23 ديسمبر، 2024 12:56 ص

استسلام المنطق في اقوالنا

استسلام المنطق في اقوالنا

كثيرا ما نخلط الالفاظ والمعاني في مفردات تعاملنا اليومي، ونسمي الاشياء بغير مسمياتها، فقد تتدخل المزاجيات احيانا في اختيار الفاظنا، رغم ان اللفظ والمعنى يجب ان يكون مطلقا، اي يتفق عليه الجميع ولا يحتمل النقاش، الا اننا قد نمجد من نحبهم، ونسقط من نبغضهم، وقد نقرب البعيد، ونبعد القريب، بالفاظ مغايرة للواقع.
اﻷبيض هو أبيض، لا يمكن ان نقول للرمادي انه ابيض متسخ، مثلا لان الرمادى راق لنا ونريد ان نرفع من شأنه، هذا ما نعانيه “ضياع المنطق” باختيار الفاظنا، في حين ان اللفظ يجب ان يكون مثل المسطرة، لا يحتمل الخلط ولا اللغط ولا الابهام.
تسأل كوهين في صدر كتابه”the diversity of meaning” قائلآ هل يتغير المعنى؟ ثم اجاب قائلا ان نفس الكلمات، بسبب تطور اللغة خلال الزمن، تكتسب معنى اخر، او تشرح فكرة اخرى، ولكن ما نعانيه اننا بنفس الحقبة الزمنية، ولم يمضي على الكلمة ثواني، ورغم ذلك نتلاعب بالالفاظ، اذ توقض اﻷم ابنها صارخة، انهض انها السابعة والنصف، في حين ان الوقت هو الخامسة فجرآ، وغيرها من الامثلة كثيرآ، تعج بها حواراتنا اليومية، مما اوقعنا بمغالطات كبيرة، في تعاملاتنا.
اذ ان دراسة المعنى تتطلب تحليلا واعيا للسياقات والمواقف، التي ترد فيها الالفاظ، لذا يجب الى اعتماد المقام او العناصر المحيطة بالموقف الكلامي، ومما لا يخفى خطورة التلاعب باللفاظ ما قد يؤدي الى حدوث التباس كبير، مثل حوادث الترجمة الخاطئة وخصوصا اذا كانت الكلمة تحتمل اكثر من معنى.
كثيرا ما نقول ما لا نعني، او نعني ما لا نقول، ولكن لو سألنا انفسنا ماذا لو كل ما نقوله، قد يصبح واقع حال، هل سنستمر بتلك المغالطات؟ فعندما نقول للمريض مثلا، يومنا قبل يومك، في حين نحن قد لا نستسيغه اصلا، ماذا لو تحققت تلك العبارة بالحرف!
هنالك عبارة  يقولها الخطيب الحسيني ،كثيرا ما تستوقفني، “ياليتنا كنا معكم سادتي” ويرددها معه الحظور، وهم بحالة بكاء واسال نفسي، هل فعلا سنصمد ايام وليالي على الجوع والعطش، وحرارة الشمس، واحاطة العدو ،اضافة الى شراسة الحرب؟ هل نحن اهلا لذلك الموقف الصعب، هل سيفخر بنا الامام الحسين مثلا؟ انه سؤال على هامش الضمير، والاجابة تحتمل ترك الاجابة، لان الانسان كما ورد في الاية الكريمة” بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره”.
أحيانا نشعر بالخوف من قول امر محرج، او يحبط شخصا ما، ولكن ينبع الالم الحقيقي، من قول امور لا نعنيها مطلقآ، او نقطع وعدآ ونحن نعلم انه فوق سقف قدراتنا، ولا يمكننا الوفاء به، لذا يجب الحرص على ان نقول الكلمات، التي نعنيها فقط، لا التي تشبهها او ترادفها او تجملها، فكل ما نقول يجب ان ينبع من الصدق والامانة، حتى لا يستسلم المنطق مما نقول!