19 ديسمبر، 2024 12:37 ص

استثمار طاقات الشباب استحقاق وطني 100%

استثمار طاقات الشباب استحقاق وطني 100%

لا يستطيع أحدا أن ينكر النصر العراقي الذي تحقق في الموصل على التنظيم الداعشي الإرهابي الذي هيمن على ثاني اكبر مدن العراق لمدة تقارب الثلاث سنوات ، فاغلب العناصر المتورطة في هذا الكيان لم تترك مواقعها طواعية وإنما سقطت بفعل النيران والضربات الموجهة التي استخدمت فيها مختلف الصنوف ومنها أسلحة ومعدات بتقنيات حديثة جاءت للعراق من مصادر مختلفة بصيغة دعم أو من خلال صفقات الشراء ، ورغم إن التخطيط لمعارك التحرير أسهمت بها خبرات عراقية فذة استفادت من الاستشارات التي قدمها البعض ، إلا إن هناك عددا من الخطط الموضوعة تم تغييرها بضوء المتغيرات في الميدان والتغييرات التي أجراها العدو حين تفاجأ باستعدادات القطعات العراقية المهاجمة ، التي أضيفت لها قوة إضافية وهي المعنويات العالية لأغلب المقاتلين والاستعداد العالي للتضحية والحرص على عدم ترك المواقع ، والالتزام بمواعيد الإجازات والالتحاق بشكل أعطى صور مغايرة جدا لما حصل في حزيران 2014 ، ورغم إن عوامل ايجابية عديدة تقف خلف ذلك ، إلا انه يجب عدم إنكار( تأثير) الدواعش في تقوية معنويات شبابنا الأبطال ، فحين وجدوا إن العدو القادم من آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا وغيرها من بقاع الأرض يقاتلون على ارض عراقية لتثبيت ركائز دولة ( الخرافة ) على أسس تقوم على الباطل وافتراءات وأكاذيب وان هناك جرائم كبرى ترتكب بإسم الدين ، لم يجد المقاتلون سوى التضحيات والأداء العالي للرد على هذه المظاهر المزيفة التي لو نجحت لا سمح الله لتركت انطباعات لدى أعدادا كبيرة في العالم لا يمكن محوها بالسهولة التي يتصورها البعض ، وما الدماء الغالية التي سالت في معارك التحرير للشهداء والجرحى إلا دليلا على الوعي العالي الذي كان يقاتل به العراقيون بنكران ذات عالي أجلت كل الخصوصيات .
والهدف من هذه المقدمة هو للتذكير بدور الشباب في صنع المستحيل وتجاوز المصاعب حين تتوفر لهم الظروف التي يمكن أن تظهر الطاقات العالية لهم ومنها الإيمان بالهدف وتوفر القيادات القدوة والدعم الجمعي المساند ، ومن الأمور المفرحة بهذا الصدد إن الطاقات الشابة لم تدخل اختبارا ايجابيا حقيقيا منذ أكثر من عشر سنوات ، وعندما اختبرت في معارك الموصل وغيرها من معارك التحرير والدفاع عن المقدسات حققت نجاحات بتقدير عالي يثلج الصدور، مما يؤكد على قدرة الشباب على تحقيق كل ماهو مشرف للعراق حين تتوفر لهم الظروف الملائمة ليس في القتال فحسب وإنما في الأعمار والبناء وتجاوز الازمات ، ومما يسند هذا الرأي إن اغلب الشباب العراقيين الذين هجروا أو هاجروا إلى الخارج يشيرون إليهم بالبنان على ما يقدمونه من أداء وتفوق في مختلف المجالات التي زجوا بها سواء في الدراسة أو العمل حتى وان كان ذلك في اوطا الظروف ( والقضية تتحمل استثناءات بسيطة بالطبع ) ، وكما تردنا بعض الأنباء فان الطلب على العمالة والكفاءات العراقية عالية في مختلف الدول التي يتواجدون فيها لقدرتهم العالية على التعلم وتحملهم الصعاب وسرعة التكيف معها والنزاهة والإخلاص في التعامل مع الآخرين ، وفي دراسات واستقصاءات تم الاستدلال بها من بعض رسائل واطاريح طلبة الدراسات العليا التي أجريت في تخصصات متنوعة ، وجد من خلال الاستنتاجات التي وردت فيها إن روحية الفرد العراقي لا تتصف بالكسل والتقاعس قط وان البطالة الحقيقية والمقنعة لا تعود أسبابها عليهم وإنما على سوء الإدارة والفشل في اختيار بعض القيادات غير القادرة على استثمار خبرات ( الشياب ) وطاقات الشباب ، كما وجد من خلال دراسات ومؤشرات دولية وغيرها بان العراق يعد من الدول الغنية في مجال امتلاك الموارد البشرية التي تمتلك الرغبات والقدرات للقيام بالأعمال ، بشكل يؤهله لاحتلال مواقع متقدمة اقتصاديا نظرا لما يمتلكه من موارد مادية وبشرية .
وان من العبر التي يجب استخلاصها من دروس النصر والتحرير هي وجوب إعادة قراءة منهج التعامل مع الشباب بوصفهم طاقة كامنة لم يتم اكتشاف واستثمار مكامنها وقوتها بشكل كامل لحد اليوم ، فهذه الطاقات يمكن أن تستغل ايجابيا أو سلبيا انطلاقا من الغايات والنوايا والظروف والاحتياجات ، ومن الخطأ جدا إهمال هذه الطاقات من دون رعاية ودعم والتسليم بأنه من الممكن توجيه تلك الطاقات من دون حماية مصالحهم واحتياجاتهم وكراماتهم بافتراض انه وطنيون ( بالفطرة ) ، فالمواطنة تربية وسلوك وتتحمل الأسرة مسؤولية الحفاظ على ذلك لمرحلة معينة ولكن الأمر لا يمتد إلى مالا نهاية بشكل تلقائي ، فمن واجب المؤسسات والهيئات والوزارات المعنية الاضطلاع بالكثير من واجبات تنمية روح المواطنة لدى الشباب للتأكد من تحول تلك التربية إلى السلوك الهادف والايجابي في الظرف والوقت والمكان المناسب ، ومن الوزارات المعنية بهذا الخصوص ( الشباب ، التربية ، التعليم ، العمل ) فليس من المعقول أن تكون وزارة الشباب معنية بكرة القدم وإنشاء الملاعب وفعاليات محددة دون تقديم خدمات جوهرية ومهمة لكل الشباب ، كما ليس من المعقول أن تتحول وزارة التربية إلى مؤسسة محبطة للشباب عندما تكون نسبة النجاح في الدراسة المتوسطة لا تتجاوز 45% في امتحانات الدور الأول للعام الدراسي الحالي أو لا تتعدى 40% بعد أداء ثلاثة ادوار في مرحلة الدراسة الإعدادية ، كما انه من غير المناسب أن تخرج الجامعات الحكومية والأهلية عشرات الآلاف من الطلبة ولا يتعين منهم سوى بضعة مئات من خريجي المجموعة الطبية ، وينطبق الأمر على وزارة العمل التي تركت موضوع التأهيل وإيجاد فرص العمل للعاطلين لتتحول إلى وزارة للرعاية الاجتماعية فحسب ، فالرعاية الاجتماعية واجبة دون أن تهمل الوزارة لواجباتها في مجال العمل لان اسمها من مقطعين هما العمل والشؤون الاجتماعية والجانبان يتعلقان بشريحة الشباب وغيرهم من سكان البلاد .
ومن الخطأ جدا أن يعتقد البعض إن تعطيل طاقات الشباب أو التسويف بمستقبلهم يمكن السكوت عليه عندما يخدم أهدافا غير وطنية كتعطيل القطاعات المنتجة في الاقتصاد ، لان استثمار طاقتهم استحقاق وطني لا يقبل القسمة على أي عدد فالتفريط بهم خيانة عظمى ومن الممكن لمن يفرط بطاقات الشباب آن ينقلبوا عليه في يوم من الأيام فيتحولوا إلى ردود أفعال غير محسوبة القوة والتأثير والأبعاد ، وتحية لشبابنا المقاتلين الذين يجير النصر المتحقق لصالحهم من خلال قوافل الشهداء والجرحى والتضحيات الجسام ونكران ذات بكل العناوين التي قاتلوا بها قتال الفرسان الشرفاء ، وتحية لشبابنا الذين يبذلون جهودهم في حقول العمل والبناء والأعمار وتحية أيضا للشباب المغيبة أدوارهم تحت عناوين البطالة وغيرها من المسميات ، التي اوجد بيئاتها الفاسدون والفاشلون ، والأمل معقود عليكم في وضع بلدنا العزيز في المكانة التي يستحقها بما يناسب موارده الغنية التي ستوضع في اطارها الصحيح عند إزاحة كل ما يعيق تقدم ونهضة العراق بهمة الشباب ، والشباب ليست تسمية تتعلق بالعمر وعدد السنين فحسب وإنما بالشعور والإحساس والاستعداد على البذل والعطاء .