لا احد يستطيع ان يجزم ببداية النهاية للفساد في البلاد التي بدأت او نقطة شروعها ملاحقة بعض المحافظين الذين اصبح منهم من هو طريد العدالة او قابعا في السجن او هرب الى الخارج خشية من الفضائح الاعمق والاكثر شمولا لكبار المسؤولين في الدولة والاحزاب.
القضية التي اخذت حيزاً واكثر انتشاراً في وسائل الاعلام هي هروب او تهريب محافظ البصرة الدكتور ماجد النصراوي بعد مثوله امام هيأة النزاهة واتساع التحقيق ليطول احد ابنائه وموظفين في مكتبه.
الواقع ان المحافظ كان اكثر نباهة وتقديرا الى المآل الذي سيؤل اليه وضعه وقراءته للوثائق والاتهامات واستغل تهاون او تماهل هيأة النزاهة ومجاملتها له، فتغدى بها قبل ان تتعشى به ان انطبق المثل على الحالة التي نحن فيها، وهو يعرف ان الحكومة عاجزة عن جلبه او انها ليس راغبة بذلك.
وبرغم القضية الكبيرة تتصارع كتلتا الحكمة والمجلس الاعلى على خلافته بالمنصب ولا تخشى من العار الذي الحقه النصراوي بهما سواء كان منتمياً ام منحازاً لاي منهما.. هذا الكرسي الملوث والمدنس بالجريمة لا يشرف احداً الجلوس عليه، ولكن على ما يبدو استغفال البصراويين وممكن لدغهم من ذات الحجر مرات ومرات يدفع الى الاغراء والغواية للحصول على المنصب الذي يدر ذهباً ومهما كانت النقمة من الناس على متبوئة يمكن مسحها في من تستنفد الاغراض من تنصيبه ولاسيما ان الفساد صار منظومة في البلد والجميع متورط به، ولا يشكل عيباً بين النخب الحاكمة، ولاسيما ان الشعب لا يزال مستكينا لما هو فيه، بل ان جزءاً كبيراً منه قد تلوث باخلاق حاكميه.
هذه الصحوة المفاجئة لا يجوز ان تتوقف عند حد معين، مصلحة البلاد تقتضي ان تتواصل برغم الشكوك في جدية الحملة على الفساد والاصلاح، لانه ما تزال الامور تجري على اساس المحاصصة والطائفية السياسية، وهذه مبادئ لا ترسي الحملة على اسس صلبة، وهي معرضة في اي لحظة الى الانتكاس او ان تتوقف حتى من دون تقديم اي تبرير.
ما يدعو الى التخوف من ذلك ان قضية بهذا الحجم والاستهتار بالقانون وعدم احترام المؤسسات صمتت عنها الحكومة الاتحادية لحد الان، هذا الهروب الذي جرى جهاراً نهاراً لو تم في بلد آخر لاطاح برهط من المسؤولين الذين استغفلوا او تواطأوا..
طبعاً في ظل غياب الحكومة او ضعفها والفوضى التي تضرب اطنابها في كل مكان، وانزياح سلطة القانون الى سلطة الاحزاب والمجاميع المسلحة والفاسدين لا نستغرب ان يفلت المجرمون بافعالهم ويتحدون الحكومة والمجتمع علنا، ما دامت الرقابة في اسوأ حالتها والقضاء ضعيفا وبطيئاً ولا يؤدي واجبه بالشكل الاكمل.
الواقع ان التجربة السياسية وبناء الدولة بحاجة الى مراجعة سريعة وجادة وانتشال البلاد من الهوة السحيقة التي القيت فيها، قبل ان تتفتت وتصبح في خبر كان.
الاخطاء الجسيمة واضحة وفشل قوى الاسلام السياسي في بناء البلد على الصعيد المحلي والاتحادي.
على شعبنا الذي اتضح له بشكل جلي لا يقبل التأويل والتفسير بغير الحقائق ان يصحوا من الاوهام التي زرعت في ذهنه ويذهب نحو مصالحه ولا يلتفت الى هؤلاء الذين عمقوا تخلفه، ويصر على ان تعمق الحملة على الفساد لتطول مستوى اعلى من المسؤولين ووضعهم جميعاً تحت المجهر ومساءلتهم عما يملكون وعن ثرواتهم التي تضخمت.