بسبب الأزمة الدولية التي تواجه الإسلام كدين، والمسلمين، تقاطر المعنيون به من أنحاء العالم للاجتماع في الأزهر، في العاصمة المصرية، من الصين إلى أوغندا إلى الأميركتين، مفتون، ودعاة، وأساتذة جامعات، وسياسيون. ولا يوجد اختلاف بينهم على أن الغلو والتطرف خطر مستشرٍ ولا بد من مواجهته.
في المؤتمر الدولي للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كانت أفضل ورقة وأكثرها مباشرة كلمة نائب وزير الشؤون الدينية والدعوة والإرشاد بالسعودية، الدكتور توفيق السديري. دعاهم إلى استعادة الخطاب الديني من المتشددين وأنصاف المتعلمين، «الذين أساءوا إلى تعاليم الدين السمحة ووُجِّهوا نفعياً ومصلحياً»، وطالب «بتكاتف الجهود سياسياً وفكرياً وأمنياً ودينياً للتصدي للفكر المنحرف».
لا يوجد خلاف على الإجماع ضد الإرهاب، هذه مسألة محسومة، وربما لم تعد تتطلب التأكيد والترديد والتذكير، لأن المسألة الأهم، التي تحتاج إلى اتفاق وبرنامج عمل وتركيز، هي محاربة الغلو والتطرف الذي تحول إلى ثقافة واسعة. ولا يستطيع أحد أن يزعم أن هناك إرهاباً بلا تطرف يحضنه. من المستحيل أن يولد إرهابي في بيئة وسطية معتدلة. وحتى الإرهابيون الذين خرجوا من مجتمعات متحررة، أو متسامحة، فإنهم دائماً ضحية فكر متطرف يحيط بهم، في بيئتهم الافتراضية، مثل غرف الدردشة والتواصل الاجتماعي عبر النت. عشرات الآلاف التحقوا بالجماعات الإرهابية، جميعهم بلا استثناء خريجو الخطاب المتطرف.
والحقيقة أن الإرهابيين، على الرغم من خطرهم على العالم، هم أصغر شأناً وأقل تهديداً مما يفعله المتطرفون. أذى التطرف أعظم في حياة المجتمعات الإسلامية وغيرها، وما يفعله الغلاة والمتطرفون يتجاوز أفعال تنظيمات مثل «داعش» و«جبهة النصرة»، الذين هم قلة في بحر من المتطرفين. والإرهاب هو العتبة الأخيرة في سلم التطرف، ولا يمكن إلغاء الإرهاب دون محاربة التطرف، هذه حقيقة لا يفترض أن تغيب عن إدراك المهتمين بشأنه.
وعندما نتحدث عن الغلو والتطرف يفترض ألا نخلط بينهما وبين مظاهر التشدد الفردية، عند بعض المسلمين. فمن حق المحافظين منهم أن يمارسوا قيمهم وطقوسهم بما يرونه يناسبهم، هذا حقهم، كما هو موجود في كل الأديان. إنما يصبح تطرفاً عندما يأتي الغلاة ويحاولون فرضه على الجميع. وأخطر التطرف الحركي منه، غالبا عمل منظم يقوم على خطف نشاطات كانت في الماضي نشاطات دينية بلا أهداف سياسية، مثل جمع الأموال، والتعليم، والدعوة، والإعلام، والأعمال الخيرية، ووسع دوائره بحيث تشمل أيضاً الطلاب والنساء والأجانب. وسافرت نشاطاتهم الحركية المنظمة في أنحاء العالم، إلى مناطق فقيرة ودول متقدمة، واستغلت الحروب والمجاعات والظلم الواقع على المسلمين لنشر دعواتهم بالكراهية، وقامت بغرس بذرة التطرف لتبقى هناك لفترة طويلة وتصبح ثقافة محلية. إن استطعتم تخيل هذه الصورة حينها بإمكانكم أن تدركوا كيف انتشر التطرف وظهر الإرهاب، وأن مكافحة التطرف أولى وأهم من محاربة الإرهاب.
وما قاله نائب وزير الشؤون الدينية والدعوة والإرشاد بالسعودية في مؤتمر القاهرة داعياً إلى استعادة الخطاب الديني من المتطرفين عبّر عن جوهر الأزمة، ويفترض أن يكون طرحه مشروع المؤتمر، وبرنامج العمل الذي يحتاج إلى تضافر الجهود من أجل تحقيقه.
نقلاً عن “الشرق الأوسط”