23 ديسمبر، 2024 5:15 ص

استخدام سيرة نبي الإسلام في الصراعات المذهبية الإسلاموية وسيكولوجيا التعصب !!!

استخدام سيرة نبي الإسلام في الصراعات المذهبية الإسلاموية وسيكولوجيا التعصب !!!

المتصفح لصفحات الأنترنيت ومواقع التواصل الأجتماعي, وخاصة منها الفيسبوك يجد زخما من النقاشات الغير مجدية لحياة الحاضر والمستقبل, بل تعبر عن أحتقانات طائفية ومذهبية قائمة على محاولات نفي الآخر, وخاصة عندما يتعلق الأمر في صراعات الاسلامويين على السلطة وتعبئة الناس في أجواء استحضار الماضي المليئ في التناقضات واستخدامها كوقود سريع الاشتعال في الصراعات الدائرة لأغراض ديمومة الفوضى السائدة وألحاق مزيدا من الأذى في النسيج الاحتماعي !!!.
تحيي بعض صفحات التواصل الاجتماعي مناسبات ولادة ووفاة نبي الاسلام محمد ( 12 ربيع الأول 53 ق.هـ / 22 أبريل 571م ) ـ ( 12 ربيع الأول 11 هـ / 8 يونيو 632م ), وبما أن الولادة والوفاة وقعت كلاهما في يوم 12 ربيع الأول وعلى الأعم الأغلب يوم الأثنين ” رغم اختلاف بعض المؤرخين والباحثين ” فهناك قدسية خاصة في أذهان المسلمين بأعتبار ان حصول كل من الولادة والوفاة في نفس اليوم هو أمر رباني أو ارادة ألاهية. وبما أن ولادته حيادية ومنزوعة الصلة بالصراعات, فأن وفاته وأسبابها شكلت جزء من الصراع المذهبي السلطوي بين الفرق النتاحرة على السلطة والتي تبلورت لاحقا بعد وفاة النبي. توفي نبي الأسلام قبل 1384 عاما وعن عمر يناهز 63 تقريبا, ولكن الخلاف على اسباب وفاته وتاريخها وملابساتها اليوم على أشده !!!.
وبدلا من التركيز على البعد الايجابي في رسالة نبي الاسلام وفي ظروفها آنذاك وبأختلاف التفاصيل وتقيمها في ظروف عصرنا, فقد أستهلكت وسائل التواصل الاحتماعي المناسبة في البحث عن أسباب وفاته وملابساتها, واعطائها صبغة طائفية ومذهبية, وجرى التركيز على السؤال الآتي: هل وفاة النبي طبيعية أم قهرية, هل شهيدا أم متوفيا, والزج بوفاته وذكراها في دائرة الصراع الطائفي الاسلاموي الجاري على السلطة السياسية بما لا يخدم الذكرى, وجرى نبش لأسباب الوفاة, وتوزعت الأسباب بين سم دسته له يهودية في خيبر, أو سم قدم له في داره, في إتهام لأقرب الناس له, أو أصيب في ألتهاب رئوية حادة رافقتها ارتفاع درجة الحرارة, وكان كل فريق متسلح بأدلته في الاحتماليين الأول والثاني وعلى طريقة ” نقل فلان عن فلان عن فلان ” !!!.
وقد تحولت بعض الصفحات في الفيسبوك الى سباب وشتائم مقرف ويندى له الجبين وتجاوزا على الرموز الدينية, ومتناسين البعد الانساني في وفاته, والقدر الآلهي الذي تؤمن به كل طوائف الاسلام ومذاهبه وملله في ثنائية الحياة والموت. أما علميا فقد انتفت تماما من النقاشات ولم يسأل أحد المناقشين نفسه: ما هي مستويات الحياة الصحية آنذاك في عهد النبي
وقبله وبعده, وهل الحياة خالية من الأوبئة والامراض الفتاكه, والافتقاد الى أبسط المعلومات الصحية الدقيقة الذي يضعف متوسط عمر العيش, ولماذا فقد النبي العديد من أولاده وبناته وهو على قيد الحياة, ألم تحصد الامراض والمجاعات والحروب ملايين من البشر ؟؟؟. وقد تحولت ذكرى وفاة النبي قبل أكثر من الف وثلاثمائة عام الى مناسبة للأعادة انتاج الكراهية الطائفية البغيضة وتوظيف ذكراه في دائرة الصراع الاسلاموي على السلطة !!!.
أن ما يؤذي الناس والشعب عموما وبمختلف أطيافه هو ليست الانتماء إلى طائفة, فذلك واقع حال, حيث عاش العراق فترات من المحبة والمودة بين الطوائف والمذاهب والأديان المختلفة, وهي فترات إنسانية حقه نعتز بها جميعا, لم نعرف فيها دين أو مذهب جارنا وصديقنا,ولم نؤسس تعاملنا الحياتي على أساس هذا الانتماء , ولم نجرئ لأسباب أخلاقية أن نسأل عن انتماءات جارنا وصديقنا المذهبية والطائفية, فكان ذلك من المعيب والمخزي في ثقافة التعامل اليومي, وان عرفنا بذلك فنكن له كل المودة والاحترام, حيث كان الانتماء للوطن هو سيد الموقف والثقافة السائدة !!!!.
إننا اليوم نعاني من الفتنة الطائفية القائمة على ذلك السلوك المتمثل في بث روح التعصب الطائفي أو إثارة النعرة المذهبية, والاختلاف في الجزئيات والتفاصيل التي لا تبني مستقبلا, وخاصة عندما يستخدم هذا السلوك للنيل والانتقام من طائفة على حساب طائفة أخرى, أيا كانت هذه الطائفة ” سنية, شيعية, زيديه, مسلمة, مسيحية, صابئية وغيرها ” وهي سلوكيات تستهدف التفرقة الطائفية والمذهبية والدينية حيث المساس المباشر لحياة الناس وأرزاقهم وحقوقهم ومصالحهم وكرامتهم وآمالهم وأمنهم وسلمهم, بل وقتلهم باعتبارهم مرتدين, والتفرقة الطائفية هنا هي جريمة بعينها, يكون ضحاياها شرائح واسعة من المجتمع المدني, وهو كذلك بالتأكيد سلوك مخالف للأعراف والتقاليد الدولية, حيث تنص المادة ( 55) من ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان على عدم الفوارق بين الناس, حيث تؤكد المادة المذكورة على : ( احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تميز بسبب الجنس أو اللغة والدين, و لا تفرق بين الرجال والنساء, ومراعاة تحقيق تلك الحقوق والحريات فعلا).
أن التعصب بمختلف مظاهره من عنصرية, وطائفية دينية أو مذهبية, أو سياسية, أو قومية أثنية, أو حزبية وفكرية, تمثل اتجاها نفسيا جامدا ومتحجرا مشحون انفعاليا أو عقيدة وحكم مسبق مع أو ضد جماعة أو أي شيء أو موضوع, ولا يقوم على سند منطقي أو معرفة أو حقائق علمية. أو هو موقف معاد ضد الجماعات الأخرى المختلفة في المعتقد أو المذهب أو الدين أو القومية, وخاصة عندما لا يكون هناك تفاعلا حقيقيا ومعرفة واقعية بين هذه الجماعات, وان هذا التحجر وعدم التفاعل يحول الوطن الأم إلى كانتونات منعزلة تسودها الريبة والشك والبغضاء فيما بعضها البعض, وبالتالي يحرم التعصب هذه المجاميع من فرص التقدم الاجتماعي والاقتصادي والتنمية المستديمة تحت مظلة الوطن, لأن التعصب بطبيعته يناهض العلم ويحارب التقدم ويعادي الحقيقة ويقاوم المبادرة الفردية ويخاف من الأفكار الجديدة ولا يقبل بالنقد البناء ويرفض التساؤل باعتباره مصدر الحقائق والمعارف, ويترك التعصب لدى أهله انطباعا وهميا بالكمال والامتياز والأهلية في مختلف المجالات, وهو بذلك يغلق أبواب الرحمة والتفاعل مع البيئة الخارجية, وهو بذلك يكتفي بالاسترجاع
والاجترار ويغلق قابليات العقل ويخنق فعاليات العلم ويكرس الجهل ويملأ النفوس مسرة وفرحا بالجهل واستماتة في الدفاع عنه.
ويبقى الحديث عن مشروعية الانتماء إلى طائفة ما أو قومية ما أو هوية سياسية ما ناقصا بالتأكيد إذا لم يقترن بالحديث عن التعددية والديمقراطية كمنهج وكقيمة اجتماعية, والتعددية تعني قبول الآخرين المختلفين قوميا أو طائفيا أو سياسيا واحترام رأيهم وحقوقهم وطريقة حياتهم طالما أن ذلك لا يمس بحقوق بقية الفئات, ففي الوقت الذي ندعو به إلى حق الناس في ممارسة انتمائهم الطائفي يجب الدعوة بقوة إلى انتهاج التعددية والديمقراطية السياسية لكي يأخذ كل مكون اجتماعي أو ديني حجمه الطبيعي وألا يبقى خطر تحول الانتماء الطائفي إلى تعصب طائفي قائم دوما !!!.