أنطلاقاً من مبدأ ( أن السياسة تأريخ حاضر) وأستمرارً على ما دأب عليه سماحة المرجع محمد اليعقوبي (دام ظله )في أستحضار الوقائع التاريخية لتوضيح ما يلتبس فهمه على الكثير في ظل ثقافة ( ما بعد الحداثة) وخصوصاً مع ما تشهده البلدان من موجات من التيارات الفكرية والدينية والاجتماعية الطارئة على الثقافة الاسلامية والشرع الالهي فأن سماحة المرجع اليعقوبي وجد في اعادة قراءة تاريخ حكومة الامام علي (ع) وفق المعطيات الراهنة خير وسيلة لتحفيز الاذهان وتشخيص المشاكل وتوضيح الملابسات ورفع الاشكالات وأخيراً أفشال المخططات التي تسير بوتيرة متصاعدة نتيجة لاسباب عديدة من أهمها القصور والتقصير من قبل المؤسسات الدينية التي امتهنت الاعتكاف المستمر والانكفاء غير المبرر عن مواكبة الاحداث والتطورات على جميع اصعدة الحياة مما جعلها تعيش في عزلة شبه تامة عن المجتمع الاسلامي والتصدي لرفع معاناته والدفاع عن حقوقه .
ويضاف الى السبب الاول سبباً ثانياً يتمثل في التيارات السياسية الاسلامية التي فشل اغلبها في الانتصار لمشروع قيادة الاسلام للحياة بعد أن انغمرت في شهوات ولذات السلطة واكتفت بالصراعات الداخلية والتسقيط المتبادل والتبريرات الأنهزامية اللامسؤولة وفي جني المكاسب الحرام من المال العام وعلى حساب المواطن المنكوب .
وفي خطابه الموسوم ( أمير المؤمنين (ع) ومكر طلاب الزعامات) يشخص سماحة المرجع اليعقوبي بعض الاساليب المبتكرة من (طلاب السلطة) المجهولين والمعلومين وذلك عبر بيان مجموعة من الاستراتيجيات الماكرة التي يمارسها أولئك المهووسين للسيطرة على قيادة المجتمع وأبعاده عن قياداته الحقيقية وذلك ( لخداع الشعوب والسيطرة عليها والتحكم فيها وسوقها الى ما يريده الحكام) .
وهذا التدرج في الاهداف هو الباعث الرئيسي للاعبين الكبار في تعدد وتنوع تلك الاستراتيجيات الهدامة ، ولهل اهم ما تتسم به تلك الاستراتيجيات بأختصار هي سياسة ( المكر والدهاء) لخداع الناس وهو الاسلوب الذي أستطاع به معاوية ( من الفتك بجيش أمير المؤمنين (ع) ومجتمعه وأوهنت دولته وأضعفتها) حتى عبر عنها أمير المؤمنين (ع) بقوله ( ما قصم ظهري الا رجلان : عالم متهتك وجاهل متنسك ، هذا ينفر عن حقه بهتكه ، وهذا يدعو الى باطله بنسكه) ويفسر المرجع اليعقوبي قول الامام علي (ع) بقوله ( ومحل الشاهد هو الأول (عالم متهتك) وهو الذي عنده علم وفكر وفطنة إلا أنه يستخدمها في المكر وخداع الناس وأبعادهم عن الحق) .
وفي هذا المقال أحببت أن أسلط الضوء على (واحدة ) من الاستراتيجيات (السبعة ) التي ذكرها وبينها سماحة المرجع اليعقوبي في خطابه وذلك لتداخلها مع حدث الساعة على الساحة العراقية وخصوصا أهم وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي ( الفيسبوك) الا وهي مسألة المطالبة بالغاء تقاعد البرلمانيين والتي حظيت بتسليط اعلامي مكثف ومنقطع النظير من قبل كافة القنوات السياسية والاعلامية .
ففي تفسيره لمصطلح ( ركوب الموجة) أفصح سماحة المرجع اليعقوبي عن تعريفه للمصطلح بقوله ( أن يستغل السياسيون مطالب حقيقية ومشروعة للشعب فينادي بها لكسب الجماهير اليه والتقوي بهم للضغط على خصومه لتحصيل مكاسب أكبر سواء كانوا داخل الحكومة أو خارجها) ، ثم يضرب سماحته أمثلة على هذه المطالب بقوله ( كمطلب تحسين الخدمات وأيجاد وظائف للعاطلين أو معالجة الخروقات الأمنية أو الغاء الرواتب التقاعدية الباهضة للبرلمانيين) ومحل الشاهد هو المطلب الاخير ( الغاء الرواتب التقاعدية للبرلمانيين) حيث يمكن لأي متابع ان يرصد واقع ومصداق ما تحدث به سماحة المرجع من حيث الاستغلال البشع لبض الكتل السياسية التي اختارت العزف على اوتار المطالب بصورة بشعة للغاية وبتناغم يعبر عن مكر رخيص وتمثيل مبالغ فيه لمحاولة أظهار صروتها كراعية لمطالب الشعب ولتتهافت على وسائل الاعلام بمؤتمرات اعلامية مبرمجة لاستجداء تعاطف الناس معها واثارة سخط الناس ضد خصومها معلنة تنازلها عن رواتبها أمام كاميرات الاعلام وهي توهم المجتمع بفعلها (الخيري الوطني) بينما تجلت الحقيقة بعيدا عن كذبهم الرخيص من خلال الاطلاع على النظام الداخلي للبرلمان والذي يوضح عدم وجود أي منفذ قانوني يتيح للنائب البرلماني التنازل عن راتبه الشخصي طوعاً او كرهاً .
وكان الاجدى بهؤلاء السياسيين ان يبادروا الى التفاعل بجدية وصدق مع المطالب الشعبية من خلال الذهاب الى قبة البرلمان واصدار مادة قانونية تخص الالغاء وبذلك تثبت حسن نواياها وحرصها الشديد على تنفيذ مطالب الشعب عموماً وأنصافاً ناخبيهم خصوصاً بدل الحركات البهلوانية الاعلامية المخادعة .
نعودة مرة أخرى الى النقطة الاستراتيجية الاولى التي تعرض لها سماحة المرجع في خطابه حيث يؤكد على شرعية المطالب الشعبية ويبدي دعمه ومساندته لها ويبين سماحته انه كان السباق في عدة بيانات وخطابات سابقة في المطالبة بتخفيض رواتب البرلمانيين وموظفي الدولة ومسؤوليها الكبار وانصاف شرائح المتقاعدين الاخرى من المواطنين الذين قضوا اعمارهم في خدمة بلدهم ولا يتقاضون سوى فتات لا قيمة له من خيرات بلادهم واستحقاقهم الوظيفي لا يمكن هؤلاء الناس المظلومين من مجارة تكاليف العيش الباهضة .
ثم يشير سماحة المرجع اليعقوبي في كلامه الى الجزء المهم الاخر والمتعلق بحملة المطالبة بالغاء البرلمانيين حيث يؤكد أن ما وراء تلك الحملة من مخططات تسعى ومن خلال جهات شبابية مجهولة الارتباط بتحريك الناس تحت عنوان هذه المطالب ولكن لأغراض معينة ويحدد هذه الاغراض بقوله ( على رأسها السيطرة على توجيه المجتمع والتحكم بحركته وانتزاع قيادته ) واما النتائج التي تتوخاها تلك الجهات المجهولة فهي ( لتكون ( قيادة المجتمع) بيد جهات خفية تعمل على مواقع التواصل الاجتماعي ) ام مصدر دعم تلك الجهات المجهولة فهو ( دعم داخلي وخارجي مالياً وأعلامياً وسياسياً ) اما الهدف الاساسي لكل تلك العملية الدقيقة والمعقدة فهو ( الضغط على الجهات الفاعلة على الارض حتى تسير في ركابهم) .
والملاحظ ان سماحة المرجع اليعقوبي يبين دعمه ومساندته للمطالب الجماهيرية بالغاء الرواتب وليس فقط للبرلمانيين وانما لكل المسؤولين السياسيين الكبار وان الاشكال يتأتي من جهتين الاولى هو الاستغلال البشع للسياسيين لتلك المطالب وتبنيها اعلامياً بغرض خداع وتضليل الناس واستدرار عطفهم والامر الثاني فهو مجهولية الجهات المنظمة للحملة واللاعبين الكبار من الداعمين في الخارج وممثليهم في الداخل والذين بذلوا مبالغ طائلة لتغطية حملاتهم والترويج لها في مختلف وسائل الاعلام بصورة لا تقبل الشك في عدم استقلالية تلك الجهات .
ولقد حاول بعض المتصيدين بالماء العكر من مثقفي القطيعة مع الحوزة ومع المجتمع من الذين يقبعون في غرف العزل الاختيارية ونظرائهم من المتفيهقين والمتهرقطين من تدليس كلام المرجع ومحاولة تزوير مفرداته عبر الترويج بان سماحة المرجع يقف ضد المطلب الجماهيري واستخدموا لاشاعة كذبتهم مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الاعلامية الرخيصة ومن المؤسف ان الكثير من النشطاء في مجال العمل الاجتماعي انخرطوا في هذه الحملة التضليلية وصدقوا تلك الاشاعات واطلقوا العنان لمشاعرهم الامارة بالسوء للتعرض والتعدي والتشكيك بموقف المرجعية مع أن نفس الابواق النشاز المؤدلجة على التشكيك وابعاد الناس عن المرجعية لم يشيروا من بعيد ولا قريب بل غضوا ابصارهم وانظارهم عن الموقف الواضح لسماحة المرجع اليعقوبي قبل اسبوع من خطابه الاخير حيث صدر استفتاء من مكتب سماحته يؤيد ويبارك تلك المطالب ويؤكد على تضامنه ومساندته لها ويحث فيه السياسيين على الاستجابة الفورية لمطالب الجماهير والغاء رواتبهم التقاعدية والامتيازات الخرافية الاخرى التي يتحصلوا عليها دون وجه حق .
ان محاولة الجهات المشبوهة المجهولة وعبر ابواقها النشاز ممارسة ضغط اعلامي عبر محاولات تشويه كلام المرجعية والتشكيك بمواقفها المساندة للشعب هي خير مصداق لما عبر عنه سماحة المرجع في النقطة الاولى من الاستراتيجيات والاساليب الماكرة لخداع الشعوب والسيطرة عليها والتحكم فيها وابعاد الناس عن القيادات الحقيقية الموجودة على أرض الواقع والتي تعيش مع الجماهير في تواصل مستمر ومباشر عجزت عن الأتيان به تلك الجهات ومؤسساتها المتعددة رغم كل الامكانيات المادية والاعلامية التي تتمتع بها .
ان الانسان المنصف عليه يجب عليه قبل الحكم على ما يسمع ويشاع ويحاك ضد المرجعية الرشيدة ان يبادر الى الاطلاع على مضمون الخطاب اولاً وان يكلف نفسه ثانياً لمراجعة مواقف المرجعية تجاه هذا الموقف او ذاك عبر الاطلاع على موقع سماحة المرجع اليعقوبي او الاتصال بمؤسسات مشروعه المرجعي او قراءة بياناته وخطاباته المرحلية السابقة التي من خلال الاطلاع عليها يتبين حرص المرجعية على استحصال حقوق الشعب المظلوم والتصدي لانحراف وتسلط المسؤولين واستبدادهم بخيرات ومقدرات البلاد وحرمان فئات الشعب الاخرى منها وخير دليل على تلك المواقف الخطاب المعنون (إذا كانت الحكومة جادة في المصالحة الوطنية فلتتصالح مع الشعب أولاً ) والصادر بتاريخ 23/12/2006 ليتبين لكل مثقف او متابع منصف مدى شجاعة وصلابة المرجع اليعقوبي في التصدي للدفاع عن حقوق العباد وصيانة خيرات البلاد وليتبين للجميع الخيط الابيض من الخيط الاسود .