في اليومين الماضيين التقيت زميلة لي تسير بشكل اقرب الى الهرولة اخبرتني انها تريد اللحاق بالمكتبة قبل ان تغلق ابوابها لاستنساخ كتاب القراءة لابنتها.. وبعد العودة الى البيت اخبرتني حفيدتي انها حصلت اليوم على كتاب القراءة وعندما رأتني مندهشاً ، فاجأتني انها لم تخبر المعلمة ان والدتها قد دبرت لها كتاباً كي تأخذ حقها وتحتفظ بنسختها للاحتياط ، وعلى العكس منها قالت اختها الثانية ان المعلمة اعطتها كتاباً للعلوم ولكن رفضت تسلمه وطلبت ان تعطيه الى طالبة اخرى واذا استكمل الصف سوف تتسلم ما دام لديها كتاب وفر لها من خارج المدرسة.
هذه صور بحلاوتها ومرارتها عن حياة اطفالنا الدراسية وذويهم الذين يعانون الامرين من عدم توفير الكتب المدرسية للطلبة وتكبدهم اعباء مالية ترهق كاهلهم.. هذه العينة عن انعكاسات ازمة الكتاب المدرسي ، وكيفية تفاعل الطلبة معها ، سلبا وايجابا ، واي سلوك يتخذون منها وافكار تترسخ عنها . تذكرت ايام الزمن الجميل الذي بتنا نتحسر عليه ونذكر منه الاستعدادات التي اصبحت كالحلم او حكايات الخيال، اذ كانت الكتب المدرسية متوفرة في جميع المدارس خلال العطلة الصيفية بل ان الادارة تعمل على تجميع حصة كل طالب على حدة من الكتب والدفاتر والاقلام وغيرها لتسليمها اليه في الايام الاولى للدراسة.
مشكلة او كارثة الكتب المدرسية ترقى الى التحديات الوطنية التي تتكرر كل عام دراسي من دون ان توضع لها الحلول والمعالجات.. وتعقد الندوات وتجرى المقابلات وتشخص الخلل، والوزارة لا تحرك ساكنا وتجتر الاعذار، وعودة الى هذه التصريحات تجد ذاتها المطابع في الاردن وطهران نكلت بتعهداتها والمطابع العراقية غير قادرة على الايفاء بمتطلبات وزارة التربية!.
وفي كل الاحوال لا تذكر ابداً المطابع الحكومية ومطابع وزارة التربية التي لا تعمل بطاقتها التصميمية لانه بحسب المطلعين لا يحصلون من هؤلاء على المكافآت والعمولات فلا يتجهون اليها.
كنا نحسب اثر الضجة والشكوى المرة لذوي الطلبة من مختلف المراحل الدراسية والتي سمعها حتى من به صمم ان تتحرك الحكومة وتستدعي الوزير وتجعلها نقطة بحث في احد اجتماعاتها وتستنفر طاقاتها لتوفير الكتب المدرسية والقضاء على السوق السوداء التي يتسرب اليها الكتاب المدرسي وبالكميات التي يراد المتاجرة بها.. ولكن الحكومة سدت آذانها ووضعت بهما عجيناً وتركت للفاسدين يأخذون وقتهم ويستكملون برنامج تحقيق ارباحهم الحرام.
الواضح ان الحكومة تهيأ الامور لكي تتخلى عن مسؤوليتها في توفير الكتب الى الطلبة وتوزيعها لهم مقابل ثمن ، ربما يبدأ بسعر متهاود مقارنة بالاستنساخ واسعار السوق السوداء .. وقديما قيل ” اللي يشوف الموت يرضى بالسخونة” .
ندعو وزارة التربية ارشادنا الى وزارة في العالم كله تغير المناهج خلال شهر او شهرين وتريد ان تنجز طباعة ملايين الكتب ثم متى تتوقف عن سياسة التجريب في تبديل المناهج والنظام التعليمي وتنتقل الى سياسة التخطيط والوضوح فيما تريد؟
مرة اخرى، نعتقد ان النقص في الكتب والمستلزمات الدراسية الذي هو احد اسباب تخلف العملية التربوية يجب ان لا يمر بدون حساب ولا ينفع ان تعالج المسألة باعتبار السنة الدراسية سنة عدم رسوب لامتصاص النقمة او التوجيه بالتساهل في الامتحانات واضافة الدرجات لتزيد الطين بلة وتوسم البلد بانه من البلدان ذات التعليم الرديء.
والاغرب من ذلك مجلس النواب الذي يدعي انه يراقب الحكومة واعمالها هو الآخر اغمض عينيه عما يجري ولم نسمع إلا تصريحات لا توقف فاسداً عن التمادي في غيه ولا تحاسب مسؤولاً عن ادائه المتدني.
ونتساءل بلسان الناس الا يستحق ذلك استجواب وزير التربية ومحاسبته عن الكارثة بعد مضي كل هذه الاسابيع على الدراسة والمعلمون بدأوا يكتبون المواد على السبورة بينما في بلدان اخرى تخلت عنها لصالح الحقيبة الالكترونية؟