13 أبريل، 2024 3:54 ص
Search
Close this search box.

استغاثة من الساحل الأيمن

Facebook
Twitter
LinkedIn

صرخات الاستغاثة وصُورها التي التقطتها كاميرات مرهفة، كانت صامتة، لكن ضجيجها كان عاليا لكل من مرّ على ملامح الناس الذي ظهروا في صور عكست كل معاني الخوف.

الصراخ وحده من أنقذ حياتها!

قرابة الـ1000 مخلوق أصفر وديع من أفراخ الدجاج حديثة التفقيس، وجدت وحيدة عزلاء في أحد الحقول الجرداء في قرية بريطانية الأسبوع الماضي، وكان عدد لا بأس به منها قد توفي بالفعل عندما تم اكتشاف “الكارثة”، من قبل بعض المستطرقين الذين كانوا يتجولون في المنطقة بالمصادفة.

وبعد مرور وقت قصير، حضر جمع من أعضاء جمعية الرفق بالحيوان لتقصي حجم الكارثة، ليصف أحدهم الصورة المريعة بقوله “أمر لا يصدق، بحر من الصفار يخوض في الوحل.. والضجيج لا يطاق!”. هذا لأن الفراخ المسكينة كانت تواصل صياحها منذ اللحظة التي تم فيها وضعها بإهمال على قارعة الطريق، بأيد مجهولة، أيد لأناس يضعون حجارة بدل قلوبهم ويقبع ضميرهم الإنساني في بئر سحيقة من اللامبالاة.

تم انقاذ المخلوقات الجميلة، حيث قام بتبنيها أصحاب مزرعة مجاورة؛ فراخ بعمر أيام، رقيقة وحساسة، قدمت لها الحماية من مستقبل مجهول كان بانتظارها حتماً على طريق لا يرحم. الملاحظة التي دونها أحد أعضاء الجمعية الخيرية، كانت تؤكد على “أن أغلب الفراخ نجحت في البقاء على قيد الحياة ولم يبد عليها أي معاناة نفسية، على الرغم من سنها الصغيرة وقسوة الظروف الجوية، كان هذا من حسن حظ الجميع!”.

مرّت على هذه القصة الظريفة بضع صحف ومواقع إلكترونية مرور الكرام، فهذا النوع من الأخبار لا يسترعي انتباه الجمهور في العادة، الجمهور الذي يؤمن بأن لكل فعل استغاثة رد فعل يتناسب معه، فكان على يقين بأن الفعل الوحيد الذي أنقذ صغار الدجاج هو صراخهم الذي مرر رسائل استغاثة مستعجلة، كانت كافية على ما يبدو لتغيير واقع مقيت كان يلوّح بالويل لمستقبلهم وحقهم في العيش.

الأسبوع الماضي، أيضاً، كان هناك صراخ من نوع آخر؛ ضجت به بعض الصحف والمواقع الإلكترونية العالمية والعراقية التي تحدثت عن كارثة إنسانية حلّت بأهالي مدينة الموصل العراقية، الذين ما زالوا يواصلون نزوحهم في انتظار يوم الخلاص من “داعش”، في الوقت الذي تواصل فيه القوات العراقية خوض معاركها الأخيرة لتحرير ما تبقى من أجزاء المدينة.

صرخات الاستغاثة وصُورها التي التقطتها كاميرات مرهفة، كانت صامتة، لكن ضجيجها كان عاليا لكل من مرّ على ملامح الناس الذي ظهروا في صور عكست كل معاني الخوف واليأس والذهول والشعور بالظلم التي يمكن أن تحتويها نفس بشرية واحدة.

الصور التي ظهر فيها سكان الساحل الأيمن من المدينة المنكوبة، كانت لموتى يرتدون لباس الحياة الذي أخذ يضيق بهم، لا ليسوا بموتى، بل أحياء ولكنهم لا يعلمون بذلك؛ أطفال ونساء ورجال وشيوخ جياع، نصف عراة وحفاة يفرّون من موت محقق إلى موت محتمل وهم يحملون كل ما تبقى لديهم في الحياة.

رجل شاب حافي القدمين يحمل طفلته بعد أن ذهبت زوجته وبقية أطفاله ضحية انفجار عبوة ناسفة زرعها وحوش من “داعش” على طريق هروبهم، سيدة جميلة لم يتبق من جمالها سوى ثياب رثة وطفلتين تحملهما على طريق الآلام ونظرة عتاب أهدتها إلى كاميرا، جمعت فيها كل الصرخات التي خرجت من صدر مظلوم منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا، وسيدة عجوز تستلقي على كتف ابنتها رسمت التجاعيد في وجهها أياما كثيرة في حياتها الماضية، ولم ترسم بعد خارطة النهاية، ترى كيف ستكون نهايتها؟

مسيرة النازحين أو الهاربين، بحر من سواد لكنه من دون ضجيج.

تصريح بيان الأمم المتحدة “ما يجري في الموصل هو كارثة إنسانية بجميع المقاييس!”.

سادتي في الأمم المتحدة: نشكركم على اهتمامكم ونأسف على إزعاجكم

نقلا عن العرب

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب