بسم الله الرحم الرجيم
الحمد لله والصلاة على رسوله الامين واله الطيبين الطاهرين وبعد
ان الله تعالى قد جعل لكل شيء سببا للحصول والتحقق ,والاسباب التي تقف وراء حصول تلك الاشياء قد تتعلق احيانا بصفات الفرد عندما يكون لها دور حاسم في ذلك وقد تتعلق بصفات الجماعة الفاعلة وقد يكون المجموع من الصفات الفردية والجماعية فاعلا في تحقق الاثر ومن ذلك فشل الانسان في الوصول الى الهدف المنشود في الفعل الجماعي والفردي ولما كان تحديد مثل هذه الامور مرتبطا بالنصوص الغيبية عن فهم الانسان كان لزاما علينا ان نقف على كل ما له دخالة بهذا الاثر ويقع الحديث عن ذلك في عدة امور وهي مقدمة وثلاثة محاور:
المقدمة :التدخل الالهي في هزيمة الانسان :
يعتقد البعض ان هناك امورا لا يجدر البحث عنها وراء فعل الانسان واثاره الخارجية باعتبار انه المؤثر الاول والاخير في حصول الهدف منه عند تحقق الاسباب , وعدم حصول الهدف عند فقدانها, وربما يعترض البعض بشدة على مجرد محاولة الانسان البحث عن مثل هذه المسالة لانه من خلط الامور ببعضها كما يعتقد[1] …
ولكن الايات القرانية قد تكفلت ببيان اسباب حصول الانسان على النجاح , وهو ضد الفشل والهزيمة ؛فيكون فقدان الاسباب وراء النجاح هو السبب وراء الهزيمة ؛بسبب التضاد بين الامرين , وان كان هذا لا يعني عدم وجود اسباب اخرى ربما تكون وراء الهزيمة .
ومن المعلوم ان الله تعالى قد نسب النصر الى نفسه[2] في عدد من النصوص القرانية وربما يظن البعض ان الحصول على الاسباب المادية للنصر[3] يكفي في الحصول على حسم المعركة مع الغفلة عن بقية الجوانب الاخرى التي تلعب دورا كبيرا في الحسم .
وبناء على هذا فان الدور الالهي في القضية لن يكون دورا سلبيا ابدا وانما هو دور ايجابي ؛وذلك لان الله يريد لعباده النجاح ولذلك امرهم بكل المقتضيات التي تساعد على النجاح وذم اضدادها كالجبن وعدم الصبر ونحوها؛لان المطلوب من المؤمن ان يسطر النصر لا الهزيمة عند مواجهة الاعداء وهذا ما حصل في كثير من الحروب التي خاضها المسلمون بالرغم من عدم وجود توازن عسكري على نحو متكافيء بين الطرفين ففي الوقت الذي كان المسلمون هم القلة كان النصر لهم لانهم ينطلقون من عقيدة لا من عداء من اجل المصالح الدنيوية .
اذن فالدور الالهي في الهزيمة هو امره بالابتعاد عن اسبابها وهو دور نافع للانسان لان النصر تجلب العزة والسؤدد للانسان فيما تجلب الهزيمة له العار والذلة وربما القتل .
والتاريخ الاسلامي كما تحدث عن انتصارات سطرها المسلمون رغم قلة عددهم كذلك سطر هزائم مخجلة رغم كثرة عددهم وهو يكشف عن تداخل غريب بين اسباب النصر والهزيمة بطريقة تحتاج الى فك الارتباط بين الامرين لوجود حالات مشتركة بالرغم من اختلاف التتيجة .
اسباب الهزيمة :
ان التاريخ تحدث عن معارك متشابهة من حيث العدة والعدد بطريقة مختلفة ففي الوقت الذي كان نصيب هذا الطرف هو النصر كان نصيبه هو الهزيمة في معركة اخرى وهذا يعني ان الاستعداد العددي والعدتي هو واحد من شرائط التكافؤ العسكري وليس هو الجالب لنتيجة المعركة بمعزل عن بقية الاسباب الاخرى ومن هنا ينبغي ان نبين الامور التي تؤثر في هزيمة الانسان حتى مع وجود العدة والعدد بما يلي :
1- الجانب المعنوي في شخصية المقاتل:
يحرص القائد العسكري عند خوض المعركة على عدم وجود رهبة من الاعداء في نفوس مقاتليه وجنوده في اثناء المعركة ؛ ولذا كانت المعلومة المدسوسة مؤثرة في نفوس المقاتلين قبل واثناء المعركة وربما حسمت المعركة واشد ما يؤثر في نفس المقاتل هو مقتل قائده او فراره وحتى اصابته اصابة تخرجه من المعركة .
وعند صناعة المقاتلين لابد من الحرص على الجانب العقائدي للجندي ؛لانه يمثل حافزا على التضحية في ارض المعركة فان الانهزام النفسي عند مواجهة الاعداء يمنع الانسان من الصمود والصبر على صعوبة الاحداث .
كما ان الحنكة العسكرية التي يجب ان يمتلكها القائد يجب ان تكون حاضرة عند الحاجة فان المقاتل بالرغم من كونه وقود المعركة الحقيقي الا انه يكاد لا يتجاوز دور الاداة بيد القائد ويصبح الجندي لانفع من وجوده اذا غابت الكياسة والخبرة الميدانية عند من يملك سلطة القرار في المعركة وهذا الامر ان لم يكن له دور في حسم المعركة فدوره قد يكون واضحا في تخفيف حجم الخسارة ومن ثم الحفاظ على بقية الجيش من الانكسار النفسي واعادة تاهيله للقيام بدوره في المرحلة اللاحقة .
ومن هنا كان فقدان الجانب المعنوي الخاص بالمقاتل من اهم اسباب الانكسار والتخاذل في المعركة وقد يتمثل هذا الجانب المعنوي في عدم الرسوخ النفسي والاستعداد للتضحية كما حصل ذلك في التاريخ الاسلامي كما في قوله تعالى (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ )[4] وكانت الاسباب وراء هذه الهزيمة وغيرها تتمثل في عدة امور :
الاول : عدم الاستعداد النفسي للتضحية والرغبة في البقاء التي لم تفارق نفوس المقاتلين الذين خاضوا تلك المعركة في حداثة ارتباطهم بالاسلام لعب دورا في هشاشة مقاومتهم للاعداء .
الثاني : عدم الاستقرار للمثل الاسلامية في التضحية من اجل العقيدة في نفس هؤلاء المقاتلين واختلاط القيم الدنيوية بالقيم الاخروية في نفوسهم ولذلك تم تقديم الاهداف الدنيوية على الاهداف والمثل العليا في التضحية وافداء من اجل الدين .
الثالث : عدم وعي المقاتلين لاهمية الطاعة في ساحة الحرب للقائد الذي تمثل في النبي الاكرم(ص) ولذلك كانت النتيجة الماساوية عندما نسوا وظيفتهم ازاء اوامر النبي الخاتم واجتهدوا في حسم امر تواجدهم على الموقع الذي امروا بعدم مغادرته حتى في حالة الهزيمة فضلا عن النصر ولكن القوم لم يكونوا على وعي كامل بجدوى مثل هذه التوصيات فانبروا ليعملوا عقولهم مخافة الفوت لان الغنائم في عرف هؤلاء كانت تعطى لمن يحوز لا لمن يشارك كما هو القانون الذي قسمت بموجبه غنائم معركة بدر .
الرابع :عدم الاستفادة من التجربة السابقة في معركة بدر والتي اثبتت للجميع ان الكثرة لا تشكل بديلا عن توفر اسباب حسم المعركة وقد كان المسلمون في معركة بدر ليسوا كفؤا للمشركين الا ان النصر كان لهم في نهاية المعركة ولم يكن الحدث بعيدا عن الاذهان ومع ذلك اصاب القوم ما اصاب المشركين عندما كانوا ينادون بانها حرب لا خسارة فيها .
الخامس : عدم الصبر على الويلات التي تجابه الانسان اثناء مقاتلته للاعداء مع ان المسلمين كانوا قلة في مكة وصبروا امام ويلات التعذيب وحصلوا على مرادهم ولم يكن احد يفكر في الخلاص كما صنع البعض في معركة احد حيث هرب عدد غير قليل الى الجبال من اجل النجاة من القتل والبعض ارسل لبعض المشركين ليفاوضه من اجل ذلك هذا مجمل الاسباب التي تقف وراء الهزيمة.
الخلاصة :
ان الهزيمة كالنصر اثر من اثار الحرب والانسان المسلم تابع في معرفة اسباب احد الاثرين لما ورد في دعوة النبي (ص)من الالتزام ببعض الامور التي تسبب الانتصار والظفر ومن هنا قد يكون عدم تلك الاسباب وراء الهزيمة وربما يجتمع البعض من اسباب النصر مع الهزيمة لان القضية لا تدور مدار الملازمة وانما مدار المقتضيات وهي ان وجدت قد يوجد الشيء المعلول اذا تمت بقية اجزاء العلة ولا يعني وجودها عدم الهزيمة كالنار تحرق الورق اذا لم يكن هناك مانع من الاحراق واما اذا كان هناك مانع فلا احراق كذلك النصر قد يغيب عن المقاتلين بالرغم من عدتهم وعددهم وهذا ما اثبته التاريخ في عدة معارك ومن اشهرها معركة بدر كما ان منها ما سطره المسلمون من صمود في وجه التعذيب والتهديد وخرجوا بعد سنين منتصرين وعادوا للمكان الذي اخرجوا منه منتصرين لا يخافون كما وعدهم الله تعالى .
[1] – قد يصنف من هؤلاء بعض كتاب الفكر الماركسي الذين حاولوا ان يفسروا لنا الهزيمة الواقعة بطريقة مادية صرفة من امثال الدكتور صادق جلال العظم في كتابه النقد الذاتي بعد الهزيمة والذي ذهب فيه بقوة الى جعل نكبة حزيران مسببة عن الفكر الديني الذي تعيش الامة العربية والاسلامية تحت سطوته وتاثيره والذي اوصل – بحسب رايه – الى هذه النتيجة الماساوية وقد عقبه بكتاب اخر باسم نقد الفكر الديني ورد عليه عدد من العلماء بما جعل الحزب الشيوعي يتبرا منه ويفصله من صفوفه .
[2] – كما في قوله تعالى ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ) او قوله ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) او قوله تعالى (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ) وقوله تعالى (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)وغيرها من الايات.
[3] 0 تجدر الاشارة الى ان النصر في المصطلح القراني لايقصد منه المعنى العسكري وهو حسم المعركة لصالح احد الطرفين ولذلك لايعد المنتصر بحسب هذا المصطلح هو المنتصر عسكريا بل المنتصر قرانيا أي الموافق للشرع في هدفه حتى وان كانت نتيجة المعركة ان يقضى عليه جسديا …
[4] – سورة التوبة الاية (25)