23 ديسمبر، 2024 1:55 ص

استثمار رأس المال المعرفي .. ضعف الرؤية والتمويل

استثمار رأس المال المعرفي .. ضعف الرؤية والتمويل

مما لاشك فيه ان الجامعات بشكل عام تمتلك رأس مال معرفي كبير تمثل برسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه وبراءات الاختراع ان توافرت لها مقومات الاستثمار الداعمة فمن الممكن ان تكون رافدا كبيرا في التنمية الوطنية .
ونحت الكثير من الجامعات العالمية منحى ادارة المعرفة بشكل فاعل ومؤثر بما يحقق لها القيمة المادية والربح والدعم، لذا فإن الكثير من تلك الجامعات أحدثت تحولات جذرية في هياكلها لتتكيف مع متطلبات إدارة رأس المال المعرفي، في التركيز على الأنشطة والعلوم الحيوية وتكنولوجيا المعلومات ، أو من خلال براءات الاختراع أو نقل وتبادل المعرفة وعقد الاتفاقيات مع المؤسسات ذات الصلة محليا وعالميا،و التركيز على البحث العلمي باعتباره من أهم مصادر انتاج المعرفة .
وتتجلى اهمية رأس المعرفة كون اصحاب المعرفة عبارة عن اسهم غير مادية تعد ذات اهمية بالغة للمنظمات ويتميز بعمر غير محدد في جني الارباح عكس الموجودات المادية فان لها عمرا محددا للاستهلاك . كما انه مصدر للطاقات المبدعة والخلاقة في المنظمات .ويساعد في اعطاء مكانة متميزة للمنظمات في السوق ومواقع متقدمة .و يعد اساسا للناتج القومي الكلي بعامة وانتاجية المنظمات بخاصة .
لقد أدركت المؤسسات العالمية في ظل تحولات البيئة التنافسية أن رأس المال المعرفي هو العامل الإنتاجي الوحيد الفاعل الذي يمكن أن يوفر لها الميزة التنافسية المتواصلة لذا من أجل الوصول إلى الإبداع والتفوق المؤسسي لزم الاعتناء بهذا المفهوم المتجسد في الموارد البشرية المبدعة لديها ولن يكون ذلك إلا بإتباع استراتيجيات تساعدها على التحول إلى اقتصاد المعرفة والعقول الذكية . واستطاع رأس المال المعرفي ان يكون الميزة التنافسية الجديدة لتلك المؤسسات و مورداً نادراً واستراتيجيا في حال تميزه بخصائص معينة أهمها أن يكون ثميناً ويضيف قيمة لهذه المؤسسات وأن يتسم بالندرة وأبعاد مهارية تمكنه من زيادة الابتكارات في وقت قياسي وكذلك صعوبة تقليده بسهولة من باقي المؤسسات فضلا عن صعوبة إحلال بديل يحل مكانه .
ولكن العراق في ظل ظروفه الراهنة ظل بعيدا جدا عن استثمار المعرفة خاصة وان المؤشرات تشير الى ان العراق احتل مراتب متأخرة بالنسبة للبحث العلمي على الصعيد الدولي وفق المؤشرات العالمية لقياس تقدم الدول في مجال البحث العلمي مثل الإنفاق على البحث العلمي وعدد براءات الاختراع والنشر العلمي المحكم، مما يدل على وجود معيقات ومشاكل محلية تعيق الباحث وتحد من إنتاجه العلمي، حيث تشير الإحصائيات الدولية على أن الإنفاق العراقي على البحث العلمي متدن جداً قياساً بالمتوسط العالمي البالغ 2,3% ومتوسط الدول النامية البالغ1,5%
وان اهم معيقات استثمار راس المال المعرفي في العراق كما يشير لها الباحث في ادارة المعرفة ” إحسان علي الرماحي ” من جامعة بابل في بحثه الموسوم (رأس المال المعرفي لمؤسسات التعليم العالي ومدى استثماره في التنمية الوطنية ) منها : وجود تشريعات وقوانين تحد من استثمار رأس المال المعرفي . فضلا عن تدني الرؤية الواضحة لأهمية راس المال المعرفي في رقي المجتمع. ووجود تداخل بين النظم الإدارية ومراكز البحث العلمي. وغياب آليات تنفيذ سياسات البحث العلمي. وضعف اهتمام الكيانات الصناعية بربط الصناعة بالبحث العلمي. اضافة الى ضعف التسويق المعرفي وتمويله وتشجيع الباحثين وتبني أفكارهم. وضعف الدعم المادي الضروري للبحوث ذات الجودة العالية بسبب تدني حجم الانفاق على البحث العلمي مقارنة بالدخل القومي. كم ان المناهج التعليمية في أقسام كليات الجامعات لا ترتقي لمستوى ما متوافر عالمياً. وضعف الاحتكاك بين الباحثين والمراكز البحثية العالمية في مجالات بعينها مثل أبحاث الفضاء والطاقة النووية. فضلا عن قلة الاهتمام بالباحثين من لدن الدولة وانشغالهم بتوفير مستلزمات العيش الكريم. ناهيك عن غياب روح العمل الجماعي في انجاز البحوث العلمية. كما ان ان اهتمام أكثر الباحثين منصب على الحصول على الترقية في حالة انجازهم لبحث معين لا على العلم والمعرفة والتطوير. وعدم وجود وسائط إعلامية لتسويق نتائج البحث العلمي إلى الجهات التي يهمها ذلك.
ورصد الباحث إحسان علي الرماحي معوقات استثمار رأس المال المعرفي مع عدد من الجهات التي كانت وسيطا او مستثمرا لراس المال المعرفي التابع لجامعة بابل المتمثل برسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه وبراءات الاختراع في التنمية الوطنية . ففي وزارة العلوم والتكنولوجيا وجد الباحث ان الوزارة تعاني من مشكلة التخطيط وعشوائية اختيار البحوث وضعف الصلة بين البحوث التنموية ، وقبل ذلك كانت تطرح مشاكل حقيقية من هيئة التصنيع العسكري ووزارة الصناعة اما الان فالبحوث ليست نابعة من حاجة حقيقية للبلد واذا قيمت من جانب مواكبتها للتطور العلمي نستطيع ان نقول انها كذلك باستثناء وزارتي النفط والكهرباء تكون مشاكلهم حقيقية . اما وزارة العلوم والتكنولوجيا فليست كذلك الان . اضافة الى غياب التنسيق والتعاون المشترك بين الوزارات فهو ضعيف جدا والسبب يكاد يكون مبهم . كما ان ميزان العمل المشترك بين الجامعات والوزارة جيد اما بالعكس بين الوزارة والجامعة فان الجامعات تجعل الروتين عقبة في ذلك .
وكشف الباحث عن اهم المؤشرات في وزارة الصناعة والمعادن وعلاقاتها البحثية والبناءة مع الجامعات والمؤسسات الاخرى : ان جامعة بابل لم تحظ بفرص الاستثمار من هيئة البحث والتطوير الصناعي التابعة للوزارة على الرغم من مفاتحة الهيئة احد اصحاب براءات الاختراع في الجامعة وهو الاستاذ الدكتور (جليل عبد الكريم ) وبراءته ( استعمال الماء بدل الغاز الطبيعي في صناعة الحديد الاسفنجي ) ، ولكن نتيجة للتقشف المالي التي يمر به البلد لم يكتمل اجراء الاستثمار في احد شركات الوزارة . والمؤشر الآخر ان الوزارة تقوم بتسهيل امر الباحثين من تزويدهم بالمعلومات والبيانات التي تدعم بحوثهم فضلا عن حاضنات المعرفة المتوافرة التي تقوم برعاية المشاريع الريادية وبراءات الاختراع من اجل تأهيلها للاستثمار داخل الشركات والمؤسسات التابعة لها . ولكن هنالك معيقات تعرقل استثمار براءات الاختراع والمشاريع الريادية لاسباب منها : قلة تطابق مواضيع براءات الاختراع مع توجهات الشركات والمؤسسات التابعة للوزارة . وضعف الدعم الحكومي للاستثمار بسبب قلة السيولة النقدية في البلد . ورصد الباحث معقيات في الشركة العامة للصناعات المطاطية والاطارات منها قلة الكوادر والخبراء ضمن الاختصاصات والصناعات الدقيقة للمطاط مثل (تصميم القوالب ، وتصميم النقشة .. الخ ) ولا توجد قاعدة بيانات بالمشاريع البحثية الواردة للشركة والمنفذة او المستثمرة فيها .
ووجد الباحث ان الاستثمار في الشركة العامة لصناعة السيارات والمعدات ليس بالمستوى المطلوب وذلك بسبب : ان براءات الاختراع اغلبها افكار غير قابلة للتطبيق العملي وذلك بعد تقييمها من اللجان المتخصصة التابعة للشركة .كما توجد براءات اختراع هي تكرار لأخرى متوافرة عالميا وعربيا .وهذا متاتي من الضعف في بنك المعلومات الخاص بجهاز التقييس والسيطرة النوعية إذ تمنح براءات الاختراع لبحوث هي اصلا موجودة ومطبقة منذ سنين . اضافة الى ضعف استثمار الرسائل الجامعية المتمثلة برسائل الماجستير واطاريح الدكتوراه والسبب هو ضعف الجانب التطبيقي في موضوع الرسالة وذلك لانحسار الملاك التدريسي داخل اسوار الجامعات وضعف انفتاحهم على الجانب العملي الداخلي والخارجي المتمثلة ب (حاجات المجتمع الفعلية) إذ ان اغلب البحوث هي لنيل الشهادة العليا ومرحلة عبور لا غير . وذكر الباحث ان الشركة تضمن الحق القانوني للمخترعين واصحاب المشاريع الريادية من عقود مبرمة بين الطرفين (الشركة وصاحب المشروع) وكانت هذه الالية مفعلة قبل 2003 ولكن بعد ذلك عطلت بسبب انعدام تمويل الدولة للقطاع الصناعي (فقط رواتب موظفين) ولا توجد اي ميزانية مركزية لشركات وزارة الصناعة والمعادن في مجال البحث والتطوير . واشار الباحث الى وجود تعاون ما بين الجامعات والشركة بعامة من خلال (المؤتمرات ، والاستشارات ، وورش العمل ، …) إذ كانت اخر ورشة عمل كانت مع الجامعة التكنولوجية وبتاريخ 31 / 1 / 2014 . اما مع جامعة بابل فكانت في سنة 2014 . ويكون التعاون اما بصورة رسمية او بصورة شخصية مع اساتذة الجامعات .واشار الى ان اكثر براءات الاختراع ليست ذات جدوى اقتصادية للبلد لأنها لا تأخذ بالحسبان ظروف البلد المناخية والبشرية والحاجة الفعلية (نوع التربة – نوع المحاصيل المزروعة – تكنولوجيا الزراعة والحصاد – حجم المساحات الزراعية – درجات الحرارة .. ) .
وخلص الباحث في بحثه الى ان براءات الاختراع والمشاريع الريادية في قانون الاستثمار لم تحظ بجانب من الاهتمام والخصوصية بحيث تعطي للإبداع المحلي مكانة خاصة وفقرات خاصة ضمن القانون لتشجيع الاستثمار بهذا النوع من راس المال المعرفي . واشار الى تعطيل قانون تأسيس جمعية المخترعين العراقيين منذ عام 1996 دفع مجموعة من الباحثين والعلماء العراقيين الى تأسيس منتدى المخترعين العراقيين بتاريخ 21 / 1 / 2016 . وذلك:لايجاد مرجعية للمخترع العراقي . وتوفير وتنظيم معارض لبراءات الاختراع العملية لإظهارها للنور بدلا من خزنها بدون فائدة . فضلا عن اشراك من يرغب بالمشاركة بالمؤتمرات العالمية الدولية على نفقته الخاصة بدعم وتسهيل من المنتدى . وايصال صوت ومقترحات اصحاب براءات الاختراع من المنتدى الى الدولة .لاسيما وان الكثير من الدول العربية سبقتنا في تأسيس جمعيات ومنتديات تدعم الاستثمار والمخترعين فهذه مصر اسست منتداها (1957) اما الكويت اقامت لحد الان معرضها الدولي الثامن بشأن براءات الاختراع كذلك سوريا اقامت لحد الان معرض الباستيل الدولي الثامن عشر . علما ان اول تشريع بشأن براءات الاختراع في العراق كان عام 1931 .