استقالة محافظ واسط.. الدوافع الخفية

استقالة محافظ واسط.. الدوافع الخفية

في خطوةٍ بدت للوهلة الأولى نابعة من شعور بالمسؤولية و”احتراماً لدماء الشهداء”، أعلن محافظ واسط محمد جميل المياحي استقالته من منصبه، عقب الحريق الكارثي الذي التهم أحد أهم المراكز التجارية في مدينة الكوت، وراح ضحيته العشرات من الأبرياء، بينهم نساء وأطفال. لكن خلف هذه الاستقالة – التي وُصفت بـ”الاستباقية” – تلوح دوافع خفية تستحق الوقوف عندها.
ان الكارثة التي أشعلت كل شيء في الحريق الذي وقع في مول “هايبر” لم يكن مجرد حادث عابر. بل كشف هشاشة منظومة السلامة في مشاريع الاستثمار، وتضارب الصلاحيات بين الدوائر المحلية، كما فضح غياب الدور الرقابي الفاعل من قبل إدارة المحافظة. وبينما كان المواطنون يشيّعون ضحاياهم، كان الشارع يغلي غضباً. مطالبات بإقالة المحافظ، وإشارات واضحة لتقصير فادح، دفعت مجلس الوزراء والبرلمان إلى التحرك سريعاً وتشكيل لجنة تحقيق عاجلة.
ان بين العلني والمخفي فهي قراءة في خلفيات القرار،فبالرغم أن المياحي أرجع استقالته إلى “الضمير والمسؤولية”، إلا أن قراءة المشهد السياسي بدقة تكشف عن جملة من العوامل الكامنة خلف قراره
ومنها فرضية الهروب إلى الأمام،فالمياحي يدرك جيداً أن نتائج التحقيق الرسمي تُحمّله – بشكل أو بآخر – جزءاً من المسؤولية الإدارية عن غياب معايير السلامة والرقابة. فاختار الاستقالة قبل صدور قرار الإقالة أو الإحالة إلى النزاهة، محاولاً حفظ ماء الوجه وتقديم نفسه كمسؤول “يتحمل المسؤولية بشرف”.
خصوصا وان انباء تسرّبت  عن ضغوط حزبية مورست على المياحي للاستقالة، في مقابل “حماية لاحقة” من الملاحقات القانونية، أو ضمانات بترشيحه لاحقاً لمنصب نيابي أو وزاري. وهذا أسلوب معروف في المشهد العراقي، حيث يُستبدل الكرسي التنفيذي بكرسي تشريعي مؤمن قانونياً.
لقد كان الشارع الواسطي لم يكن غاضباً فحسب، بل على وشك الانفجار. فاستقالة المحافظ كانت بمثابة صمام أمان لتنفيس الأزمة، و”تقديم قربان سياسي” لتهدئة الجمهور، خصوصاً أن الضحايا بالعشرات، وسط مشاهد مؤلمة تداولها العراقيون على نطاق واسع.
يبقى السؤال: هل ستنتهي القصة باستقالة محافظ،
الضحايا لا يعودون، ومشاريع الاستثمار التي تُنشأ بلا رقابة تظل قنابل موقوتة. ولذا فإن الرأي العام لا يبحث فقط عن استقالة، بل عن مساءلة حقيقية ومراجعة شاملة لملف الاستثمار والمجالس المحلية والدفاع المدني، وإعادة النظر بمنظومة السلامة في المحافظات كافة.
ان استقالة المياحي ليست “شجاعة سياسية” فقط، بل توظيف ذكي للأزمة لحفظ مستقبل سياسي محتمل، أو تفادي المساءلة الجنائية، وربما حتى لإعادة التموضع داخل المشهد العراقي من بوابة أخرى.
لكن الأهم: من يملأ الفراغ..  وهل سيكون القادم امتداداً للخلل ذاته، أم بداية لتصحيح جذري يعيد للناس ثقتهم بالمؤسسات،
 ان الجواب مرهون بإرادة سياسية لا تزال – حتى اللحظة – تُختبر في كل أزمة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات