( وخشية الانوناكي تطيل ايامك على هذه الارض)….أسطورة سومرية.
(ما رجائي إنّما الهاوية بيتي وفي الظلام مُهدت مضجعي قلت للفساد انت ابي وللديدان انتِ امّي واختي. اذن اين رجائي. رجائي من يراه. إنّه يهبط الى ابواب ألهاوية)…. العهد القديم: أيوب، الاصحاح 10: 19-22.
(عندما تحين النهاية فإن من اتبع البهتان سوف يُرَدُّ إلى أسوأ مقام، ومن اتبع الحق فسوف يُرَدُّ إلى أسمى مقام)…… زرداشت-نشيد الغاثا.
(من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية)…..السيد المسيح.
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)….. سورة الجاثية – الآية – 24
الانسان يخاف من المجهول اكثر من خوفه من العدم. فقد تساءل الانسان منذ القدم بعد ان اكتسب الوعي نتيجة تطوّر دماغه، ما المصير بعد الموت؟ اين سنذهب بعد الموت؟ ماذا سيحدث بعد الموت؟
عقائد ما بعد الموت مرت بمراحل تطوّرية عديدة بعد اكتساب الانسان الوعي، الاجابات جاءت مختلفة باختلاف العصور التي مرّ بها الانسان عبر تاريخ الحضارة الانسانية.
في سلسلة مقالات ( أساطير ألأولين ) سنحاول القاء الضوء على مختلف عقائد ألإنسانية المتعلقة بما بعد الموت عبر رحلة تبدأ باساطير الحضارة السومرية والبابلية والآشورية وألزرداشتية ومعتقدات الاديان الابراهيمية ( اليهودية والمسيحية والاسلام).
4- المسيحية:
في مسيرة المسيحية الاولى في القرون الثلاث بعد الميلاد، حيث ارتبطت بكونها فرقة يهودية جديدة، تخبّط الفكر اللاهوتي قبل ان يتوصل لقرار حاسم في البعث وخلود الروح وشمولية الثواب والعقاب، فكانت فكرة خلود الروح تقتصر على المؤمنين الذين اتّحدوا بالمسيح فأعطيت لهم به الحياة، شأنها في ذلك شأن ديانات الاسرار التي كانت شائعة في الامبراطورية الرومانية في تلك الآونة كالاورفية وغيرها، حيث كان الالتصاق بمخلّص هو (ديونيسيوس أوغيره) شرط للخلاص وللحياة الجديدة.
في الاحتفالات الدينية الربيعية بديونيسيوس، كان يجري تمثيل عذابات الاله الميّت في لحظاته الاخيرة بدقائقها مصحوبا بالاناشيد الحزينة والموسيقى. ثمّ يؤتى بثور يمثل الاله القتيل الذي التهمه التيتان ( اسم آلهة) وهو على هذه الصورة فيمزقونه ويلتهمون لحمه ويشربون دمه على اصوات الموسيقى المجنونة، معبرين بذلك رمزيا عن رغبتهم في الاتحاد بالاله القتيل بواسطة اكل جسده وشرب دمه، تماما كما علّمنا المسيح فيما بعد،
نقرأ في العهد الجديد، من الاصحاح 36:
( وفيما هم يأكلون اخذ المسيح الخبز وبارك وكسر واعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذاهو جسدي. واخذ الكأس وشكر واعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم. لأنّ هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من اجل الكثيرين لمغفرة الخطايا).
وبعد تناول القربان كانت الطقوس تستمر فيجري تمثيل ولادة ديونيسيوس الثانية وبعثه من بين الاموات.
ولم تكن (جيهينا) أي الجحيم المسيحي في بداية عهدها سوى اداة تدمير اكثر منها مكان تعذيب سرمدي.
تحدثنا اسطورة مسيحية مبكرة عن نزول المسيح للعالم الاسفل وتخليصه عددا كبيرا من الانبياء والقديسين واصطحابهم معه الى السماء. دعيت هذه الاسطورة بانجيل (نيكوديس) وجرى تداولها كحكاية شعبية فترة طويلة من الزمن. تبدأ القصة في منتصف الليل في العالم الاسفل حيث بزغ من غياهب الظلمة شيء اشبه ما يكون بنور الشمس فأبتهج الجميع وخصوصا ابراهيم الذي قال: انّ هذا الشعاع يصدر عن ضوء عظيم.
امّا اشعيا ويوحنا فقد عادا يرددان نبوؤاتهما، يعقب ذلك حديث بين الموت والشيطان فيقوم الاخير بتحذير الموت من المسيح ودعواه الباطلة مستغلا خوف الموت من فقدان جميع الموتى في عالمه بعد ان افقده المسيح لعازر الذي احياه بعد وفاته.
في نهاية الاسطورة يمسك المسيح الشيطان ويسلمه للملائكة قائلا لهم ان يطبقوا فمه ويقيدوا يديه وقدميه، وعندما ينتهون من ذلك يسلمه للموت قائلا له: ( احتفظ به الى حين قدومي الثاني) وبينما يأخذ الموت في صب سخريته وازدرائه على الشيطان، يقوم المسيح بتحرير آدم والانبياء والقديسين ويرفعهم معه الى السماء حيث جنات عدن. وقبل الصعود يعرج بعضهم الى نهر الاردن فيتعمد بمائه.
في انجيل يوحنا. 3:6-17 نقرأ: (لانّه هكذا احبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية، لانّه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلّص به العالم).
المسيحية تمثّل عن حق مرحلة انتصار الحياة على الموت في الدين والاسطورة، فما حصل لاله الخصب ديونيسيوس مرة سيحصل لكل عباده المخلصين ممن سيدخلون في ديانته ويلتحقون به من دون بقية الالهة. قال السيد المسيح ( من آمن بي وإن مات فسيحيا).
لقد بلغ الانتصار على الموت قمته في المسيحية التي اعطت للانسان بعثا كاملا غير منقوص، حيث يعود الجسد سيرته الاولى بكل تفاصيله وأجزائه.
الواقع أنّ الذي اعطى المسيحية الطابع الجديد المنفصل عن اليهودية والقريب من الديانات الشرقية السرية، كان القديس بولص الذي كان كلّما تعمق بالتفكير وكلما ازداد بالتبشير والاحتكاك بجماهير الناس في الامبراطورية الرومانية، كلما اتجه في تفسيراته نحو افكار الديانات الشرقية البعلية والمتعلقة بالخلاص والفداء والدرام الالهي.
التقت المسيحية ايضا في كثير من طقوسها بطقوس الديانات البعلية السابقة عليها كطقس المعمودية بالماء الشائع لدى معظم ديانات الاسرار والذي كان يقصد الى تجديد الفرد وغسل ماضيه لادخاله في النحلة الجديدة، وطقس القربان المقدّس الذي يقصد الى الاتحاد بالاله عن طريق اكل جسده وشرب دمه رمزيا المشابهة لطقوس الديانة الديونوسيسية.
يقول المسيح ( انا هو خبز الحياة). ( من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة ابدية).
المصادر:
مغامرة العقل الأولى…… فراس السوّاح
ميلاد ألشيطان…… فراس السوّاح