فتحت استقالة وزير المالية العراقي، علي علاوي، جرحًا غائرًا في جسد الدولة العراقية، كما سلطت الضوء على حجم الفساد المستشري في البلاد، وسط تحقيقات رسمية تجريها هيئة النزاهة، عن الصفقة الشهيرة لشركة بوابة عشتار, بدأت كرة الثلج بالتدحرج، عندما كشفت وسائل إعلام عراقية عن مطالبة شركة “بوابة عشتار” للدفع الإلكتروني، بشرط جزائي وضعته ضمن أحد العقود مع مصرف الرافدين الحكومي، بسبب تلكؤ الأخير، في تنفيذ بنود العقد، وهو ما أثار ضجة واسعة، عن حجم هذا
وصول علاوي إلى وزارة المالية بعد 20 عامًا من مغادرتها، عندما كان وزيرًا للمالية أيضًا في عام 2006، فتح عينيه على ما يمكن وصفه بـ”الفظائع”، حيث اكتشف في أسابيع قليلة الحقيقة المروعة بشأن مدى تدهور آلية الحكومة في السنوات الـ15 الماضية”، مؤكدًا أنه تم الاستيلاء على مفاصل واسعة من الدولة فعليًا من قبل الأحزاب السياسية وجماعات المصالح الخاصة , وصف وزير المالية العراقي، الوزارة التي كان يترأسها بأنها “شبحًا” مقارنة لما كانت عليه في السابق، وشغل مدراء مناصبهم الرئيسة لفترات قصيرة فقط، ووقع العديد منهم تحت تأثير الأحزاب السياسية، وكان العديد من المدراء غير مناسبين أو مؤهلين لمناصبهم، وتقليص الكثير من الموظفين الذين يعرفهم علاوي منذ 2006 عبر الاستقالات والتقاعد والطرد و”القتل”، وأصبحت وزارة المالية ملأى بـ”الأشخاص ذوي المؤهلات المشكوك فيها، وليس لديهم خبرات ومهارات مع القليل من الفهم للممارسات الحديثة في الإدارة العامة والإدارة المالية، وقام غير الأكفاء والمتصلين بالسياسة، بإزاحة الإداريين المهرة,ووصف علاوي المالية ومهامها بأنها وزارة كانت “تدير دفع الرواتب والمدفوعات الروتينية الأخرى ضمن الموازنة”، لكنها كانت بعيدة كل البعد عن كونها المؤسسة الرئيسة لصنع السياسات المالية والاقتصادية للبلاد، ما ترتب على إدراك علاوي بمدى خلو الوزارة من مهاراتها وقدراتها خلال سنوات, وتحدث علاوي عن نقطة رئيسية يجب الأخذ بها قبل كل شيء، وهو ضرورة “التراجع عن نظام السعر المزدوج الذي يسمح بالفساد، أي أن هناك أسعار مزدوجة لنفس المنتج أو الخدمة في جميع أنحاء الاقتصاد، وهناك أسعار السوق ومن ثم أسعار تحددها أوامر إدارية أو لجنة وزارية لا علاقة لها بأسعار السوق، وهذا يؤثر على أسواق الأراضي والإسكان والوقود والمواد الغذائية الأساسية والعملة والصعبة وغيرها، مضيفًا: “لقد قيل خطأ إن هذا النظام يساعد الفقراء، لكنه في الواقع تكاليف باهظة ويشجع الفساد أينما توجد أسعار مزدوجة وهناك طرق أفضل وأكثر فاعلية لمساعدة الفقراء دون هذه التشوهات الهائلة التي تدمر عمل الأسواق”، ولعل علاوي يشير بما يصفه الأسعار المزدوجة إلى وجوب “رفع الدعم الحكومي عن كل شيء”، حيث أنّ الدعم الحكومي يفيد الميسورين أكثر من الفقراء، ولا سيما في الكهرباء والوقود التي يستهلكه أصحاب السيارات الثمينة أكثر من غيرهم من الفقراء.
تصريحات علاوي خطيرة جدًّا، ولا ينبغي أن تمر مرور الكرام، إذ إن منصب مثل وزير المالية هو بمثابة الحل الشوكي لجسد الدولة، وهو عارف بكل الملفات، وباعتقادي أنّ ما كشفه جزء يسير، وهناك الكثير من الملفات التي لم يتم الكشف عنه , وينظر قطاع واسع من العراقيين إلى الوزير علاوي، على أنه شخصية تكنوقراط وراسخة في مجال الإدارة المالية، كما أنه أبدى صرامة في بعض الأوقات ضد إملاءات زعامات سياسية ، يفسر حجم الفساد، بأن “القوانين المالية كلها متعبة وغير قادرةٍ على استيعاب الوضع المالي، ومواجهة الفساد الذي يطوّر أدواته، مثل قانون البنك المركزي، وقانون المصارف، وقانون هيئة الأوراق المالية، وقانون هيئة الاستثمار، وكلها شُرعت عام 2004، وهناك تمسّك واضح من الطبقة السياسية بتلك القوانين، لأنها تشرعن الفساد
وأعلنت هيئة النزاهة في وقت سابق , تورّط 11 ألفًا و605 مسؤولين، بينهم 54 وزيرًا “في الفساد” خلال العام 2021وقالت تلك الهيئة في إحصائية سابقة لها، إن “من بين هؤلاء 54 وزيرًا ومن بدرجته (لم تحدّد أسماؤهم)، وجهّت إليهم 101 تهمة، و422 مُتَّهمًا من ذوي الدرجات الخاصَّة والمُديرين العامِّين ومن بدرجتهم وجّهت إليهم 712 تهمة,, كما كشفت جهات مختصة عن قيام بعض البنوك في العراق بابلاغ وزارة المالية عن خروج أموال بالملايين من حسابات مصرفية لعملائهم لحساب شركة غير معلومة انشطتها وبنفس الوقت دخول مئات الملايين ايضا الى حسابات عملاء آخرون في بغداد مما اثار الجدل فيما يحدث وراء الكواليس !! واثبتت الجهات المختصة ان بعض العائلات العراقية بدأت تضهر عليهم مظاهر الثراء الفاحش حيث السيارات الفاخرة والفلل والقصور بشكل مبالغ فيه جدا خلال الأشهر الماضية مما يدعو للشك ثم شيء غير طبيعي يحدث في وقت يعاني فيه اغلب شعب العراق من ضروف اقتصادية متردية,, ورصدت بأن هناك ٦٦ فرد من بغداد قد تضخمت ثروتهم بما يزيد عن ٢٠ مليون دولار ومنهم موظفين في الدولة لا تتجاوز رواتبهم ٣٠٠ دولار شهريا ، هناك شخصيات عراقية مرموقه تدعم ذلك عن طريق غسيل الاموال , وا صبحت مفردات “الفساد والإصلاح” مفردات مملة للكثير من العراقيين، وفضفاضة وغير مؤثرة, لا معنى للحديث عن الفساد كاختصار لمشكلات الاقتصاد، فهو النتيجة النهائية للعملية وليست بدايتها ويمكن وصفه بالسرطان الذي يقتل الجسم”، “الفساد يزدهر في العراق لأن النظام يتسامح معه ويسمح له بالازدهار والنمو, أن ما يجب القيام به، هو “إعادة بناء قدرات الدولة لمنع انتشار الممارسات الفاسدة، وإصلاح الدولة بشكل جذري من خلال تقليص الإجراءات والقوانين والممارسات التقليدية، وتطوير صفات ومهارات المديرين المتوسطين والمتقدمين في الدولة بشكل جذري، وإزالة الحماية التي تمنحها الأحزاب السياسية ورؤساؤها للأفراد الفاسدين والممارسات الفاسدة، وتدمير ثقافة الجشع والتسيب والإفلات من العقاب، التي تسمح بازدهار الفساد، وضرورة إزالة الغموض الذي يميز القرارات الحكومية بشأن النفقات والاستثمارات، إذ يزدهر الفساد نتيجة صفقات تنظم في الظلام وعدم الانفتاح والشفافية