18 ديسمبر، 2024 5:01 م

استثمار خبرات وحيادية أساتذة الجامعات المتقاعدين

استثمار خبرات وحيادية أساتذة الجامعات المتقاعدين

بتاريخ 31/ 12 / 2019 سيبدأ نفاذ قانون رقم 26 لسنة 2019 (التعديل الأول لقانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 ) ، ورغم إن فيه مواد عديدة فان ما يهمنا هنا هو النص الوارد في المادة 10 منه والتي أوجبت إحالة الموظفين كافة إلى التقاعد عند بلوغهم 60 سنة ، وإحالة موظفي الخدمة الجامعية من حملة ألقاب ( أستاذ ، أستاذ مساعد ) والأطباء الاختصاصيين والطيارين المدنيين إلى التقاعد عند بلوغهم العمر البالغ 63 سنة ، ولان القوانين السابقة كانت تحيل موظفي الخدمة الجامعية المشمولين بالقانون 23 لسنة 2008 إلى التقاعد عند بلوغهم 65 سنة مع جواز تمديد خدمة الأستاذ والأستاذ المساعد لمدة خمس سنوات أخرى ( أي إحالته بعمر 70 سنة ) ولان القانون قد صدر وصار نافذا على الجميع ، فان إعدادا كبيرة من الجامعيين ستتم إحالتهم إلى التقاعد ممن تجاوزت أعمارهم ( 60 ، 63 سنة حسب الألقاب العلمية ) لان القانون يطبق بأثر رجعي حسب نص المادة 18 منه والتي تضمنت ( ينفذ هذا القانون من تاريخ 31/12/2019 وينشر في الجريدة الرسمية ) بمعنى ان شروط تنفيذه تحققت بالفعل .
ورغم إن إحالة عددا كبيرا من التدريسيين بين ليلة وضحاها سيشكل إخلالا بعمل الجامعات ومكانتها وسمعتها وتسلسلها لأنه سيعني ما يعنيه إحداث فراغات بهيكل التدريسيين من حملة الأستاذ والأستاذ المساعد وغيرها من الأمور أمام صمت وزارة التعليم ، لان القانون نفذ في خضم العام الدراسي 2019 / 2020 وبدون سابق إنذار وبعد توزيع المهام والتكليفات على التدريسيين آخذين بنظر الاعتبار الخبرات التي يتمتع بها المحالين إلى التقاعد والذين سيتم تعويضهم بالخريجين العاطلين بعد حين ، نقول رغم المساوئ العديدة لهذا التعديل والتي أشرتها العديد من ردود الأفعال فان واحدة من الفوائد المتحققة هي انتقال الخبرات من التعليم العالي إلى المجتمع ، وبشكل يتيح الاستفادة من خبرات أساتذة الجامعات في مجالات متعددة نظرا لما يمتلكونه من شهادات وتجارب وخبرات ونضوج ، ويتوقع الكثير بان الكليات والجامعات الأهلية سوف لا تكون المستفيد الأكبر منهم لأسباب عديدة ، وفي مقدمتها إن النظرة التجارية والربحية في التعليم الأهلي تركز على الكم وليس النوع وثانيها أن التعليم الأهلي لا يقوى على دفع رواتب عالية للمتقاعدين تتناسب مع مكانتهم وألقابهم العلمية ، فبعضها تفضل الاعتماد على الخريجين الجدد لإرضاء الدوائر المعنية في وزارة التعليم العالي التي تطالب بتعين العاطلين ولدفع رواتب منخفضة لهم من باب الاملاءات وإن اعتمدت على بعض الأسماء اللامعة من المتقاعدين فإنهم بأعداد محدودة وربما تكون من باب التباهي والتسويق او لمتطلبات الاستحداث والتوسيع ، والسبب الثالث إن هناك عددا من الجامعيين الذين قضوا سنوات خدمتهم في التعليم الحكومي لا يرغبون العمل في التعليم الأهلي فبعضهم يفضل أن يبقى بدون عمل على العمل بهذا النوع من التعليم وهذا ينبع من مواقف واعتبارات وقناعات ذاتية على الأغلب .
ولان الجامعيين الحكوميين قد وصلوا إلى درجة عالية من النضج في المجالات كافية فان اغلبهم ستكون لهم خيارات رشيدة في كيفية إشغال الوقت ، عندما يشعرون بان لديهم قدرات عقلية وفكرية وبدنية لتقديم العطاء وأنهم اخرجوا من الخدمة الوظيفية رغم شعورهم إن أمامهم 5 سنوات على الأقل للخدمة في المكان المناسب ، ومن الطبيعي أن تكون للبعض منهم فرص للعمل في الجامعات او المواقع خارج العراق فالقانون من وجهة نظرهم وفر لهم الفرصة دون عناء ، ولكن ستبقى هناك أعدادا منهم يفضلون البقاء في الداخل وتقديم خدماتهم للآخرين وهؤلاء يمكن التعويل عليهم في الاستفادة من اللامعين منهم في ولوج بعض المناصب والمواقع ، فاغلبهم غير سياسيين ولا توجد مؤشرات أمنية او فكرية ضدهم بدليل استمرارهم بالخدمة حتى التقاعد كما إن النسبة الكبيرة منهم من التكنوقراط الحقيقي وليسوا من مزدوجي او متعددي الجنسيات والانتماءات ، ونعتقد إن عددا كبيرة منهم يصلحون لإشغال الوزارات وبعض المواقع القيادية والاستشارية ، فالعذر الذي كان يقول إن الاستفادة منهم خارج التعليم يؤثر على التعليم قد زال لأنهم اليوم أصبحوا خارج التعليم ومن الظلم أن لا نقوم باستثمار طاقاتهم في البناء والأعمار وإعادة الثقة بالوظائف العليا خارج الشكوك والرفض والتخوين ، ونحن على يقين بان المتظاهرين والمعتصمين في عموم محافظات البلاد سيقبلون ويتقبلون فكرة إسناد المواقع التنفيذية والاستشارية لهذه الكفاءات بالذات لأنها معروفة من حيث صحة الشهادات واثبات الجدارة والنزاهة والترفع عن الملذات وعدم الارتباط والولاء بالأجنبي وغيرها من المعايير .
ونتوقع من المغرضين وغيرهم أن لا يتقبلوا منافسة الجامعيين لهم لأنهم سيكشفون عورة الفاشلين والفاسدين والمزيفين ، حيث سيضعون العصا في العجلة فيقولون إن القوانين لا تسمح بازدواج الرواتب او تقاضي أكثر من راتب ، او سيقولون إنهم كبار في السن ويجب الاعتماد على الشباب وإعطائهم الفرص ، وكل ما سيتم الترويج له يمكن دحضه والرد عليه لان هناك عددا من الجامعيين يمكن أن يؤدوا ما مطلوب منهم برواتبهم التقاعدية او على سبيل التطوع دون المطالبة بالمردود المادي ، كما إن هناك تشريعات نافذة عالجت مسألة عملهم ونشير بهذا الخصوص إلى ما ورد في المادة 16 من قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 التي نظمت عمل الجامعيين في تقديم الخدمة للمجتمع من خلال التعاقد مع المكاتب الاستشارية للجامعات كما نشير هنا إلى نصوص المادة 24 من قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 التي نظمت إعادة تعيين المتقاعدين وغيرها من النصوص ، وان المقترح في الاستفادة من خبرات الجامعيين المتقاعدين لا ينسحب لكل المواقع وإنما لتلك المتعلقة بالخبرات العالية وبما يفسح المجال للشباب في تولي المواقع العديدة للدولة ، وان العمل بهذا المقترح مفيدا في المرحلة الحالية التي تشهد حراكا شعبيا مشروعا لتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي ، وهذا المقترح ليس طارئا لان السيد رئيس الجمهورية التقى ( الأربعاء ) مع رؤوساء الجامعات وبحث معهم وجهات النظر بخصوص تشكيل الحكومة وغيرها من الأمور ، ، وما نطرحه هنا ليس نيابة عن المتقاعدين لأننا لا نمثلهم بأي شكل ولكنها دعوة للاستفادة من العدد الكبير منهم الذين سيحالون إلى التقاعد عند بداية تطبيق قانون التعديل ، فعددهم بالمئات وهم يشكلون جزءا من الثروات الغنية للبلد من الموارد البشرية ذات المستوى العالي من التأهيل والخبرة والاختصاص في مختف فروع العلوم والفنون والآداب .