23 ديسمبر، 2024 12:45 م

ازمة الدولة الريعية

ازمة الدولة الريعية

يحبس العالم انفاسه هذه الايام للاخبار المتواترة بشان تهديد ايران باغلاق مضيق هرمز. هذا المضيق الذي يمر من خلاله نحو 17 مليون برميل نفط يوميا من ضمنها النفط العراقي. لكن هذه الاخبار لم تصل على مايبدو الى الشاب العاطل عن العمل والذي اتصل ببرنامج “فرصة عمل” من على قناة “العراقية” طالبا من الدولة ان تبحث له عن وظيفة في القطاع العام. وحين ساله مقدم البرنامج عن مؤهلاته وشهاداته اجاب بكل بساطة انه بلا شهادة. اذن الوظيفة في القطاع الحكومي العام هي جزء من ازمة الدولة الريعية التي تعتمد على مورد رئيسي واحد هو النفطوالتي يتعين عليها البحث عن وظائف .. نعم وظائف وليس فرص عمل لكل المواطنين من يحمل منهم شهادة دكتوراه بالفيزياء الذرية ومن لا يحمل منهم سوى شهادة في لعب الدومينو والطاولي. ازمة الدولة الريعية  لاتختلف عن ازمة هذا الشاب في انها لاتملك سوى قوت يومها وهو مورد النفط. وفي حال تم غلق منافذه التصديرية فلم يعد امامها سوى الوقوف في مسطر العمالة على ابواب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والقرض الياباني “من نعم الله على اليابان انها ليست دولة نفطية” والمنحة الاميركية وغيرها من اعطيات شبكة الحماية الاجتماعية الدولية. ازمة الدولة الريعية تكمن في ان كل شئ لديها مرهون باسعار النفط. ارتفعت ارتفعنا وارتفعت معنوياتنا. انخفضت انخفضنا واخفينا رؤسنا بالرمال متذرعين بالظروف والازمة العالمية والكساد وانخفاض الاسعار وغيرها من الذرائع والاسباب. من ينظر الى ميزانيتنا السنوية يصاب بالدهشة “ميزانية هذا العام تبلغ 100 مليار دولار”. مع ذلك فان مبلغ العجز يبلغ نحو 12 مليار علما ان نحو 70% رواتب واجور لوظائف غالبيتها وهمية وغير منتجة بالاضافة الى اوجه الصرف الاخرى التي ما انزل الله بها من سلطان. ازمة الدولة الريعية لاتقف عند هذا الحد. ففي حالة دولتنا مثلا فانها حائرة الان بين ارضاء البنك الدولي الرافض لزيادة رواتب المتقاعدين وبين ترضية هؤلاء المتقاعدين الذين لا اعرف ان كان حصول كل واحد منهم على 20 الف دينار اضافية كل شهرين يمكن ان يحل مشكلتهم الازلية؟ اللجان المختصة تبحث عن تخريجة لهذه الـ 20 الف دينار التي لاتغني ولا تسمن من جوع. لكن نفس هذه اللجان لاتجد ادنى مشكلة في الكيفية التي يتم بموجبها انفاق اموال طائلة تحت بنود مختلفة منها الايفادات للاخوة المسؤولين الذين لايسافرون من العراق بل ياتون اليه موفدين كل شهرين ستة ايام بينما هم مدراء عامون او وكلاء وزارات. ومنها مايمنح تحت بنود التسهيلات المختلفة للحصول على عقود  للاخ المقرب من ابن عم اخ صديق معاون مدير مكتب المسؤول الفلاني الذي كلف نفسه جدا بان طلب ارساء مقاولة لصديق له مقاول كبير لايكلف نفسه هو الاخر سوى بيعها بالباطن لمقاول شوية اصغر وصولا الى ست مقاولين وكل واحد منهم يعطي ما يعطيه من “كوميشون” وفق الاصول والفصول والميول و .. الاتجاهات؟ لو اردنا تعداد مايمكن ان ننفقه من اموال النفط لمن يستحقها ولمن لايستحقها لاحتجنا صفحات وصفحات ولكنه في كل الاحوال يختزل ماساة الدولة الريعية.
[email protected]