18 ديسمبر، 2024 9:06 م

ازمة مياه عراقية جديدة

ازمة مياه عراقية جديدة

تحدث وزير الموارد المائية العراقي، حسن الجنابي، عن مخزون المياه في العراق، من خلال مخططات نشرها على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك – وكتب الجنابي بمناسبة الشح المائي، أرجو النظر إلى متراكم إيراداتنا المائية خلال الفترة من (من تشرين الثاني 2016 ولغاية تشرين الأول 2017 وأضاف وزير الموارد المائية العراقي، أن “من الواضح أن الإيرادات قليلة مقارنة بغالبية
يذكر أن العراق يعاني من جفاف شديد خلال الأعوام الماضية في جميع محافظات البلاد، بسبب قلة سقوط الأمطار وسوء استعمال المياه في السقي وانخفاض مناسيب المياه لنهري دجلة والفرات، فضلاً عن الإهمال الحكومي الواضح في إيجاد البديل المناسب -، فيما يؤكد مختصون أن سوء إدارة الموارد المائية في البلاد لا تقل خطرا عن تحركات دول الجوار للسيطرة على الموارد المائية من أجل الهيمنة في المنطقة –
وقبل ايام طالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، الحكومة والجهات المعنية بوضع معالجات سريعة لمشكلة شحة المياه في المحافظات الجنوبية .وقال المتحدث الرسمي باسم المفوضية علي البياتي في بيان :إنه بناءً على المناشدات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني حول شحة مياه في محافظة ميسان والمحافظات الجنوبية الأخرى تدعو المفوضية الحكومة والجهات المعنية الى اتخاذ إجراءات عاجلة وإيجاد الحلول اللازمة لمعالجة مشكلة انخفاض مناسيب مياه نهري دجلة والفرات.ودعا الى إجراء مباحثات مع كل مع تركيا وايران لإبرام اتفاقيات جديدة معهما من أجل زيادة اطلاقات المياه وضمان حصة العراق المائية وعدم التجاوز عليها مستقبلاً .
ويذكر انه خلال حضوره جلسة مجلس النواب لمناقشة ازمة المياه في العراق في منتصف تموز الماضي اكد وزير الموارد المائية على ان ازمة المياه في العراق قديمة الامر الذي ساهم بانشاء السدود والمشاريع الاروائية الكبيرة في مختلف المدن قبل الدول المجاورة موضحا ان عدم التنسيق مع الدول المجاورة التي انشأت مشاريع مائية ضخمة وعدم وجود اتفاقيات مع هذه الدول وزيادة الطلب على المياه سيؤدي الى زيادة شحة المياه.
واوضح الجنابي بان الوزارة تمكنت من وضع خطوات جدية ملموسة لمعالجة ازمة المياه من خلال فتح باب النقاش مع تركيا والاتفاق على تفعيل مذكرة تفاهم مع انقرة تم توقيعها قبل سنوات، منوها الى ان القضية الأعقد في ملف المياه تتمثل بسد اليسو الواقع على نهر دجلة من اجل بسط سيطرة تركيا اكثر على هذا النهر بعد ان سيطرت على حوض الفرات مبينا ان الايرادات المائية انخفضت بنسبة 30% وفي حال استكملت المشاريع من قبل دول الجوار فان العراق سيفقد 40 – 45 % من الايرادات المائية فضلا عن ان 80% من المياه التي يتم ادارتها تخصص الى القطاع الزراعي الذي يعتمد على دعم الدولة بينما30% منتوج محلي والباقي مستورد.
وبين السيد وزير الموارد المائية بان الحلول الخاصة بازمة المياه تتركز على ايجاد خطة واطار زمني وموارد مالية، لافتا الى ان الوزارة وضعت خطة لغاية 2035 تحتاج الى 148 مليار دولارمع الاستمرار باعمال الصيانة وتنفيذ المشاريع ذات الجدوى، داعيا الى تعزيز التعاون بين جميع الاطراف في العراق لتسوية المشاكل المائية.
وفي اجابته على مداخلات عدد من السادة النواب، نوه السيد وزير الموارد المائية الى كميات مياه الجداول في بابل والحلول المقترحة لمعالجة مشكلة المياه ومنها حفر القنوات ومواصلة تبطين جداول المياه وانشاء محطة ضخ لتصريف المياه، مشيرا الى عدم قدرة الوزارة لمعالجة المشاكل وتنفيذ المشاريع لوجود عوائق ابرزها شحة التخصيصات والنزاعات المحلية، مبينا انشاء 5 الاف محطة اسالة الماء دون التنسيق مع وزارة الموارد المائية، واعدا بايجاد حل بالاتفاق مع الجهات المعنية .
ويرى مراقبون أن سوء الإدارة العراقية للمياه ساهم بشكل كبير في أزمة الجفاف، ويظهر ذلك جليا في سلوك المحافظات، حيث وصل بها الحال إلى تبادل الدعاوى القضائية –حيث تـستمر تداعيات أزمة المياه الحادة التي تضرب العراق، ووصلت حد عزم محافظة ميسان رفع دعوى قضائية على محافظتي واسط وذي قار- وفي هذا الشأن قال عضو مجلس محافظة النجف، خالد الجشعمي، في تصريحات صحفية، إن “موضوع شحة المياه يمكن السيطرة عليه من قبل وزارة الموارد المائية”، مؤكدا أن “هناك بعض التدخلات من قبل الحكومات المحلية في بعض المحافظات ولكنها لا تؤثر لأن المشكلة الحقيقية التي يعيشها البلد هي تناقص المنسوب الخزني للمياه – كما يؤكد النائب عن محافظة ذي قار، عزيز العكيلي، عدم “وجود تنسيق بين وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية”، وهو ما يكشف عن سوء إداري للموارد المائية. وبين أن “وزارة الزراعة أعدت خطة لمعالجة نقص مياه الري للأراضي الزراعية تشمل 4 مليون دونم بينما قدمت وزارة الموارد المائية خطة لا تتجاوز 2 مليون دونم”
ولا تكتفي أصابع الاتهام بالتوجه نحو الداخل، فالدول الإقليمية المجاورة التي تتشارك مع العراق في الموارد المائية، أثرت بوضوح في إحداث أزمة الجفاف الحاد التي تعاني منها البلاد- ولعل ما أقدمت عليه تركيا بإقامة منشآت مائية على نهري دجلة والفرات أدى إلى انخفاض كبير بكمية المياه في النهرين، بحسب متخصصين. وتسعى تركيا إلى فرض وجهة نظرها من خلال السياسة المائية، التي تقوم على مبدأ الاستخدام والإدارة التكاملية للموارد المائية، ورفض مبدأ تقاسم الموارد المائية المتاحة – ويرى مراقبون أن ضرر تركيا على العراق أكبر من ضرر إيران وسوريا؛ فتركيا باشرت بالعمل في مشروع “غاب” الذي يضم 22 سدا و19 محطة للطاقة الكهربائية ومشروعات أخرى متنوعة في قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والري والاتصالات – و”غاب” من حيث المساحة هو أضخم مشروع في العالم، ويشمل ثماني محافظات تركية، وعند إتمامه تقارب مساحة الزراعة المروية من خلاله 8.5 ملايين هكتار أي نحو 19% من مساحة الأراضي المروية في تركيا، ومن أهم سدود هذا المشروع سد أتاتورك، الذي دشن في تموز 1992 ويقع على نهر الفرات حيث تشعر تركيا أن ما ستمتلكه من مياه سيوفر لها ثروة وطنية تعادل ما تمتلكه دول المنطقة من النفط، وهذا ما جاء على لسان رئيس تركيا الأسبق، سليمان ديميرل، في حفل افتتاح سد أتاتورك، إذ قال إن “مياه الفرات ودجلة تركية، ومصادر هذه المياه هي موارد تركية، كما أن آبار النفط تعود ملكيتها إلى العراق وسوريا، ونحن لا نقول لسوريا والعراق إننا نشاركهما مواردهما النفطية، ولا يحق لهما القول إنهما تشاركانا مواردنا المائية، إنها مسألة سيادة !!!!! ويكرر الاستراتيجيون والمحللون السياسيون مقولة صارت تثير فزع الناس في كل مكان، تنص على أن الحروب القادمة وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط ستكون حروب مياه، فالذي يسيطر على مصادر المياه ومنابعها ويحتجزها هو الذي يفرض إرادته السياسية والاقتصادية على الإقليم ودوله أو على المنطقة بأكملها، وستصبح الصراعات الأيديولوجية في الموقع الثاني أو الثانوي – وبحسب توقعات بعض المحللين، فإن قيام تركيا ومن دون مراعاة مصالح جيرانها بإنشاء مشروع إحياء منطقة جنوب شرق الأناضول “غاب”، سيكون أحد أهم أسباب النزاعات المستقبلية في المنطقة
أزمة المياه في العراق ليست بالجديدة، فالتجاذبات والتقاطعات والخلافات بين العراق والدول المجاورة تعود إلى فترات زمنية طويلة شهدت خلالها إبرام اتفاقيات وبروتوكولات عديدة تمّ تنفيذ بعضها في حين بقي البعض الآخر حبراً على ورق لأسباب سياسية وأمنية كانت غالباً ما تلقي بظلالها على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الاطراف المعنية- وكان من الواضح ان هذا العام والعام الماضي شهدا الكثير من التشنجات والاحتقانات بين العراق وجيرانه بسبب المياه، لتضاف أزمة أخرى الى الأزمات المزمنة التي يحفل بها المشهد العراقي داخلياً وخارجياً
ويرى متخصصون في شؤون المياه والقانون الدولي وسياسيون أن السياسات المائية لدول الجوار العراقي التي تتشارك مع العراق في الأنهار، تتميز بقدر غير قليل من الاستغلال وفرض الأمر الواقع وعدم مراعاة ظروف العراق واحتياجاته من المياه سواء لأغراض الزراعة أو أغراض الاستهلاك الاخرى-علما ان الحصة المائية الداخلة الى العراق من جهة سوريا اقل من (200 م3/ ثانيه) في حين ان الاتفاق بحسب تصريحات المسؤولين العراقيين هو (500م3/ ثانيه) بنسبة 58 بالمائة وحصة سورية 42 بالمائة على اعتبار ان مساحة العراق وأراضيه الزراعية أكبر

وبما أن مجمل الدراسات والأبحاث تذهب إلى أن الازمة الحقيقية التي سوف تواجهها شعوب المنطقة خلال العقود القليلة المقبلة هي أزمة المياه، فإنه من الطبيعي جداً أن يكون العراق أحد أبرز الاطراف المتأثرة بالأزمة، لاعتبار أن فيه نهرين هما دجلة والفرات يعدان من الأنهار الدولية، حيث إن منابعهما تقع خارج أراضيه، ويمتدان لمسافات غير قليلة في الاراضي التركية (نهر دجلة ينبع من تركيا ويدخل العراق مباشرة) والاراضي السورية – الا أنه بالرغم من الاتفاقيات الثلاثية والثنائية التي عقدت بين العراق وسوريا وتركيا منذ عام 1920 لتقسيم المياه في ما بينها، والتي كان آخرها عام 2008 بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان خلال زيارته للعراق، وبالرغم من معاهدة الصلح بين تركيا والحلفاء التي عقدت في لوزان عام 1923، وهي اتفاقية متعددة الاطراف تضمنت نصاً خاصاً يتعلق بمياه نهري دجلة والفرات، حيث جاء في المادة 109 من هذه الاتفاقية أنه لا يسمح لأية دولة من هذه الدول الثلاث بإقامة سد أو خزان أو تحويل مجرى نهر من دون أن تعقد جلسة مشتركة مع الدول الأخرى وتستشيرها لضمان عدم إلحاق الأذى بها. إلا أن الجانب التركي واصل نقضه لجميع الاتفاقيات وقام ببناء 23 سداً آخرها سد “ليسو دام” في منطقة “حسن كييف” التي يقطنها الأكراد، ويبلغ ارتفاع منسوب المياه في السد المذكور أكثر من 60 متراً، حيث سيكتمل بناؤه عام 2014 ليصادر أكثر من 50% من مياه نهر دجلة، ليصبح هو الآخر شحيحاً كالفرات الذي صادر سد أتاتورك 60 بالمائة
وهنا يمكن القول إن أي حلول ومعالجات لا تنطلق من رؤى وتصورات استراتيجية لأزمة المياه في العراق، وتستند الى الحقائق والمعطيات القائمة على أرض الواقع، ستكون عبثية، والأمر الخطير أو لعله الأكثر خطورة هو حينما تعلق الأزمة على شماعات الآخرين وكأن لا جذور أو خلفيات لها في البلاد، والأرقام المقلقة التي ذكرها وزير التخطيط عن نسب سكان المدن والأرياف العراقية الذين لا يحصلون على الماء الصالح للشرب، ترتبط بسوء أو غياب التخطيط اكثر من ارتباطها بقلة المياه، وتلك الارقام ليست وليدة الامس أو اليوم