قبل سنة ونيف كتبت مقالا عن ضرورة أن نستأنف حضارتنا وقلت في مقدمتها ( ما من شك في حضارة وادي الرافدين وما من شك في أن أجيالنا يفتخرون بها في كل محفل..
ولكنهم في الوقت نفسه لا ينفكون من التذمر وعدم الرضا وفقدان الثقة بمستقبل بلادهم)..
تعرض العراق في عصره الحديث الى هزات عنيفة ومآس كبيرة فمذ تحرر العراق من ربقة الاستعمار البريطاني وهو لايزال بلا استقرار.. تموج فيه الفتن وتتصارع فيه القوى حتى أضحى ساحة لكل الصراعات الداخلية والخارجية.. وعلى الرغم من ذلك المد الهائل من المصائب والكوارث والحروب والفساد والدماء والتغرب والهجرات الذي قلما تمر به البلدان بمثل ما مر به العراق ولكنه بقي صامدا وقادرا على إنتاج الحياة في كل عقوده الأخيرة بل استطاع أبناؤه دوما أن يثبتوا أنهم أبناء حضارة عظيمة فما فتئ مبدعوه يحققون المنجز تلو المنجز..
لطالما أقول إن مشكلتنا في العراق تقبع في محورين..
الأول سياسي.. ولاحاجة لنا هنا في الإطالة عنه فالحكم في العراق كان دوما عبئا عليه وضررا له.. وكل الحقبة السياسية في العراق الحديث ملكية أو عسكرية أو جمهورية أو ديكتاتورية أو ديمقراطية تؤكد ذلك والأمثلة لاتعد ولاتحصى.
والثاني اجتماعي.. وهنا تسكب العبرات… فالعراقيون بطبعهم العام كرماء وشجعان وأهل نخوة ويعتزون بتقاليدهم وعقائدهم وقيمهم لكنهم انشغلوا بوضعهم السياسي أكثر مما انشغلوا باستئناف حضارتهم وبناء بلدهم وتربية أبنائهم على العطاء والانتماء للوطن وهم معذورون حقا لما كابدوه وعانوه من الويلات والكوارث التي محقت هذا البلد في كل تفاصيله ومزقته شر ممزق ..
هذان المحوران لم يقفا عائقا أمام مبدعيه ورموزه الجدد ليكونوا ومضات تعيد ثقتنا بأنفسنا ووطننا وحضارتنا من حين لآخر..
لكن هذا الأرث المتواصل من الإبداع بقي مهملا إلا من مبادرات خجولة هنا وهناك حتى انبرى لها الدكتور عبد الحميد الصائح هو وثلة من صحبه الميامين في مشروع كبير لإحياء النهضة العراقية واستنهاض قيمه الأصيلة من خلال إعلاء مبدعي العراق ورموزه سواء أكانوا أحياء أم أمواتا.. شيبا أم شبابا.. كهولا أم فتيانا.. نساء أم رجالا..وهي مبادرة قمينة بالتقدير والتبجيل.. وعلينا جميعا أن نقف معهم في مشروعهم نشد أزرهم ونسند عضدهم وهم في أول الطريق الطويل والشائك فمشروعهم كبير جدا وكان المفروض أن تقوم به مؤسسات كبيرة ممولة فنحن بلد المليون مبدع الذين لولاهم لكان العراق ترابا منسيا..
بورك عبد الحميد الصائح ورهطه الأبرار وهم يناضلون لإحياء الثقة بأنفسنا وبأننا قادرون دوما على استئناف حضارتنا وبناء وطننا من جديد..