نحتاج اليوم إلى النقد بشفافية ونسمي الأمور بأسمائها لنبني عراق الديمقراطية الجديد. يعتبر العراق الساحة الأكثر استقطابا للأحزاب السياسية في العالم العربي في الوقت الحاضر وخاصة بعد سقوط النظام الشمولي الذي قيد كل شئ في العراق ومن ضمنها الفكر السياسي وكان رد الفعل لذلك بعد هذا السقوط بروز الحاجة إلى ملء الفراغ السياسي الذي تركه بشكل وبأخر حتى يمكن اعتبار العمل السياسي في العراق أصبح مشاعا للجميع وبدون رقابة لعدم وجود ضوابط معينة تجيز لهذه الأحزاب العمل وفق نظام مؤسساتي متفق عليه. والعقود السابقة التي مرت على الشعوب العربية التي كانت في ظل حكومات دكتاتورية شاعت في الارض فسادا وبعد عملية التغيير في انظمة الحكم فرغت الساحة للأحزاب والتيارات الدينية لاستغلال الشعوب ورغبتها في التغيير وحاجتها للإسلاميين لان يحكموا بما انزل الله سبحانه. ونتساؤل لماذا فشل شيعة العراق في بناء الدولة؟
هناك عدة أسباب منها:
أولا / إن الشيعة ككتلة مذهبية لم تستطع إنتاج خيارات متنوعة وهي في موقع مشاركة السلطة، لأن تاريخ الطائفة يضعها بعيدا عن أية تجربة سياسية، وهذا جعلها في النهاية غير قادرة على التعبير عن نفسها إلا من خلال المؤسسة الدينية ورجالاتها، بدءا بالحركة الجهادية عام 1914 ومرورا بثورة العشرين وانتهاء بانتفاضة 1991.
ثانيا / تعاملت الولايات المتحدة مع الشيعة على أساس أنهم مجموعة أحزاب وتيارات إسلامية وعليها المفاضلة فيما بينها، فقرّبت البعض واستبعدت البعض، وبهذا رسخّت التمثيل الديني للشيعة، وحددت من فرص ظهور تيار غير إسلامي وغير بعثي، فقد جعلت الواقع عبارة عن ثنائية قاتلة أطاحت بفرص ظهور علمانيين أو ليبراليين شيعة يمكن أن يلعبوا دورا في الحياة السياسية ما بعد 2003.
ثالثا / المرجعية الدينية تبدو اليوم واحدة من العوائق التي تعترض أي فعل شيعي على الصعيد الشعبي، لقد تم تطويع الشيعة على أن تحركهم لا يكتسب أية شرعية بدون فتوى أو دعوة مرجعية صريحة. وبقدر ما تبدو هذه الحقيقة ظاهرة فريدة ومصدر قوة إلا أنها مصدر لأكبر نقاط الضعف تجاه الداخل تجاه أحزابهم على وجه التحديد في تجربتهم الراهنة غير المسبوقة والمخيبة للآمال.
رابعا / علاقات الأحزاب الشيعية مع إيران جعلها غير مرحب بها من قبل الأنظمة العربية، بعض هذه الأنظمة يلعب دورا واضحا في التحكم بتطورات الأوضاع السياسية والأمنية، الهدف لم يعد خفيا على أحد.
خامسا / الصراع الداخلي ظاهرة واضحة التاريخ يفيد بأنه لا يوجد مذهب ديني أنشق على نفسه بالقدر الذي مر به تاريخ التشيع والطفرات التي اعترته. الأمر يدعو إلى طرح تساؤلات عميقة ربما تلامس حدود البنية العقدية وليس هنا مجالها، لكن المهم في الأمر أن مبررات الخلاف في البيت الشيعي لا تصمد أمام أي منطق أو عقلانية بملاحظة الظروف التي يمرون بها، فالتنافس الحزبي البيني ومنذ أعوام يشغل الحاكمين عن الكثير من ملفات الحكم.
سادسا / أصبحت القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى ماردا لا تقوى آلاف العناصر الأمنية في مختلف الأجهزة على مواجهته خاصة بعد ما حدث في سورية وطالما أنها تتلقى دعما خارجيا وطالما أيضا كانت الصراعات السياسية وقودا حاضرا لا ينفد من غابات شاسعة للعراق الجديد.
الأحزاب الإسلامية لم تنجح لحد ألان في فرض فكرها على جماهير الشارع العراقي وأنا أركز ألان على الفكر وليس ألسطوه نتيجة القوه ، وكان العراقيون الشيعة فرحين جدا بسقوط نظام البعث بمساعدة اجنبية وبوصول المجلس الاعلى من ايران حزب الدعوة الاسلامية. وحاز المجلس الاعلى على قلوب الناس قبل اصابعهم في الانتخابات وحصد الكثير من المقاعد في الانتخابات الشكلية في مجالس المحافظات حيث سيطر على مجالس عشر محافظات لخطابات دينية واستغلال لامنيات الناس البسطاء في ان يعيشوا حياة هانئة بعيدا عن الفقر والتهميش كما في النظام السابق. ولكن لم يكن بين الذين حكموا من مثقف او سياسي او حتى ذو خبرة ادارية . شخوص كانوا معارضين لنظام صدام وتركوا ساحة المعركة لايران لتشكيل معارضة ضد النظام وضحى منهم الكثير بالنفس والممتلكات وخطوا طريق الشهادة في رفضهم للطاغية ومحاولة تحجيم سلطته . ولكنهم فشلوا في ادارة الدولة وفي مختلف المستويات لانهم جاؤوا متعطشين للسلطة ومرت الانتخابات التشريعية 2010 وثبت فشلهم في صناديق الاقتراع . بعد ان اقصوا المثقف والذي كانوا يطلقون عليه انه بعثي او علماني ومنع افكاره من الوصول للناس لاتاحة الفرصة لسلطتهم باسم الدين وفشلت الدولة بكل مافيها من مفاصل بسبب حكم الاقلية الدوغمائية . وهاهم الان يفشلون ثانية في انتخابات 2014 بعد ان اشاعوا بين الناس انهم رفضوا الدخول في الكابينة الوزارية لحكومة نوري المالكي التابع لحزب الدعوة الاسلامية والذي نعرفه ان الاحزاب الشيعية كانت متوحدة في الخارج ابان مرحلة المعارضة ولكن السلطة والمناصب والمكاسب السياسية فرقتهم وانستهم قضية حقوق المذهب الضائعة ، فاشاعوا انهم يملكون برنامج للمرحلة المقبلة يتجاوزون فيها الاخطاء والعثرات التي مرت بها هذه الحكومة ولكن الحقيقة ان جميع الكتل السياسية بل جميع السياسيين كان برنامجهم الاوحد اما دعم المالكي وبقائه او رفضه وابعاده عن سدة الحكم ليتقاسموا الكعكة مثل الذين سبقوهم. ولكن حزب السلطة فاز هذه المرة وماحمله برنامجه الانتخابي من وعود ومحاولات لتغيير الاشخاص والبرامج لتحقيق العدالة.
فالمجلس الاعلى كغيره من الاحزاب التي كانت تعارض نظام صدام لاتحمل إستراتيجية غير اسقاط النظام وبعد اسقاطه لم يكونوا يعرفون متطلبات المرحلة سوا الحصول على مكاسب قدر المستطاع وراح ضحية تلك البرامج المواطن العراقي. وما حصولهم على ضعف المقاعد في البرلمان في الانتخابات الاخيرة عما سبقتها الا بسبب دعم بعض رجال الدين لهم وشيوخ العشائر فلا ننسى ان المجتمع العراقي ليس بمعظمه ذو ثقافة وفكر حر وانما تحكمه الاعراف العشائرية والدينية والتي ساعدت كثيرا على اضعاف القانون وظهور الطبقات غير المنتجة للمجتمع بعدما انزوى المثقف بعيدا خوفا من ان يقتل او يهمش ويصفى من قبل الحكام باسم الدين . اما الحزب الاسلامي السني في العراق فكان مسيطر على اكثر أصوات السنة في الشارع العراقي لأنه الوحيد الذي كان له علاقة وثيقة مع الاحتلال الأمريكي والبريطاني في العراق وكان يقيم في لندن أيام معارضته للنظام المباد وأيضا كونه الوحيد الذي شارك في الانتخابات الأولى لمجلس النواب لذلك أعتبر ممثل لسنة في الأنتخابات الأولى. لان السنة كانت مقاطعة لها الا انه فشل في الحفاظ عليها لسياساته الأقصائية لباقي المكونات السنية ولعدم وجود قاعدة كبيرة لفكر الأخوان المسلمين في الشارع السني العراقي وأيضا لقربه من تركيا وقطر التي يعتبران الراعي لجماعة الأخوان المسلمين في الشرق الأوسط والوطن العربي.
نستنتج من ما سبق ان جميع الاحزاب والتكتلات السياسية الاسلامية في العراق فشلت في أدارة العراق وتسببت في عزله عن محيطه القومي والأقليمي , والعراق الان محط قلق لمجتمع الدولي في بسبب ما يمر فيه من ظروف أمنية وأجتماعية وأقتصادية وحتى دعم الأمريكي الغير مشروط للحكومة العراقية هو لتغطية على فشل فكرة التغير بالقوة الأمريكية في العراق التي عرضت مصداقية الولايات المتحدة في العالم للخطر وأضعفت من قوتها ومن شعبيتها أمام الشعب الأمريكي بالداخل ,وايضا للحفاظ على ما تبقى لها من مصالح في العراق .