18 ديسمبر، 2024 9:10 م

استعادة اموال العراق المنهوبة مفتاح الاصلاحات

استعادة اموال العراق المنهوبة مفتاح الاصلاحات

الدعوة الى الاصلاح هي اقرار بوجود الفساد والانحرافات المؤسسية والفردية بمايوجب تصحيحها ، ولعل  سرقة المال العام والتسبب بضياع الثروات اخطر انواع الفساد لمساسها المباشر بحياة الشعب وقوته اليومي من جانب ، ولوقوفه وراء انماط الفسادين الاداري والسياسي المختلفة من جانب ثان .

ان مايتقدم اهداف الاصلاح في قطاع الفساد المالي وتحقيق النزاهة ومعاقبة السراق والمفسدين هو استعادة الاموال المنهوبة ، ذلك المطلب الأكثر الحاحا في حالتنا التقشفية الحاضرة ، لجهة ضخامة الاموال المنهوبة قبل واثناء وبعد العام 2003 وحتى اليوم ، من جانب ، ولإمكانية استعادة هذه الاموال بالاستعانة بالقانون الدولي والاتفاقات الثنائية والمتعددة ، من جانب الآخر ، وبلحاظ ان جميع السراق الكبار خلال حقب حكم صدام والاحتلال ومابعده لازالوا احياء وطلقاء ومعلومي العناوين .

تتجه الحكومة الحالية ، وبعض من وسائل الاعلام ، ولأسباب متباينة ، الى اعتماد المعايير السياسية المزدوجة والتجزيئية في التعامل مع قضية الفساد المالي ، فمن غير المبرر غض الطرف عن عمليات النهب المنظم  وغسيل الاموال وتهريبها بواسطة تجار ومقاولين ومؤسسات معلومة في زمن النظام البائد منها شركة MEDP ( شركة تطوير المشاريع للشرق الاوسط ) التي كان يديرها برزان التكريتي ومجموعة من التجار ورجال الاعمال الذين باعوا انفسهم للنظام البائد وعلى حساب دماء الشعب العراقي والمقابر الجماعية ومن ثم انتقال اصولها باسماء اخرى الى عدي صدام حسين وشركائه ، وما يزيد الحيرة ان اغلب هؤلاء السراق عادوا ليلعبوا ، الآن ، دورا اكثر تخريبا وافسادا للمنظومات المالية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاعلامية الوطنية وبشراكات مكشوفة مع رموز من القوى السياسية والحكومية ، وينطبق الحال على المحاولات المدروسة لاسدال الستار على فساد حكومة بريمر وهدر واختفاء مليارات الدولارات ، بشهادة تقرير المفتش الامريكي العام في العراق ، مايثير علامات استفهام كبرى حول التغييب المتعمد لهذه الحقبة التي كان السيد العبادي احد وزرائها وشهودها الاساسيين ؟

ان امتناع السيد العبادي ووزراء حكومة بريمر عن كشف مصير الاموال الضائعة وهي الاكثر يسرا في استعادتها يثير الشكوك حقا !

لقد انفردت الحكومة التي رأسها علاوي بإحالة ثلاثة من وزراء حكومته ، وجميعهم ليسوا من حزبه ، الى التحقيق ليتم غلق ملفات البعض منهم و تهريب او تبرئة الاخرين زمن الحكومات اللاحقة ، والتي يتباكى رموزها اليوم على النزاهة المذبوحة ، وعلاوي رئيس الوزراء الوحيد الذي قدمت حكومته حساباتها الختامية ودونما فقدان لدينار واحد ، والرجل دون نظرائه من استقدم شركة محاسبية دولية رصينة لتدقيق الاموال  ، واعاد تشكيل ديوان الرقابة المالية والمفتش العام ، ولم يتستر على الفاسدين مثلما فعلت الحكومات اللاحقة والتي لم تقدم فاسدا كبيرا واحدا الى التحقيق بل وهربت المدانين منهم .

ان اموال العراق كل لايتجزء ، وهي حق غير قابل للتنازل ، والناهبون وسراق المال العام ، ايا كانت انتماءاتهم ، وعناوينهم ، وتواريخ تقلد بعضهم المسؤوليات او التعامل مع المال العام ، قيد الملاحقة والمساءلة حتى استعادة مانهبوه وايقاع العقاب العادل بهم ، ولقد اطلق السيد اياد علاوي في وقت مبكر الدعوات المخلصة لحكومات المالكي والعبادي لإعتماد منهج فعال وقابل للقياس في مواجهة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة باستقدام هيئات محاسبية وقانونية دولية محترفة لتدقيق حركة اموال الموازنات العامة منذ حكومة بريمر وصولا الى اليوم ، لكن هذه الدعوات قوبلت وتقابل بالصمت بسبب تغول مافيا الفساد وتحكمها بمفاصل السلطة ومنظوماتها السياسية الراعية .

واذا كان السيد العبادي جادا في دعواته الاصلاحية فان استعادة الاموال الطائلة ،والتي تم الاستحواذ عليها طيلة نصف القرن الاخير ، وبعضها مغمس بدماء العراقيين وجوعهم وآلامهم ، هي المفتاح السحري لدخول دائرة الاصلاح التي انغلقت على تهديدات فارغة وشعارات زائفة لاتشبع جائعا ولاتغني معوزا .