23 ديسمبر، 2024 5:28 م

اسباب ازدواجية التعامل مع القانون في العراق ؟

اسباب ازدواجية التعامل مع القانون في العراق ؟

من الامور البديهية في معظم دول العالم المتحضرة احترام القانون المشرع من قبل سلطة تشريعية منتخبة والمعبرة عن ارادة شعوبها بأعتبار القانون هو الناظم الرئيسي لمجمل نواحي الحياة ، ان لم يكن الناظم الوحيد للعلاقات الاجتماعية سواءً بين الافراد انفسهم ، أو علاقة الفرد بالمجتمع والدولة ، بل وحتى بين المجتمعات البشرية المختلفة والمنتشرة على بقاع الارض ، ويمكن القول بأن احترام القانون هو المعيار الكاشف عن مدى عدالة التشريع والتطبيق للقانون والتي هي غاية وجوده . قد يستغرب البعض عند  قراءته لعبارة ( عدالة التشريع ) لأن الشائع لمعيار العدالة هو عند التطبيق والتنفيذ وليس عند التشريع ، والحقيقة ان عدالة التشريع لا تقل اهمية عن عدالة التطبيق والتنفيذ ، ذلك لأن هندسة القانون توضع من قبل المشرع وما على السلطة التنفيذية الا ترجمتها لبناء قائم ، ومن الجدير بالذكر ان لكل قانون صادر من جهة تشريعية ودستورية رسالة نبيلة – يجب ايصالها الى الهدف المنشود بحيادية وامانة دون النظر الى لون او جنس المستفيد من القانون او المتضرر منه . هذا هو المبدأ القانوني والانساني والاخلاقي الذي لابد من الالتزام به لنحافظ على عمومية القانون ، لكن الذي يجري في العراق ، ومع كل الاسف هو العكس من كل هذه المبادئ ، سواء كان في مرحلة التشريع او في مرحلة التطبيق والتنفيذ ، وحيث ان السلطة التشريعية تتمثل بالبرلمان الذي يعد من الانظمة الديمقراطية من الناحية الشكلية والدستورية ، الا ان الذي يجري تحت قبة هذا البرلمان من الصفقات السياسية ، والاتفاقات السرية ، بين الكتل النيابية لا يبشر بخير ولا يوحي بتشريع حتى لو قانون واحد ذات اهداف عمومية يخدم ابناء الشعب العراقي بكل اطيافه بشكل عادل ، اي ان القانون المشرع من البرلمان العراقي ذات اهداف سياسية اولا لخدمة فئة معينة دون اخرى ، وبذلك يفقد الصفة العمومية ووحدة الخطاب ضمن الشريحة الاجتماعية الواحدة ، والذي يحز في النفوس ، ان النائب العراقي يتحرك في البرلمان وفق ما تميله اليه مصلحة كيانه او حزبه حتى لو كان طرحه يناقض مبادئه المهنية والمسلكية ، سيما اذا كان من رجال الفكر والقانون ، متناسيا اهداف مهنته الانسانية ، لان رجل القانون كالطبيب الذي يعالج مرضاه دون النظر الى عرقه او جنسه ، لذلك على النائب العراقي وخاصة رجال القانون ان يكون مرجعا استشاريا صادقا لكيانه دون ان يصبح اداة لتحقيق مصالحه الضيقة على حساب المجموع ، وكان من الاجدر تعديل النظام الداخلي للبرلمان ، والزام الكتل السياسية والنواب اتخاذ مستشارين حقوقيين لأسعافهم عند مناقشة القانون المعد للتشريع ، او تشكيل لجان قانونية من خارج تشكيلة البرلمان من رجال القانون وبالاخص المحاميين والقضاة المتقاعدين للأستفادة من كفائتهم وخبراتهم القيمة ، ليكون القانون المشرع مبني على اسس سليمة من حيث صياغته القانونية واللغوية وبعيدا عن التعامل بأزدواجية مع القانون سواء في التشريع او التنفيذ ، هذه الازدواجية التي نلمسها بشكل واضح من خلال تنفيذ قانون هيئة دعاوي الملكية المرقم 13 لسنة 2010 ، حيث من الاسباب التي اوجبت تشريع هذا القانون هو ضمان حقوق المواطنين الذين انتزعت عقاراتهم خلافا للقانون ، وبموجب هذا القانون تم النظر في الدعاوي المقامة لدى فروع هيئة دعاوي الملكية وبالرغم من الملاحظات السلبية المسجلة على القانون ، تم حسم الدعاوي بالحكم لتعويض المستحقين منهم وفق احكام القانون ، وقد حدد القانون تاريخ 30/6/2011 اخر موعد لأستلام الطلبات وبعد هذا التاريخ تحال كافة الطلبات الى المحاكم المدنية للنظر فيها وفق احكام هذا القانون المشار اليه اعلاه ، هذا ما نصت به المادة ( 22 ) من القانون ( قانون هيئة دعاوي الملكية ) . والغريب في الامر ان محاكم البداءة بدأت تقضي برد الدعاوي المقامة لديها ، مستندة على حجج ومبررات تتناقض مع الاسباب التي استندت اليها اللجان القضائية لهيئة دعاوي الملكية عند حكمها بالتعويض ، وبذلك اصبحنا امام ازدواجية التعامل مع هذا القانون بشكل محير ويثير الاستغراب ، جهة قضائية وان كانت تسمى هيئة الا انها تتمتع بكافة مقومات القضاء تحكم بالتعويض او اعادة العقارات الى اصحابها وجهة قضائية اخرى تقضي برد الدعاوي ، فلم هذه الازدواجية هل انها بسبب خلاف في المفاهيم ام اختلاف في التفسير ، مهما كانت الاسباب فالمتضرر هو المواطن البرئ الذي لاحول له ولا قوة سوى النظر الى القانون ؟