بعض سكان عالم الفيسبوك كثيرا ما يكتبون وينشرون منشورات تعبر عن حنينهم لزمن القهر والاذلال البعثي! وبعضهم يصرح بأفضلية حكم صدام, وانه كان يجب ان يستمر! حتى وصل الحال لبعض المحسوبين على المثقفين لإعلان حنينهم للزمن “الجميل”, مع اننا كنا شهود على زمن القبح والقهر فلا جمال يمكن ان نصفه لعالم يحكمه صدام بالحديد والنار.
سأذكر لكم حادثة حصلت معي مع شخص متيم بزمن صدام, فذات مرة دخلت في ناقش مع عجوز في الباص, كان يمتدح نظام صدام ويصفه بالقوي الشجاع, فوضعت عشرات الادلة على ضعف نظام صدام ورعونته وعمالته, وفشله في كل خطواته, رفض العجوز قبول كل الادلة وصرح من دون خوف: “انا لا اتنازل عن بعثيتي مهما تكلمت”.
الكثيرون يعيشون بيننا وهم اسارى تراكمات كبيرة وعقد عميقة, خلقها صدام ونظامه لفئات واسعة من الشعب.
· سوق المتعة
للفنان المرحوم محمود عبدالعزيز فلم بعنوان “سوق المتعة” تدور حول أحمد حبيب الذي يخرج من السجن شخصاً غريب الأطوار، يميل دائماً إلى ممارسة هواياته العجيبة بمتعة لا مثيل لها، مثل تنظيف دورات المياه، والحنين دوماً إلى رفقاء السجن، بل يسعى لتأجير رجل مهمته ان يقوم بأذلاله, فهو لا يستطيع العيش بكرامة بل يستهويه الاذلال, ويستمر الفيلم برحلة محمود عبد العزيز في البحث عن الشخص الذي ساهم بالدفع به للتحول للصورة الحيوانية.
نعم انها صورة غريبة للمواطن العربي تحت حكم الدكتاتوريات, وهي صورة شديدة الانطباق على كل عشاق زمن صدام, الذين يشعرون بالحنين لزمن القهر والخوف والذل, الذي كان يمارسه نظام صدام بحق الانسان العراقي, حيث كان ينظر صدام للعراقيين انهم مجرد عبيد لا قيمة لهم, فالدم العراقي لا يهمه بشيء!
· قرار رقم 109
يذكر كنعان مكية في كتابه جمهورية الخوف شيئا عن الرعب الصدامي, ففي 18-8-1994 اصدر الدكتاتور صدام حسين القرار رقم 109 والذي نصه: “استنادا الى الفقرة الاولى المادة 42 من الدستور العراقي أقر مجلس قيادة الثورة ما يلي: … الاشخاص الذين يكررون ارتكاب الجريمة التي قطعت بسببها اكفهم ستكوى جباههم بخطين متقاطعين على هيئة علامة ضرب, على ان يبلغ طول كل خط سنتمترا واحد وعرضه مليمترا واحدا”.
والقرار تم التوسع به لتشويه اجساد العراقيين, عبر بتر الاذن لكل من يتخلف عن الخدمة العسكرية, فنظام صدام يمتهن تشويه شعبه!
والجرائم التي بترت بسببها الاكف هي السرقة والهروب من الخدمة العسكرية, في اسلوب جديد ومخيف للعقوبات ظهر بعد حرب الكويت, لإرهاب المجتمع العراقي وتكريس الخوف, هذا احد مظاهر الزمن الجميل كما يسميه البعض, ويحنون له ويدعون الله كي يعود من قبره لترجع تلك الايام المليئة بالذل والخوف والرعب, فهم لا يعرفون العيش الا كما صنعهم صدام (اذلاء, وخائفين, ومسحوقين).
· قلع العيون
سأحدثكم عن قصص صدامية مرعبة, تتجاوز بشاعة الاجرام الداعشي, ولاحقا كشفت للبشرية جمعاء, جرائم ارتكبها نظام صدام بحق الطفولة, ففي عام 1989 اصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا عن مئات الاطفال الذين اقتلعت اعينهم, لإجبار ذويهم البالغين على الادلاء باعترافات!
الغريب ان يأتي انسان يدعي الثقافة ويترحم على زمن صدام, فهل قلع عيون الاطفال جريمة هينة, ام تعتبر منقبة وفضيلة عظيمة لصدام ستدخله الجنة من اوسع ابوابها بصفته قالع عيون اطفال العراق, والا يعتبر الراضي بأفعال صدام شريكا بالفعل على مستوى معين, وكانت قائمة العقوبات الصدامية للجسد العراقي في تكاثر ولا تتوقف عند حد, وعبر نشر الخوف مع زخات المطر ليصل كل بيت عراقي.
فهل حنين البعض يتوجه لهذه التصرفات الصدامية الوحشية؟ التي لا يقبل بها انسان سوي! ام انهم يحلمون بعودة الإجراءات البعثية القمعية من قبيل قلع عيون الاطفال لإجبار الناس على الاعتراف!
· عقد نفسية تدفهم للحنين
ختاما: لا تفسير لهذه الحالة من قبل ضحايا الجلاد الا باعتبارها العقد النفسية المستحكمة, والتي لا يوجد لها علاج, فهي مرتبطة بوجود ذلك الانسان, لذلك نجدهم اليوم يعبرون عن الحنين للذل, فسوط الجلاد يشعرهم بذاتهم المسحوقة.