23 ديسمبر، 2024 11:06 م

اسباب انهيار الدولة العراقية الحديثة – 1 / سياسة الولاءات لا الكفاءات

اسباب انهيار الدولة العراقية الحديثة – 1 / سياسة الولاءات لا الكفاءات

ليس هنالك خلاف على أن الدولة العراقية بدأت بالانهيار منذ نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي واستمرت هياكلها تتهاوى عاماً بعد عام ، ثم عاد بصيص من الضوء لدى حدوث التغيير عام 2003 كبارقة أمل لاستعادة عافيتها وبناءها بشكلٍ سليم ، إلا أن إنهيارها أخذ بالتسارع على نحوٍ مخيف سيما في السنوات الأربع الاخيرة .
هنالك أسباب كثيرة لهذا الانهيار من بين أهمها سبب غير ملموس وغير منظور للعيان لكنه مؤثر جداً ما إنفك ينخر في جسد مؤسسات الدولة وبُناها التحتية ، ألا وهو إتّباع سياسة  ( الولاءات لا الكفاءات) وهي النقيض لسياسة ( الرجل المناسب في المكان المناسب) التي تعمل دول العالم المتقدمة على اعتمادها ما دفع بها الى النجاح والرقي والتطور.
هذه السياسة ليست مجرد كلام يُقال بل منهج يُتَبع ويُراقب من أجل عدم الإخلال به والانحراف عن مساره ، له شروطه التي من بينها أن يكون الشخص ذو قدرات وإمكانيات ، ويمتلك ومؤهلات قيادة وحسن إصغاء وإستماع ومطاولة فضلاً عن حب التعّلُم وتطوير النفس ، وعدم إقحام الجوانب الشخصية في العمل ، وامتلاك صفة التواضع وعدم التمييز بين مرؤوسيه ، وغيرها من الصفات والخصال الايجابية.
إن عدم إتّباع هذه السياسة له عواقب وتداعيات كثيرة فهي تؤدي الى فقدان ذوي الكفاءات وتَسرّبهم نتيجة الاقصاء والابعاد والتهميش ، وعدم توظيف الطاقات والقدرات بشكلٍ سليم ، مع هدر وضياع الوقت والاموال وخفض الانتاج ورداءة نوعيته ، كما أنها تؤثر في بنية المجتمع أولاً وفي مؤسسات الدولة ثانياً  وبالنتيجة تُعّد بمثابة نخر آني واندثار مستمر ومن ثم تدمير مستقبلي للدولة ومؤسساتها.
في عموم العالم ، من يعمل على تطبيق سياسة (الرجل المناسب في المكان المناسب ) هي البلدان المستقرة التي تديرها حكومات وطنية تُخطط وتبني للوطن ومستقبله وليس لمصالح أقليات حاكمة أو أشخاص ، أما ( سياسة الولاءات لا الكفاءات ) فهي سياسة تتبعها الحكومات الطارئة في البلدان غير المستقرة وعلى الاغلب تلك التي تمتلك إثنيات وأقليات وديانات وطوائف متعددة – وخاصة البلدان التي تمر في مراحل إنتقالية – لم تستطع الحكومة والدولة ككل من احتواءها وتوظيفها لمصلحة وخدمة الوطن و الامة.
يجب أن لا نستغرب بأن الكثير من بلدان العالم تتهم قادتها ومسؤوليها ممن يعمل على عدم تطبيق سياسة الرجل المناسب في المكان المناسب بالتعمد في هدم الدولة وتعّد ذلك خيانة ما بعدها خيانة تُحاسب عليها بشدة.
في العراق ، وللأسف يُنظر لهذا المبدأ بعين السخرية ويسود بلا خلاف مبدأ الولاءات لا الكفاءات ، لان النتيجة المبتغاة منه هي آنية ، وقتية ، يُرجى منها أن تعود بالنفع الشخصي – المحسوبية – والمادي أيضاً  – مشاريع و أموال – على من يدير هذه السياسة ومن يُشمل فيها ، فضلاً عن أن المجيء بالغث والطالح وليس بالسمين والصالح الغرض منه هو ضمان الطاعة والولاء وعدم الاعتراض على الاخطاء والانحراف والسكوت عن الفساد إن لم يكن المشاركة فيه أصلاً ، ذلك أن النظرة لبناء بلد ضمن خطط استراتيجية طويلة الأمد غير موجودة في أذهان القادة والسياسيين ، لأنهم يرون أن وجودهم في السلطة والبلد هو مؤقت فلا يعنيهم مستقبله ، وخير دليل على ذلك تجميد العمل بمجلس الخدمة الاتحادي .
وعندما يخرج علينا قبل عدة ايام الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة ليصرح بأن ( تراجع العراق يعود الى تصدر الجهلة للمواقع القيادية في الدولة ) ، فان هذا الكلام لم يأت من شخص معارض أو بعيد عن مواقع صناعة القرار أو غير مُطّلِع على المواقع القيادية ومتبوئي مناصبها  ، فهو يعطي خلاصة ونتيجة لما آل اليه وضع البلد من تدهور وتخلف وتراجع بل وكما أسلفت في بداية الحديث الى إنهيار مستمر بلا توقف وكما يقال – من فمك أدينك – ، فهي إدانة للدولة والحكومة وسياساتهما.
هذه السياسة والمنهج هما واحد من أسباب إنهيار الدولة ومؤسساتها وليس الوحيد ، وسنتحدث عن الاسباب الاخرى في مقالات لاحقة .