استراتيجية بناء الدولة لا بد ان تبدأ على أكثر من مسار في وقت واحد، أولها هو بناء الإنسان وهي من الضروريات والمستلزمات المهمة وعلى المسار السياسي لا بد من إحداث اصلاح حقيقي وجذري ذات التوجهات الديمقراطية والتي تؤمن بالدولة و أن تصل الى المجالس النيابية كي تساهم مستقبلا في عملية صناعة القرار الوطني ،وقبل كل شيئ يجب ان نعلم بأن بناء الدولة تبدأ من بناء الامة وهم الركيزة الذين يبادرون بتطوير المجتمع الوطني بواسطة برامج حقيقية وتبدأ بإنشاء هويتها وهي ضرورية للأمة، إذ تعتبر أساس وجود الدولة ومحركها ورمزها، فهي بمثابة الانتماء القومي للدولة، التي تتجاوز الولاءات الفرعية، لتكون الدولة الهوية القومية لكل أفرادها، وتشير الهوية بشكل دقيق إلى مفهوم المواطنة في المجتمع، وأن غياب هوية الدولة، يعني بروز الهويات أو الولاءات الفرعية (الطائفة، العرق، القومية، الدين، اللغة، القبيلة والعشيرة). وأن ضعف الدولة في الحفاظ على هويتها، سيزيد من حالة التقلبات السياسية وعدم الاستقرار، كما ان الحفاظ على هوية الدولة، يقترن بعملية بناء الأمة، وهي عملية دعم التكامل القومي/الوطني بأنشاء مؤسسات قومية/وطنية مشتركة ورموز للوحدة،و إشكالية بناء الدولة لدى العديد من الدول الضعيفة تكمن في ضعف الحكم والإدارة والتنظيم وقصور المؤسسات على مستوى الأمة الدولة و بناء الدولة بحاجة إلى بناء المجتمع أولاً، ورأب التصَّدع الحاصل بين السلطة والمجتمع من خلال التنمية البشرية والسياسية الصحيحة وتقوية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة فاعلة وقادرة على البقاء والاكتفاء الذاتي، فقوة الدولة تكمن في قوة قدراتها المؤسساتية والإدارية على تصميم السياسات وسن الأنظمة والقوانين ووضعها موضع التنفيذ؛ لأن قوة الدولة تقاس بمدى كفاءة وفعالية وقدرة مؤسسات الدولة على أداء وظائفها والأهداف المختلفة التي تضطلع بها.
وتكون الشــرعية الدســتورية، وسيادة القانــون، أســاس نظــام الحكــم فــي الدولــة ، ولا يجــوز تغييــر النظــام بــأي وسيـلة أخــرى مخالفة أحكام الدستور كما يشاهد الآن في العراق حيث يعتمد على المحاصصة ، و تلتزم الدولــة بضمــان نفــاذ ســيادة القانــون علــى الجميــع بــدون إستثناء . وهيكلتها تؤسس بالاعتماد على توحيدها الشعب لان في ظل التشتت السياسي وحالة اللاانتماء الموجودة لدى النخبة قبل العامة من الناس تعرقل أي إصلاح استراتيجي تهدف بناء الدولة، وحتى إذا ما بدأت تحتاج لعقود من العمل الدواب بغية بقاء استقرارها السياسي ليحافظ على بقائه على المدى الطويل. وفقًا لهاريس ميلوناس، فإن «شرعية» السلطة في الدول الوطنية المعاصرة متصلة بحكم شعبي لدى الأغلبية و يُعد بناء الأمة الى تبنى الأغلبيات خلالها.ومن باب التجربة لو أخذنا النظرية التي تقول هو ما هو سر نجاح الدول المتقدمة، وكيف وصلت هذه الدول إلى مرحلة متقدمة جداً من الازدهار والنمو في شتى المجالات والمناحي الحياتية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرها وكيف استطاعت هذه الدول المتقدمة أن تسير بكافة هذه المجالات والنواحي بخطى ثابتة وواحدة بحيث لا نجد هناك جانبا متقدما ومتطورا وآخر متأخرا ومتخلفا وإنما نجد أن كافة هذه الجوانب والمناحي جميعها متقدمة ومتطورة في آن واحد وهناك تساؤلات كثيرة قد تطرح من مجتمعات دول متخلفة أو من مجتمعات دول توقفت فيها عملية التقدم والتطور عند حد معين وهم يتساءلون عن علة ذلك ولماذا دولهم متخلفة ، والجواب: هو ان الدولة تكون بعد بناء الإنسان بناءً صحيحاً أسسه قوية يصلح لخلق قاعدة الدولة وقيادتها وبدون هذا البناء لن نجد دولة قوية ولن نجد مجتمعا راقيا وهذا هو الربط الجدلي بين الإنسان والدولة. فيكون إذن لدينا القاعدة الأولى في بناء الدولة القوية وهو بناء الإنسان أولاً وقبل كل شيء ووفق مفهوم استراتيجي لكي يستطيع هذا الإنسان من مسايرة الحياة الحديثة ويواجه التحديات، وعلى أسس علمية وأول لبنة لهذا البناء هو وضع خطة استراتيجية للتعليم وهذه الخطة يجب أن تتضمن الأسس القوية لنقل التعليم والعلوم إلى النشء لبناء مجتمع متعلم متقدم ليكون القاعدة القوية للدولة وعنوان تقدمها وتطورها على شرط أن تكون الخطة والمسيرة التعليمية شاملة كل مناحي الحياة وكل ما له علاقة بالدولة والمجتمع على المستويين الداخلي والخارجي. وهذا يجعل أبناء الدولة أقوياء متسلحين بالعلم والمعرفة وهم يقودون مفاصل الدولة في مختلف المناحي الحياتية.
واخيراً وليس اخراً إن عملية بناء الدولة كما أشار إليه “أندريس بريسون” عالميا تبنى على ثلاث أسس رئيسية وهي العامل الأمني، والسياسي والاقتصادي وإن بناء الدول بالأساس تشير إلى بناء السلام في المجتمعات التي تعاني من نزاعات إثنية أو دينية، وعلى أساس ذلك لا يمكن أن تتحقق بناء الدولة من غير الاستقرار الأمني، وذلك لكون الاستقرار الأمني العنصر الذي على أساسه تتحقق الأسس الأخرى، كعنصر الاستقرار السياسي وتفعيل المشاركة السياسية، وبعد ما يستتب الاستقرار الأمني والسياسي تفتح المجال أمام التنمية الاقتصادية والرفاهية على مستوى الفرد والمجتمع العراق في حالة صراع واضح بين قوى تعيش على الفوضى والانفلات، وأخرى ترغب في بناء دولة حقيقة ، هذا الصراع لا يمكن ان ينتهي بالأمنيات الطيبة والنوايا الحسنة، ولذلك لا بد من دراسة جذور هذا الصراع وفهم أبعاده وآثاره جيدا في سبيل الوصول الى حلول حقيقية، وهي بالتأكيد حلول لها ثمن مرتفع ولكنه أيضا ثمن ضروري،