18 ديسمبر، 2024 9:49 م

استقالة عادل عبد المهدي الملغومة

استقالة عادل عبد المهدي الملغومة

أعلن السيد رئيس الوزراء بانه سيقدم استقالته الى رئاسة مجلس النواب وذلك للنظر في اختيار بديل عنه، وقد عد السيد رئيس الوزراء تقديم الاستقالة من فبله بمثابة استقالة للحكومة بمجملها، ومن باب الوقوف على النصوص القانونية المنظمة لموضوع استقالة رئيس الوزراء وما يترتب عليها فأننا نشير الى ما يلي :
أولا: مكونات السلطة التنفيذية :
تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية وفقا لما اشارت له المادة (66) من الدستور العراقي لسنة 2005 (من رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، تمارس صلاحياتها وفقاً للدستور والقانون). ويعتبر رئيس مجلس الوزراء وبحسب ما اشارت له المادة (78) من الدستور بمثابة ( المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب) .
ومن ملاحظة نصوص الدستور وقدر تعلق الامر بموضوع الاستقالة، نجد ان المشرع الدستوري في الوقت الذي منح فيه رئيس الوزراء صلاحيات واسعة بموجب الدستور، فانه من جانب اخر لم يعالج موضوع استقالة رئيس الوزراء او الوزراء، اذ لم نجد أي نص دستوري يشير لذلك، في حين نجد ان ذات المشرع كان حريصا في معالجة موضوع استقالة رئيس الجمهورية بنص دستوري هو نص المادة (75) منه والتي اشارت الى ما يلي:
اولاً: ـ لرئيس الجمهورية تقديم استقالته تحريرياً الى رئيس مجلس النواب، وتُعد نافذةً بعد مضي سبعة ايام من تاريخ ايداعها لدى مجلس النواب. ثانياً: ـ يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه. ثالثاً: ـ يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لاي سببٍ كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تأريخ الخلو. رابعاً: ـ في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، يَحل رئيس مجلس النواب، محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائبٍ له، على ان يتم انتخاب رئيسٍ جديد خلال مدةٍ لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الخلو، وفقاً لأحكام هذا الدستور.
ان هذا التوجه من المشرع الدستوري بإغفال معالجة موضوع استقالة رئيس الوزراء هو نقص في الدستور يجب تداركه عند تعديل الدستور .
ثانيا: إجراءات تقديم الاستقالة وملابساتها:
ان عزم رئيس الوزراء تقديم استقالته الى مجلس النواب هو محاولة منه لإدخال الامر في أروقة المجلس ، ومن ثم الدخول في دائرة التفسيرات المتعددة للموضوع ، تلك التفسيرات التي تبدع في ايجادها كتل سياسية وتيارات تحركها الاهواء والمصالح ، فهل ستقبل الكتل الاستقالة مباشرة بدون التصويت عليها كما هو الحال بالنسبة لرئيس الجمهورية وفقا لأحكام ( المادة 75 / أولا ) من الدستور التي اشارت الى ان الاستقالة (…تُعد نافذةً بعد مضي سبعة ايام من تاريخ ايداعها لدى مجلس النواب ) ، ام ان تفسير الامر سيختلف هنا ، فقد يذهب اتجاه مثلا الى وجوب تصويت المجلس على الاستقالة لتعد مقبولة ونافذه ، وهنا ماهو نصاب التصويت ، وربما قد تلجأ البعض من الكتل المستفيدة من الحالة الحالية للبلد الى الدفع باتجاه التوجه للمحكمة الاتحادية للبت في شرعية الإجراء او طلب بيان حكم الدستور في هذه الحالة .
هذه الأمور وغيرها الكثير تدفعنا الى القول ( ونتمنى ان نكون غير مصيبين ) ، ان وراء ما سيقوم به السيد رئيس الوزراء ومن يدفعه بهذا الاتجاه ، أمور قد لا تصب في مصلحة الحراك الوطني ومظاهرات الإصلاح ، اذ قد تندفع الأمور نحو المجهول ، ويعزز ما يتضح لنا من ( وجود نية مبيته لدفع الموضوع نحو المماطلة والتسويف ) ، هو ان النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم 2 لسنة 2019 (المادة 18/ أولا ) منه نصت على انه ( أولا : يقدم الرئيس طلب إعفائه من منصبه الى رئيس الجمهورية ، ثانيا : يقدم نواب الرئيس و الوزراء و من هم بدرجة وزير طلبات إحالتهم إلى التقاعد او إعفائهم من مناصبهم إلى الرئيس ) ، وهذا الموضوع واضح وجلي ولا يخفى على السيد رئيس الوزراء ومن معه من مستشارين ، فلماذا يدفع هذا الامر باتجاه مجلس النواب .
ختاما ، ان في ما اعلن عنه السيد رئيس الوزراء من تقديم استقالته لمجلس النواب هو امر لا يسانده نص دستوري ، وان النظام الداخلي لمجلس النواب رقم 2 لسنة 2019 هو الحاكم في هذا الموضوع ، فكان عليه ان يقدم الاستقالة الى رئيس الجمهورية ، وتعتبر هذه الاستقالة نافذة من تاريخ تقديمها ، ويستمر رئيس الوزراء والمجلس بتصريف الأمور اليومية للبلد تأسيسا على احكام (المادة ٤٢ ) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم 2 لسنة 2019 التي عالجت هذا الموضوع بقولها ( اولا : يستمر مجلس الوزراء في تصريف الامور اليومية للدولة الى حين تشكيل الحكومة الجديدة في الحالات الاتية :- أ. انتهاء الدورة الانتخابية لمجلس النواب ، ب. سحب الثقة من مجلس الوزراء او رئيسه ، ج. حل مجلس النواب . ثانيا : يقصد بتصريف الأمور اليومية : اتخاذ القرارات و الإجراءات غير القابلة للتأجيل التي من شانها استمرار عمل مؤسسات الدولة و المرافق العامة بانتظام و اضطراد , و لا يدخل من ضمنها مثلا اقتراح مشروعات القوانين او عقد القروض او التعيين في المناصب العليا في الدولة و الاعفاء منها او اعادة هيكلة الوزارات و الدوائر. )) .
ولا يفوتنا ان نشير هنا ، الى ان هذا النظام لم يشر لحالة تقديم رئيس الوزراء طلبه بالإعفاء من المنصب ضمن الحالات المشار لها بالفقرة أولا من المادة ، وهو امر يمثل معالجة معيبة لموضوع كان يجب ان يعالج بصورة قانونية سليمة ومفصلة خصوصا وان الدستور سكت عن تنظيم هذا الموضوع ، الامر الذي يشعرنا بقلق بالغ من التصرفات والافعال غير القانونية والتي تعمل في فضاء من الاجتهادات غير المنضبطة ، ويجعلنا في شك من أي تصرف ، وندعو الحركة الإصلاحية للحذر خشية من التسويف والمماطلة ، خصوصا وان الطلب قدم لجهة غير مختصة به ، وربما ستعمل هذه الجهة عن عمد او ربما عن عدم معرفة لإطالة امد هذه الحكومة ، الامر الذي يعنى استمرار لنزيف الدماء الزاكية لشبابنا.