لا أحدَ يستطيع القول أن التظاهرات السلمية أمرٌ مرفوض ، بل العكس من ذلك تماما فديمومتها وأسلوبها الحضاري السلمي أكبرُ وأقوى وسيلة ضغط على الطبقة السياسية لمراجعة حساباتها واعادة النظر في طريقة ادارتها للعراق على مدار ستة عشر عام . وهذا هو الهدف الوطني النبيل الذي دفعَ المواطنين الشرفاء للتظاهر وليس لديهم أهداف أخرى . ولكن يبدو أن أعداء عراق ما بعد عام 2003 لا يروق لهم تصحيح أيّ مسار وتحقيق أيّ اصلاح ، ولا توجد في أجنداتهم مثل هذه الأهداف السامية على الاطلاق ، فوجدوا الفرصة سانحة لهم للاستحواذ على الغضب الجماهيري وازاحة مسار التظاهرات باتجاه آخر ينسجمُ مع نواياهم المسبقة . ويوما بعد يوم تتضح الصورة أكثر فأكثر ، والأصوات التي كانت تتلاعب بمشاعر الناس البسطاء ازدادت صلافتها عبر بعض القنوات الفضائية ( مثل قناة الشرقية والحرة وغيرهما ) وشبكات التواصل الاجتماعي في الانترنت ، وأخذت تخاطب المتظاهر العراقي بلغة ممارسة العنف و الترحيب والتمجيد لأيّ فعلٍ فوضوي تخريبي من شأنه تدمير العراق برمته . ويبدو أن اعطاء القدسية المطلقة لجميع المتظاهرين ( السلميين وغير السلميين ) أول خطوة مارسها وما يزال يمارسها أولئك المتآمرون على العراق ، لأن هذه القدسية تمنع منعاً باتا جميع الانتقادات وتفرض حصانة على جميع الأفعال الصادرة من قبل البعض والمتمثلة بالحرق وتدمير المباني وايقاف عجلة الحياة العامة والخاصة وممارسة القتل . ومن المعلوم أن الوطن للجميع وليس لفئة معينة ، ومن حق أيّ مواطن أن يعبر عن رأيه ( ان كان مصيبا أم مخطئا ) وهذا هو مبدأ الحوار الحضاري ضمن معادلة الوطن الواحد . ولكن أعداء العراق فرضوا حصارا شديدا على جميع الأصوات والآراء التي لا تنسجمُ ولا تتفق مع ما مثبت في أجنداتهم الخبيثة . وهكذا أصبحت الكلمة الشريفة معرضة للاتهامات وصاحبها معرض للتهديد ناهيك عن كلمات السب والشتم والطعن بالأعراض . وأقولها بمنتهى الوضوح والصراحة أن الذي لا يحترمُ رأي الآخرين ولا يفهم من الحوار سوى السب والشتم والتنكيل بعيد كلّ البعد عن المضمون العادل للتظاهرات وعن أهدافها الحقيقية من أجل التغيير والاصلاح . كما أنه ليس من الحكمة والمنطق أن يكون طلب الاصلاح عبر هكذا وسائل وأساليب يندى لها جبين الانسانية . والذي ينادي للحصول على حقوقه عليه أن يحافظ على حقوق الآخرين ، والذي ينادي للقضاء على الفساد عليه أن يبتعد عن كل أنواع الفساد وأن يرفضه جملة وتفصيلا ، والذي ينادي لبيك يا عراق لا يمكن أن يحرق العراق ويعبث به. وهل يعقل أن يطلب تارك الصلاة من الآخرين أداء الصلاة ؟ هذا المنطق الغريب العجيب يقودنا الى الاستدلال الواضح أن أعداء العراق بما لديهم من ماكنات اعلامية ضخمة وأموال طائلة استطاعوا ولو بنسبة معينة من الاستحواذ على مظاهراتنا الشريفة والتحكم بخطوط مساراتها . وأقسم بالذي لا اله الاّ هو أن أعداء العراق وأتباعهم لا يملكون ذرة عطف تجاه العراقيين ولا يريدون استقرار البلد وأهدافهم لا علاقة لها بتحسين الوضع المعيشي للعراقيين . وأقول لأخوتي وأخواتي من المتظاهرين السلميين النبلاء الشرفاء : لا تصغوا للأبواق الخبيثة التي تريدكم حطبا لنار مستعرة ، ولا تسمحوا لأي شخص أو جهة معينة تسعى الى جعل بلدنا مسرحا لحرب أهلية قادمة ( لا سامح الله ) حيث قال الله في محكم كتابه الكريم : ( بسم الله الرحمن الرحيم …. يا أيّها الذين آمنوا انْ جاءكم فاسِقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) صدق الله العلي العظيم .