وكان رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني وجه بياناً للاجئين الأكراد قال فيه، “أدعوكم إلى عدم قطع صلتكم بوطنكم، ليس من أجلي أو من أجل أي شخص آخر، لأنكم وحدكم أصحاب هذا الوطن، إلى أين تذهبون؟”، “أنتم مستقبل هذه البلاد وأنتم قادته المستقبليون، لا وطن يضاهي وطنكم، وعلينا أن نعتز ونحب وطننا كمحبتنا لأمهاتنا”، ( عليك الله صدك تحجي ) وتابع، “أنا متفائل بمستقبل كردستان، مشكلتنا هي ما يتم الترويج له من ثقافة بأن هذا الوطن أصبح ملكاً لفلان، ليشعر الشاب بأنه لم تعد له مكانة فيه وعليه المغادرة، ما خلق يأساً في نفس الشاب ….. هذي الحقيقة والتي تهربون منها والحياة ليست نافورات القلعة والشقق الغالية وملاعب السكيتنك وسيارات الدفع الرباعي المحصنة والمولات ومشاريع تصفية النفط!!!!
تفاجأ العالم وجود آلاف الأكراد العراقيين بين اللاجئين المحاصرين على حدود بيلاروسيا مع بولندا كثرة من الأمريكيين والأوروبيين يظنون أن الإقليم الكردي هو الجزء الوحيد من العراق المنكوب الذي نجا بدعم غربي كبير من مأساة أوسع تتفاعل منذ غزاه تحالف تزعمته الولايات المتحدة في 2003.
بدت الأمور سائرة في اتجاه مختلف حين غرق وسط العراق وجنوبه بإهراق الدم طائفياً خلال السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي، فيما شهدت محافظات الشمال تحت الحكم الذاتي لإقليم كردستان طفرة اقتصادية. استقطبت المنطقة الغنية بالنفط والتي تتمتع ببيئة سياسية يمكن التنبؤ بها وتخلو إلى حد كبير من العنف مستثمرين من حول العالم. كما شيدت فنادق ومراكز تجارية وأبراج سكنية بسرعة كبيرة، لدرجة باتت فيها المدن الكردية تقارن بدبي. كما لاح في الأفق مزيد من التقدم الديمقراطي.
ظهر التباين مع باقي مناطق البلاد بحدة في 2014 حين اقتحم تنظيم الدولة الإسلامية العراق. بينما كانت الوحدات العسكرية العراقية تنهار في قلب البلاد أمام الهجوم، صدت القوات الكردية بدعم من القوة الجوية الأمريكية الإرهابيين عن أبواب أربيل، عاصمة إقليم كردستان.
بقي أكراد العراق مستقرين وآمنين بمعزل عن المآسي التي حولت الملايين من جيرانهم في أماكن أخرى من العراق وعبر الحدود في سوريا التي دمرتها الحرب وإيران التي أرهقتها العقوبات إلى لاجئين. الأدهى من ذلك أن كردستان-العراق آوت الفارين من عنف الجوار.
لم يتغير هذا ظاهرياً حيث بقيت كردستان-العراق في سلام نسبي، وإن كان ذلك قياساً إلى معايير متدنية تسود مناطق الجوار. ليست التوقعات الاقتصادية الآتية من أربيل قاتمة مثل بغداد ناهيك عن دمشق أو طهران. لكن حين يروي اللاجئون في طريقهم إلى أوروبا قصصهم حول الفظائع التي هربوا منها، غالباً لن يحصل الأكراد العراقيون على كثير من التعاطف لدى أقرانهم الأفغان والسوريين.
رغم أنهم لم يفروا من متسلطين مثل طالبان أو مستبد ارتكب إبادة جماعية مثل بشار الأسد، فإن أكراد العراق محبطون جراء فشل قادتهم بالإيفاء بوعد قطعوه في 2003. لم يتعاف الاقتصاد، الذي يعتمد بشكل مفرط على صادرات النفط أبداً من انخفاض أسعار النفط الخام في 2014، ولا يمكن بعد معرفة ما إذا كان الانتعاش الأخير سيستمر لفترة كافية لتغيير التوقعات، كما أجبرت البطالة العديد من الأكراد على ترك المدن والتوجه للزراعة.
كانت المكاسب الديمقراطية هزيلة، حيث يهيمن احتكار العشائر للحياة السياسية نتيجة غياب الإصلاح السياسي. أصبحت الحكومة في أربيل أكثر استبدادية، حيث قامت بسجن المعارضين وتكميم الإعلام. لم تستطع الاحتجاجات المناهضة للحكومة أواخر العام الماضي إضعاف الفساد المستشري.
شعر ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا، بأن الظروف في كردستان العراق جعلت شعبها فريسة سهلة لمخططه لجلب المهاجرين إلى بلاده ليطلقهم تجاه أوروبا الغربية. سهّل ضوابط الحصول على التأشيرات ونظَّم مزيداً من الرحلات الجوية إلى مينسك، وفيها اقتادت قوات الأمن البيلاروسية الوافدين نحو الحدود. لم تحاول حكومتا أربيل أو بغداد وقف الهجرة الجماعية.
عرضت الحكومة العراقية في وقت متأخر عليهم العودة إلى الوطن، لكن التقارير الواردة من الحدود بين بيلاروسيا وبولندا تشير إلى أن العديد من الأكراد يفضلون أن يجابهوا الشتاء الوشيك بدل العودة إلى ديارهم. رغم أن جذر يأسهم نبت على حطام الآمال وليس دافعه خطر الموت الذي شهده اللاجئون الآخرون، فإن يأسهم حقيقي بنفس القدر.
الوضع على الحدود بين روسيا البيضاء وبولندا رهيب. لكن هذا لم يمنع المهاجرين من أحد أكثر المناطق استقرارًا في الشرق الأوسط من تجربة حظهم. بالنسبة للعديد من الأمريكيين والأوروبيين ربما كانت الأخبار التي تفيد بأن الآلاف من أكراد العراق من بين اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا مفاجأة. بعد كل شيء كان من المفترض أن تكون المنطقة الكردية في العراق هي الجزء الوحيد من ذلك البلد المنكوب الذي نجا بمساعدة غربية كبيرة من المأساة الأوسع التي حدثت منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.
إن سعي العديد من أكراد العراق الآن بدلاً من ذلك للهروب من المنطقة يظهر مدى تبخر الآمال في الفرص الاقتصادية والسياسية في حقبة ما بعد صدام حسين.بدت الأمور تسير في اتجاه مختلف في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي بينما انحدرت الأجزاء الوسطى والجنوبية من العراق في إراقة الدماء الطائفية شهدت المحافظات الشمالية تحت حكومة إقليم كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي طفرة اقتصادية. تنعم المنطقة بالثروة النفطية وتتميز ببيئة سياسية يمكن التنبؤ بها وخالية إلى حد كبير من العنف ، وقد اجتذبت المنطقة مستثمرين من جميع أنحاء العالم. ارتفعت الفنادق والمراكز التجارية والأبراج السكنية بسرعة مضاعفة ، مما أدى إلى مقارنة المدن الكردية بدبي. بدا المزيد من التقدم الديمقراطي في المستقبل القريب.
ظهر التناقض مع بقية البلاد بشكل أكثر حدة في عام 2014 ، عندما اقتحم تنظيم الدولة الإسلامية العراق. مع انهيار الوحدات العسكرية العراقية في قلب البلاد تحت الهجوم ، قامت القوات الكردية ، بدعم من القوة الجوية الأمريكية ، بصد الإرهابيين من بوابات أربيل ، عاصمة إقليم كردستان.
وبقي الأكراد مستقرين وآمنين بمعزل عن المصائب التي حولت الملايين من جيرانهم في أماكن أخرى في العراق وعبر الحدود في سوريا التي مزقتها الحرب وإيران الخانقة للعقوبات إلى لاجئين. في الواقع استضافت كردستان العراق أولئك الفارين من العنف المجاور.
على السطح ، لم يتغير الكثير. لا تزال كردستان العراق سلمية نسبيًا ، بالمعايير المتدنية المعترف بها في جوارها. التوقعات الاقتصادية من أربيل ليست قاتمة مثل بغداد ناهيك عن دمشق أو طهران. بينما يتبادل اللاجئون في طريقهم إلى أوروبا القصص حول الفضائع التي هربوا منها ، من غير المرجح أن يحصل الأكراد العراقيون على الكثير من التعاطف من أقرانهم الأفغان والسوريين ، على سبيل المثال.
لكن إذا لم يفروا من مضطهد شبيه بطالبان أو دكتاتور إبادة جماعي مثل بشار الأسد ، فإن أكراد العراق محبطون بسبب فشل قادتهم في الوفاء بوعد عام 2003.
الاقتصاد الذي يعتمد بشكل مفرط على صادرات النفط ، لم يتعاف أبدًا من انخفاض أسعار النفط الخام في عام 2014. من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان الانتعاش الأخير سيستمر لفترة كافية لتغيير التوقعات. أجبرت البطالة العديد من الأكراد على ترك المدن والتوجه إلى الزراعة.في غضون ذلك ،[ كانت المكاسب الديمقراطية تافهة. في غياب الإصلاح السياسي ، يهيمن احتكار العشائر على الحياة السياسية. أصبحت الحكومة في أربيل أكثر استبدادية ، حيث قامت بسجن المعارضين وتكميم أفواه الإعلام. لم تؤثر الاحتجاجات المناهضة للحكومة أواخر العام الماضي على الفساد المستشري.
شعر ألكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا بأن الظروف في كردستان العراق [ جعلت شعبها فريسة سهلة] لمخططه لجذب المهاجرين إلى بلاده وإطلاق العنان لهم في أوروبا الغربية. قام بتيسير لوائح التأشيرات ونظم المزيد من الرحلات الجوية إلى مينسك حيث اقتادت قوات الأمن البيلاروسية الوافدين الجدد إلى الحدود. [[لم تحاول الحكومة في أربيل ولا الحكومة في بغداد وقف الهجرة الجماعية.]]
وقدمت الحكومة العراقية في وقت متأخر عرضاً للعودة إلى الوطن. لكن التقاريرالواردة من الحدود بين روسيا البيضاء وبولندا تشير إلى أن العديد من الأكراد يفضلون البقاء مع اقتراب الشتاء بدلاً من العودة إلى ديارهم. إذا كان يأسهم متجذرًا في آمال محطمة بدلاً من الخطر المميت للاجئين الآخرين ، فإن هذا لا يقل واقعية عن ذلك.
مسؤولية تفاقم ظاهرة الهجرة، جراء سوء الأوضاع المعيشية و”غياب العدالة”، وفي وقت اعتبرت الحكومة إفادات المهاجرين بأنها “غير واقعية”، حذرت من استغلال “تجار السياسة” الملف بغية الإساءة لسمعة الإقليم.
ومنذ نحو شهر يعاني اللاجئون، ومعظمهم من الأكراد في بيلاروسيا على الحدود مع بولندا، ظروفاً صعبة ومصيراً مجهولاً، إذ ترفض سلطات الأخيرة فتح الحدود أمامهم للتوجه نحو بلدان اللجوء.
وتتضارب البيانات حول أعداد اللاجئين العالقين، إذ قدرت جمعية “اللاجئين الكردستانية” عدد العالقين بنحو أربعة آلاف، كانوا غادروا الإقليم قبل بضعة أشهر بواسطة تأشيرات دخول سياحية رسمية وطرق غير رسمية، في وقت أكدت وسائل إعلام ومسؤولون بولنديون أن نحو 1200 لاجئ يحملون جواز سفر عراقياً، ومعظمهم من الأكراد، يوجدون في الأراضي البولندية، وقدرت عدد العالقين عند الحدود مع بيلاروسيا بين ثلاثة وأربعة آلاف لاجئ.
ويتمتع الإقليم الكردي شبه المستقل عن بغداد باستقرار أمني وخدمي بالمقارنة مع بقية المناطق العراقية، لكنه واجه أزمات منذ عام 2014، عقب سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات واسعة من العراق، وهبوط غير مسبوق في أسعار النفط، وتداعيات خوضه استفتاء للانفصال، لتعمق من أزمته الاقتصادية وعجز السلطات عن دفع مرتبات الموظفين، وتراجع في الخدمات مع ارتفاع في الأسعار وانتشار البطالة، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي، وتخللت هذه المدة موجات من التظاهرات احتجاجاً على سوء المعيشة.
وقال الناشط محمود ياسين كوردي إنه “يجري اتصالات بشكل يومي مع هؤلاء اللاجئين، وتبلغ أعدادهم نحو ثلاثة آلاف شخص، 80 في المئة منهم أكراد، ولأول مرة نجد أن هناك أسراً قادمة من محافظة دهوك بعد أن كانت ظاهرة الهجرة تنحصر على أربيل والسليمانية، معظمهم حصلوا على تأشيرات سياحية، وهناك من اجتاز البحر والطرق البرية”، مشيراً إلى “أنهم يعانون أوضاعاً سيئة للغاية”.
ومن المقرر أن يتم، الأسبوع المقبل، نقل جثماني اثنين من اللاجئين الأكراد إلى الإقليم، حيث توفي أحدهما جراء سوء حالته الصحية عند الحدود البولندية البيلاروسية، فضلاً عن وفاة طفل رضيع.
وكان أحد اللاجئين عبر في مقطع فيديو عند الحدود البولندية، ويدعى محمد رسول، عن استعداد حكومة الإقليم لإعادتهم إلى الديار، متحدثاً باسم اللاجئين قائلاً، “نحن في كردستان، كنا في سجن، ويريدون مجدداً أن يعيدونا إليه”، ودعا إلى “إيصال صوت اللاجئين إلى المنظمات الدولية ووسائل الإعلام، بأنهم لا يريدون العودة”.
وقد خصص مجلس الوزراء العراقي 200 ألف دولار كمساعدة طارئة لأزمة اللاجئين، من ضمنها إعادة من يرغب بالعودة إلى البلاد.
وتباينت ردود الأفعال في الوسط السياسي الكردي حول الدوافع الحقيقية لـ”الهجرة الجماعية” كما وصفتها النائبة في برلمان الإقليم كولستان سعيد محمد، وقالت، “الشباب يعانون منذ سنوات البطالة واليأس من المستقبل جراء الأزمات المتتالية وغياب العدالة والقانون والفشل الحكومي في تأمين عيش كريم من النواحي كافة، آلاف الأجانب يتحصلون على فرص عمل، بينما أبناء الإقليم يتحسرون، فالقطاع الحكومي أوقف التعيينات، أما القطاع الخاص فإنه محصور بالحزبين الحاكمين اللذين يحصران فرص العمل بمناصريهما”.
ويتولى الحزبان الكرديان الرئيسان “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني، و”الاتحاد الوطني” الذي كان يتزعمه الراحل جلال طالباني، إدارة الإقليم منذ انتفاضة الأكراد عام 1991 ضد نظام المغبور صدام.
ونواباً طرحوا مراراً مقترحات لوضع الحلول الكفيلة بالحد من خطورة هذه الظاهرة، من دون آذان مصغية، لقد تحمل شعب الإقليم لكي يحافظ على الكيان الذي يتمتع به، وتحمل معاناة قطع الرواتب من قبل بغداد واضطر إلى بيع ممتلكاته لتأمين لقمة عيشه من أجل صون هيبة حكومته”. واستدركت، “لكن المواطن يبحث عن إجابات حول أسباب أزماته، على الرغم من توافر كل هذه الثروات الطبيعية وغيرها، لماذا لا تستطيع الحكومة إدارة شعب لا يتجاوز ستة ملايين فرد؟ وهذا دليل على التقصير”.
أربيل تواجه أزماتها الاقتصادية بالزراعة وخفض أجور المؤسسات العامة
و ، “لماذا تم نسف البنية التحتية، في السليمانية وحدها، كان لدينا خمسة معامل كبيرة لصناعة السكر والتبغ والألبسة، كلها تم بيعها، التي كانت تؤمن مصدر عيش لآلاف المواطنين”. وأضافت أن “الحكومة الحالية تشكلت رافعة شعار الإصلاح ولم نتلمس أية نتائج، لو تم إبعاد تجار السياسة عن الإدارة وإنهاء استغلال السلطة وتنظيم المؤسسات والقضاء على الفساد، كان بالإمكان إيجاد الحلول، وكذلك، تنظيم القطاع الخاص وفق قوانين وضوابط تضمن حقوق العامل، فإنه حتماً لن يركز على التعيين في القطاع العام”.
و أن دوافع الهجرة في غالبيتها ناجمة عن سوء المعيشة، وقال، “معظم المهاجرين يهربون من الظروف الاقتصادية المزرية والإحباط من المستقبل، الفجوة الطبقية في اتساع مطرد، مشهد تزايد مشاريع بناء العمارات والأبنية الراقية يعطي طابعاً للزائر عن مدى الرخاء في الإقليم، في حين أنه لثام يخفي الحقيقة، إذ بحسب هيئة الاستثمار، فإن 82 في المئة من الذين يشترون الشقق والمنازل ضمن عموم المشاريع السكنية المتنوعة هم من العرب العراقيين، وهذا ليس معيارًا للمستوى المعيشي الحقيقي للمواطن الكردي”.
أن “أسباب الإحباط متعددة، منها فقدان الثقة بإجراء تغيير عبر الانتخابات، وعدم حصول انتعاش على الرغم من تصاعد أسعار النفط لمستوى قياسي، في مقابل زيادة الضرائب من دون مسوغات قانونية، وتأخير مستمر في دفع المرتبات”، وزاد أن “مسألة الحريات تلعب دوراً مهماً، خصوصاً بعد اعتقال العشرات من الصحافيين والنشطاء المدنيين بتهم مختلفة وسلسلة محاكماتهم ما زالت جارية، وما سبقها من قمع للمتظاهرين، واليوم يتعاظم اليأس عندما يعلن طالب اجتاز مرحلة الإعدادية بمعدل 95 من دون أن يتم قبوله في الجامعة الحكومية، وعليه أن يتجه إلى جامعة خاصة يمتلكها المسؤولون لدفع مبالغ طائلة، وهذا ما يحصل أيضاً في القطاع الصحي، إذ يتم استغلال المريض من قبل المستشفيات الخاصة، في ظل فقدان الثقة بنوعية الأدوية وصلاحيتها”.
في المقابل، قللت الحكومة من “التهويل” الإعلامي في تناول الملف، وقال الناطق باسمها، جوتيار عادل، خلال مؤتمر صحافي عقده، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، عقب اجتماع مع الوزارات والمؤسسات المعنية، إن “الهجرة مسألة طبيعية وعالمية، وقد اجتاحت بلدان الشرق الأوسط من ضمنها الإقليم والعراق، وإذا ما قارنا بين الإقليم وبلدان المنطقة، فإن الوضع هنا أفضل بكثير، وبالطبع سنتعامل معها بكل مسؤولية وسندرسها”.
“هناك من يتاجر بالسياسة والإنسان في كردستان للإساءة الى سمعة الإقليم، وتعمل مافيات وعصابات ومهربون على المتاجرة بملف الهجرة، والشعب أصبح ضحية هؤلاء”. واصفاً أوضاع اللاجئين بأنها “كارثية”، وحمل “حزب العمال الكردستاني مسؤولية هجرة مواطني الإقليم من المناطق التي ينشط فيها على حدود محافظة دهوك ومنطقة رابرين (الحدود مع تركيا وإيران)، ما سبب بعرقلة المشاريع الاستثمارية… ليس هناك اي علاقة والحقيقة الثراء والبرجوازية الغير متوازنة فقط للطبقة الحاكمة والاقارب !
“.
يذكر أن الجيش التركي ينفذ هجمات وعمليات قصف شبه يومي لملاحقة مسلحي حزب “العمال” الذي يتخذ من سلسلة جبال قنديل ضمن حدود الإقليم معقلاً له منذ عقود.
والمشكلة الكبرى حصة الاقليم من الموازنة للحكومة الاتحادية قلية ولاتكفي والموارد الحدودية قليلة والبريق الاعلامي قليل وسياسيوا العراق العرب لم يوفوا بوعودهم وااسفا !
وأن مشكلة المهاجرين “ليست وليدة اليوم، بل إن دولاً عدة، ومنذ سنوات، تستخدم هذا الملف كورقة ضغط سياسي ضد بعضها بعضاً، وهذا حصل بين دول الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة”، مبيناً أن “المهاجرين أعطوا إفادات غير واقعية بشأن الإقليم لكي يحصلوا على إقامات، وتم استغلالهم من قبل تجار السياسة للإساءة إلى سمعة الإقليم، وكذلك من قبل المهربين بهدف المال”.
“لماذا تتهرب الحكومة من الإقرار بغياب العدالة، ونهب الموارد في المعابر والأراضي والنفط، واحتكار السوق والجيش والقضاء، وافتتاح مئات المقار والمؤسسات الإعلامية بالمال العام”. وأكد أنه اعترض على “وفد برلماني إلى بيلاروسيا وبولندا، لأن لا المشكلة ولا الحل يكمن هناك، بل هي نتيجة الظلم، ويتوجب على البرلمان التحقيق في هذه المظالم باعتبارها سبباً للهجرة، سبق وحذرنا مراراً لوقفها، فالبرلمان لا يستطيع إطفاء النيران لينشغل بالدخان، ويبدو أن البرلمان هو جزء من مسببات اليأس السائد”.
“مشاهد مئات من الشباب الكردي في بلدان اللجوء، الذين غادروا البلاد مضطرين نحو المجهول، سببه ظلم وفساد وعدم شعور سلطات الإقليم بالمسؤولية”.
إن “بعض الناس لا ينقصهم شيء ويعيشون حياة ميسورة، وعلى الرغم من ذلك هاجروا، ولدي نماذج من أقربائي، ومن الخطأ تسييس الأزمة، وهذا الملف ليس وليد اليوم، وعلى المعارضة ألا تحمل السلطة المسؤولية كل المسؤولية”، داعياً “الجميع إلى المشاركة في الوقوف على أسباب الظاهرة، وإيجاد الحلول لها”.
وتبحث حكومة وبرلمان الإقليم والجهات ذات العلاقة في ظاهرة هجرة الشباب، بعد تشكيل لجنة برلمانية كلفت مهمة السفر إلى بولندا للوقوف على معاناة هؤلاء اللاجئين، في وقت عقد عدد من وزارات حكومة إقليم كردستان اجتماعاً لبحث ظاهرة هجرة الشباب إلى خارج البلاد.”.
ويشير أحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي إلى تجاوز نسبة البطالة في العراق 13 في المئة، وهي أعلى نسبة منذ عام 1991، في وقت تقر وزارة التخطيط العراقية بأن نسبة الفقر في البلاد تتجاوز 31 في المئة، في ارتفاع مخيف بالمقارنة مع عام 2018 التي كانت لا تتجاوز 20 في المئة، وتعزو الأسباب إلى خفض قيمة الدينار العراقي وتداعيات فيروس كورونا.
ويشهد العراق زيادة سكانية سريعة بمعدل مليون فرد في كل عام وفقاً لبيانات حكومية، ويشكل الشباب النسبة الأعلى، الذين يعانون غياب فرص العمل، من ضمنهم آلاف يتخرجون سنوياً في مختلف التخصصات الدراسية.
وكان تقرير صدر عن منظمة الأغذية العالمية صنف العراق ضمن سبعة بلدان اعتبرتها الأشد جوعاً في العالم.
ولفت رئيس منظمة القمة لشؤون اللاجئين والنازحين، ومقرها كردستان، أري جلال، في حديث لـ”اندبندنت عربية”، عن أعداد المهاجرين، إلى أنه لا توجد أرقام وبيانات موثقة، ولكن، حسب التقارير الواردة من المهاجرين، ووسائل إعلام، تتراوح أعدادهم بين 3000 و4000 داخل بيلاروسيا، وعلى حدودها مع بولندا، كما أن هناك نحو 1200 مهاجر في مخيمات داخل بولندا.
وعن دوافع وأسباب ظاهرة الهجرة من الإقليم، وإن هناك دوافع جوهرية، منها انعدام العدالة الاجتماعية، والاستقرار الأمني والسياسي، والفساد المالي والاقتصادي، وكذلك انعدام الثقة بين المواطن والحكومة، والتأخر في دفع الرواتب واستقطاع جزء منها، وعدم استقلالية القضاء والتدخل في شؤونه واستخدامها لصالح الأحزاب المسيطرة على السلطة. و أن من الدوافع وراء الهجرة أيضاً محاسبة أصحاب الآراء المخالفة للسلطة، وتحويل الأمر إلى قضية سياسية وأمنية، فضلاً عن خصخصة مؤسسات الدولة المعنية بتوفير الخدمات العامة للمواطنين، ولا سيما (الماء والكهرباء والاتصالات، وغيرها)، وكذلك تدخل الدول المجاورة ووجودها العسكري داخل الإقليم.
وتحدث رئيس منظمة القمة لشؤون اللاجئين والنازحين أيضاً عن أسباب دولية منها منح سمات الدخول من قبل بيلاروسيا للعراقيين بشكل كثيف، ومن دون قيود، من خلال قنصليتها في العراق، وسفاراتها في الدول المجاورة منها تركيا والإمارات وإيران.
وإذ لفت إلى ارتفاع نسبة الهجرة في الأشهر الخمسة الأخيرة بشكل غير مسبوق لعدم حصولهم على تأشيرات دخول إلى بيلاروسيا، شدد جلال على أن المهاجرين الأكراد والعراقيين هم ضحايا ووسائل ضغط لتصفية صراعات دولية منها الصراع بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي.
“لماذا يفر أكراد العراق من وطنهم السلمي؟” ، الصدمة التي تعرض لها قادة الدول الأوربية والولايات المتحدة أمام مشاهد الآلاف من سكان شمالي العراق يتزاحمون لدخول أوروبا، بعد أن كان من المفترض أن تكون منطقتهم هي الجزء الوحيد الذي نجا من العراق، بمساعدة غربية، بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 والإطاحة بحكم المغبور صدام حسين.
وقد أشارت العديد من التقارير السابقة، بأن المحافظات الشمالية المتمتعة بالحكم الذاتي في ظل حكومة إقليم شمال العراق، قد شهدت طفرة اقتصادية، بعد إسقاط حكم صدام حسين. وذلك على عكس المناطق الوسطى والجنوبية من العراق التي دمرتها الحروب الطائفية طيلة سنوات.
وعلى الصعيد ذاته، فإن المنطقة تتمتع بثروة نفطية مهمة، وبيئة سياسية مستقرة، تمكنت من جذب المستثمرين من أنحاء العالم كافة. فارتفعت منذ ذلك الوقت الفنادق والمراكز التجارية والأبراج السكنية في وقت قياسي.
واعتبرت بلومبرغ، أن التناقض بين منطقة إقليم شمال العراق وبقية الأجزاء والمحافظات العراقية قد بلغ ذروة حدته عام 2014، حين اقتحمت مليشيات تنظيم داعش الإرهابي عددا من المدن، لتنهار الوحدات العسكرية العراقية حينها في مواجهة الهجوم المسلح. في حين أن القوات في إقليم شمال العراق تمتعت بدعم من القوة الجوية الأمريكية، لصد الهجوم من بوابات أربيل.
فنجحت المنطقة في أن تكون منذ ذلك الحين، منطقة آمنة ومستقرة، وقادرة على استضافة الفارين من جحيم الحروب والمعارك المشتعلة في العراق وعلى الحدود السورية.
لوكاشينكو يستغل أزمة شمال العراق
يعزو تقرير بلومبرغ فرار أهالي إقليم شمال العراق إلى أوروبا، إلى إحباطهم بسبب فشل قادتهم في الوفاء بتعهداتهم التي قطعوها عليهم منذ عام 2003. حيث إن الاقتصاد الذي يعتمد بشكل مفرط على صادرات النفط، لم يتعاف أبداً منذ انخفاض أسعار النفط الخام عام 2014.
إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة خلال السنوات الأخيرة، ما أجبر الكثيرين على مغادرة المدن والتوجه إلى الزراعة.
أما على المستوى السياسي، فإن المكاسب الديمقراطية ضئيلة جداً ولا تكاد تذكر، وذلك بسبب غياب الإصلاح السياسي، وهيمنة العشائر على الحياة السياسية.
وتعتبر بلومبرغ، أن لوكاشينكو قد انتهز فرصة تردي الأوضاع في إقليم شمال العراق، لجذب المهاجرين إلى بلاده ومن ثم تسهيل وصولهم إلى حدود أوروبا.
إذ إنه يسّر لوائح التأشيرات، وارتفعت في الأثناء أعداد الرحلات المتجهة إلى مينسك منذ الصيف الماضي. ونقلاً عن مصادر رسمية، فإن قوات الأمن البلاروسية قد قامت حينها بنقل الوافدين الجدد إلى الحدود.