية , وشهر رمضان هو المناسبة الزمنية لذلك المشروع المفتوح على الحاجات ألانسانية , وليلة القدر تمثل قمة تلك المناسبة لما تشهد من حشد هائل من الملائكة الزائرين لمجتمع ألارض لآغراض البشرى والبركة والسلام وهذه ألاغراض حاجات ومطالب أنسانية فهي ذو هوية عالمية
وأنسانية المطالب والحاجات وعالميتها تعرف بنوعيتها , فالرحمة : مطلب وحاجة أنسانية : وهي ضد القسوة والعنف والمجتمع الدولي اليوم يشكو من تفشي ظاهرة العنف , وألارهاب التكفيري هو أبشع أنواع العنف ؟
والمغفرة : حاجة بشرية أنسانية : يعبر عنها بالقانون الدولي بالعفو , والعفو مفهوم مشترك بين القوانين الشرعية والقوانين الوضعية , والقوانين الشرعية النابعة من السماء هي صاحبة التأسيس لمفهوم ” العفو ” ” وأعف عن الناس ” خذ العفو وأمر بالعرف ” ومصطلح ومفهوم ” العافين عن الناس ” هو مفهوم قرأني ” وكذلك مصطلح ومفهوم ” كظم الغيظ ” ” والكاظمين الغيظ ” وهو سلوك أخلاقي رفيع المستوى ينعكس على قوة وتماسكا ومحبة .
وأما البركة : فهي حاجة بشرية أنسانية ذات مفهوم أيماني  مرجعيته السماء , والبركة تعني مايلي :-
1-  الخير في كل شيئ : والناس جميعا يحتاجون الخير
2-  النماء في كل شيئ : والنماء مطلب أنساني عالمي , والتنمية البشرية من مشتقاته .
3-  والزيادة في ألانتاج : وهو مفهوم أقتصادي , يحرص عليه كل أقتصاد بشري مهما أختلفت منطلقاته النظرية والعقائدية
وعندما يستقبل رسول الله “ص” شهر رمضان موضحا ومبينا للناس : بأنه أقبل اليكم وهو من باب المحبة والرغبة , ولم يقل ” عليكم ” وأنما قال “ص” : ” اليكم ” تخصيصا بالحاجة ألانسانية وتلبية مطالبها من خلال برنامج : الرحمة , والمغفرة , والبركة
وحتى يوضح رسول الله “ص” أهمية هذا الحدث قال :
نومكم فيه عبادة ؟ فأذن نحن أمام فرصة حقيقية للتنمية ألايمانية بمفهوم العبادة السمحة الحنونة التي تعطينا تعويضا فريدا من خلال تحويل ” النوم ” وهي حالة السكون والرقاد وألانقطاع عن العالم الخارجي , الى حالة تواصل وعمل , قال تعالى :” الله يتوفى ألانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها , فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل ألاخرى الى أجل مسمى ” ومرة أخرى نحن أمام تفسير غيبي لظاهرة تأخذ منا الكثير ونحتاج أن نعرف عنها الكثير تلك هي ظاهرة ” الموت ” ” كل نفس ذائقة الموت ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة ” ” وأينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ” وظاهرة ” النوم ” هي شبيهة بظاهرة ” الموت ” من حيث أستحصال الروح , ولكن مع فوارق ومظاهر مؤجلة بأفق الغيب الذي لايعلمه ألا الله سبحانه وتعالى :” قال تعالى ” وعنده مفاتح الغيب لايعلمها ألا هو ” وقال ” أن الله عنده علم الساعة , وينزل الغيث , ويعلم مافي ألارحام , وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ” .
ثم يقول “ص” وأنفاسكم فيه تسبيح : ومن أهمية هذا ألاستقبال الرائع لشهر رمضان على لسان خاتم ألانبياء والمرسلين : أن يكشف لنا سرا من مكنونات العبادة في معناها الفسلجي المتصل بظواهر الكون المتدين المعجز بسماواته وأفلاكه ومجراته وشموسه وأقماره وكواكبه , وأرضه وبحارها وجبالها وأشجارها وحيواناتها وكافة مخلوقاتها التي ترى والتي لاترى .
أن يتحول التنفس : وهو عملية الشهيق والزفير الى تسبيح , والتسبيح هو التنزيه والتقديس وهي العبادة التي تمارسها ملائكة الله وأخذها ألانسان المتعبد مجارات لذلك العمل الملائكي المتجلي بالخضوع والخشوع حيث يصبح كل ذلك من أعالي المعرفة التي لاتترك فراغا يستغله الشيطان ؟
وعندما يقول رسول الله “ص” عن شهر رمضان : هو أفضل الشهور , وأيامه أفضل ألايام , ولياليه أفضل الليالي , وساعاته أفضل الساعات : أنما يكشف لنا سرا أخر من أسرار الكون المتدين فالزمن كائن كوني له حضور وشهود , وهو حاضنة العمل البشري وأطاره , والسفر فيه ومعه له أصول وقواعد لايعرفها ألا من أمتحن الله قلبه قال تعالى ” أفلا يتدبرون القرأن أم على قلوب أقفالها ” والزمن المحدب هو من أبتكارات نظرية النسبية لآنشتاين ولكنه من تأسيسات مرجعية السماء قال تعالى ” وأذ أخذ ربك من بني أدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين ” وهذه البيعة من خلال عالم الذر وتفاصيله حيث تكون الخلية خلقا ذريا متناهي في الصغر حدثت خارج أطار الزمان , حيث لامكان ولا زمان ألا أمره ومشيئته التي منها ترتسم خريطة الكون بزمانها ومكانها الذي يتحدد ويتنوع بحسب المشيئة التي هي ينبوع كل شيئ ؟
ومن هنا كان الجميع في حضور واحد وبيعة واحدة  وعندما أنطلقت مسيرة الخلق والتكوين كان الزمان حاضنتها يصغر ويكبر بحسب العمل ولحظة ألابداع والمواجهة , فتكون اللحظة يوما والساعة سنة واليوم دهرا , والعكس صحيح , وهذا هو معنى الزمان المحدب والمكان المحدب وألانسان المحور والمركز لنفسه ولآفعاله ” حسبوك جرما صغيرا وفيك أنطوى العالم ألاكبر ”
وحتى لايقع ألالتباس جاء التوضيح القرأني ” أأنتم أشد خلقا أم السماء ” ؟ وقال تعالى ” لخلق السماوات وألارض أشد من خلق الناس ” .
فالزمن أي الوقت هو وعاء العمل , وهذه النظرة التجديدية لمفهوم الوقت هي التي جعلت أنشتاين يكتب عن نظرية ” السفر في الزمان , وهي التي جعلته مرة أخرى يكتب عن نظرية ” أنبساط الوقت ” عندما قيل له : أن محمدا نبي ألاسلام عندما سافر في رحلة ألاسراء والمعراج لمس ردائه أبريقا فأنسكب منه الماء وعندما رجع الى ألارض كان ألابريق لايزال ينسكب منه الماء ؟
وبلغة العلم وفهم وتواضع العلماء تحرك أنشتاين ليدرس هذه الظاهرة , فكانت نظرية ” أنبساط الوقت ” من أبداعات الفكر البشري بحسه ألانساني الحضاري .
وعندما ينتقل النبي “ص” من التأكيد على الزمن بوعي جديد الى تركيز المفهوم ألاجتماعي عبر محطات :-
1-  توقير الكبير
2-  العطف على الصغير
3-  وألاهتمام بالمساكين
4-  ورعاية اليتيم
5-  وضبط أيقاع النظر بما يحدد أنفلات العواطف التي ثبت عدم جدوى الفوضى فيها
6-  وضبط أيقاع السمع بما يحافظ على بيئة التلقي السليمة
7-  وألابتعاد عن الغيبة بما يحفظ علاقات ألاجتماع
8-  والحرص على ذوي الرحم بما يعزز سلامة العائلة الحاضنة ألآولى في المشاعر وألاحاسيس
9-  مع الربط المنطقي لحالة العطش والجوع في أثناء الصيام بما ينتظر ألانسان من موقف يكون فيه العطش والجوع ألاكبر دليلا على حاجة ألانسان لما يخفف عنه أهوال ذلك الموقف ومضاعفاته وهو يوم لاريب فيه وهو يوم القيامة ؟
من هنا نكون أمام أطروحة في وعي الزمن وفهم ألاجتماع يقدمها لنا رسول الله “ص” من خلال مناسبة أستقبال شهر رمضان الذي نرى مراسيم ألاستقبال تتجه أتجاها مغايرا لاينسجم مع المفهوم الذي طرحه القرأن الكريم وخلاصته ” الهداية ” والمفهوم الذي طرحه رسول الله “ص” في صناعة وعي أجتماعي قادر على تحمل المسؤولية والنهوض بالمهام الملقاة على أستخلاف ألارض الذي خص بها ألانسان دون غيره من المخلوقات والذي لم ينل هذا الشرف حتى الملائكة المقربين الذين كان سؤالهم أستفسارا وتعلما ولم يكن تعنتا ومكابرة كما فعل أبليس وكما يفعل أبالسة البشر اليوم عندما يجعلوا من ألارهاب التكفيري طريقا واهما للجنة التي لم يعرفوها ولم يعرفوا خالقها , وكما يفعل منظرو السياسة الدولية عندما يفصلوا الديمقراطية على مقاساتهم دون مقاسات الشعوب وعندما يجعلوا من شرعة حقوق ألانسان محطة لتركيز الظلم وتوزيع المفاهيم الخاطئة عن العدالة بما يناسب هواهم ؟
وما السجالات التي تدور في العراق اليوم ألا عبارة عن تغريبة فكرية يختلط فيها الوهم بالحقيقة والحق بالباطل , وتتداخل فيها الوطنية مع العمالة حتى لم يعد مجالا للفلاتر العقلية والمصدات ألاخلاقية أن تأخذ دورها , فمن يصافح أسرائيل ويتواطئ مع مشروعها التخريبي , ومن يتحالف مع ألارهاب وأنظمة التبعية الداعمة له , ومن يريد تقسيم العراق وزرع الفتنة , كل هؤلاء تزدحم أهواؤهم لتتعاون على تأخير العمل الوطني , وكل هؤلاء ربما ينتهزوا مناسبة شهر رمضان ليدلوا بميوعتهم ويكشفوا عن ترهلهم الروحي وفراغهم الثقافي , ليشوهوا المشهد ألايماني الكوني بنعرات يطفح فيها ومنها التخلف الذي لايبني ألانسان والوطن .
فلنعرف المفهوم الحضاري لآستقبال شهر رمضان , وذلك مشروع مفتوح للجميع .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات