19 ديسمبر، 2024 3:51 ص

ازمة الثقة والحل الغائب بين بغداد واربيل

ازمة الثقة والحل الغائب بين بغداد واربيل

مع نهاية كل عام وبداية عام جديد، تتصاعد وتائر الازمات بين الحكومة الاتحادية العراقية من جهة، وحكومة اقليم كردستان من جهة اخرى، لتنفتح حتى الملفات المغلقة والمسكوت عنها في بعض الاحيان، وملف الموازنة المالية هو محور ومحرك ذلك التصعيد “السنوي”.

   واذا كان مشروع الموازنة المالية يتأخر في الاعوام السابقة داخل اروقة وكواليس مجلس النواب العراقي، فأنه تأخر هذه المرة لدى مجلس الوزراء قبل ان تتجاذبه الاجندات والحسابات المتقاطعة في البرلمان، وفي خضم تبادل الاتهامات بشأن مسؤولية التأخير من قبل كل من بغداد واربيل.

  وبدلا عن الاقتراب من احتواء الازمة وتطويقها عبر تفاهمات وتوافقات معقولة، راحت المؤشرات على عدم التوصل الى حلول حقيقية للازمة والحؤول دون استفحالها تطغي على حقيقة المشهد، رغم مجيء رئيس حكومة اقليم كردستان نيجرفان البارزاني الى بغداد اكثر من مرة، واخرها يوم الاحد الماضي(19 يناير 2014)، ورغم التصريحات الرسمية الايجابية التي ترافقت مع حملات تصعيد اعلامي واضح، عكس في جانب كبير منه ان الامور لاتسير على مايرام، وان الهوة بين الطرفين مازالت كبيرة، ان لم تكن قد اتسعت خلال الايام القلائل الماضية، لاسيما وانه لم يترشح عن لقاءات البارزاني بكبار مسؤولي الحكومة الاتحادية وفي مقدمتهم رئيس الوزراء نوري المالكي، نتائج ومعطيات عملية مشجعة حتى الان، بحسب مايؤكد مطلعون على جانبا مما دار في تلك اللقاءات.

   وقد لايكون غريبا ان تكون الهوة بين الطرفين كبيرة جدا، لان رؤاهما مختلفة الى حد كبير ان لم تكن متقاطعة بالكامل.

   فرؤية الحكومة الاتحادية تتمحور اساسا حول المسائل التالية:

-ادارة الثروات، مسألة سيادية بحسب الدستور، ولايجوز لاي طرف ان يتصرف بها دون الرجوع الى الحكومة الاتحادية.

-اقليم كردستان ملزم بتصدير اربعمائة الف برميل يوميا من الحقول النفطية الواقعة ضمن الحدود الادارية للاقليم.

-عمليات التصدير يجب ان تتم تحت اشراف شركة تسويق النفط العراقية (سومو) حصرا، والمبالغ المالية للنفط المصدر ينبغي ان تودع في صندوق تنمية العراق(D.F.I)، ليصار الى تحويلها فيما بعد الى ميزانية الدولة العراقية.

-اية عمليات لانتاج وتصدير النفط من اقليم كردستان تتم خارج هذه الالية، تعد غير قانونية، ونفس الشيء يصدق على العقود التي تبرمها حكومة الاقليم مع الشركات الاجنبية دون التنسيق مع الحكومة الاتحادية في بغداد.

-في حال لم يصدر الاقليم الكميات المتفق عليها من النفط، يصار الى استقطاع قيمة الكميات غير المصدرة من حصة الاقليم من ميزانة الدولة، والبالغة 17%.

   ويرى الجانب الحكومي، والائتلاف الممثل له بالدرجة الاساس، ائتلاف دولة القانون، ان الاكراد لم يلتزموا بما تم الاتفاق والتوافق عليه، وهذا مااكده عدة مرات رئيس الوزراء نوري المالكي، ونائبه لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، ومسؤولين وبرلمانيين من ائتلاف دولة القانون، وبوضوح وصراحة يقولون “ان اموال النفط تذهب الى بعض القيادات الكردية وليس لشعب الاقليم”، ويتهمون “بعض القيادات الكردية بالقيام بأعمال مخالفة للدستور وعدم الالتزام بأية تعهدات واتفاقيات مع الحكومة الاتحادية، وانهم يصدرون النفط الى تركيا بسعر مخفض وبخس”.

  ويجادل الاكراد في هذا الجانب وينفون بشدة كل الاتهامات التي توجه اليهم من بغداد، ويعتبرونها جزءا من التعاطي السياسي السلبي الذي تعتمده الاطراف النافذة في الحكومة مع الاخرين.

   وترتكز الرؤية الكردية على النقاط التالية:

-ان قيام حكومة الاقليم بتصدير النفط يندرج في اطار الدستور، الذي يتيح في الفقرة الثانية من المادة 111 وكذلك المادة 112 منه للاقليم بتصدير النفط المستخرج والمنتج ضمن حدوده الادارية وبالتنسيق مع الحكومة الاتحادية.

-لم يصدر اقليم كردستان الكميات المتفق عليها مسبقا لاسباب فنية عديدة، ابرزها عدم التزام الحكومة الاتحادية بتعهداتها تسديد مستحقات الشركات النفطية العاملة في الاقليم والبالغة اربعة مليارات دولار.

-لم تقم حكومة الاقليم ببيع النفط بأسعار مخفضة، واتفاقها مع حكومة انقرة لتصدير النفط الى تركيا، تم بعلم الحكومة الاتحادية.

-تعتبر حكومة الاقليم استقطاع العوائد المفترضة لكميات النفط التي كان من المقرر تصديرها من الاقليم خلال عام 2013، بواقع اربعمائة الف برميل يوميا وبسعر تسعين دولارا للبرميل الواحد، من حصة الاقليم (17%)، تعتبرها حكومة الاقليم استهداف سياسي، وتصفية حسابات سياسية ليس الا.

   وفي اطار هذه الصورة القاتمة، من المستبعد جدا ان يخضع الاقليم لما تقول به الحكومة الاتحادية، والعكس صحيح، والتصريحات الايجابية التي صدرت عن المالكي والشهرستاني والبارزاني بعد لقاءات بغداد الاخيرة، قد لاتعكس واقع المواقف والتوجهات على حقيقتها، لان كل اللقاءات السابقة سواء التي جرت في بغداد، او التي جرت في اربيل، تبعتها تصريحات ايجابية واجواء متفاءلة، واحاديث عن تفاهمات مثمرة حول النقاط الخلافية، ولكن ما ان يمر وقت قصير حتى تعود الحملات الكلامية من على المنابر السياسية ووسائل الاعلام لتعيد الامور الى المربع الاول، او الى نقطة الصفر، هذا جانب، والجانب الاخر، ان من يتمعن في فحوى التصريحات الايجابية الاخيرة لايلمس فيها شيء جديد، وقد تبدو وكأنها عبارة عن مجاملات فرضتها ظروف معينة.

   ربما تنجح الحكومة الاتحادية بعد زيارة البارزاني في تجنب خيار اللجوء الى الاغلبية البرلمانية لتمرير مشروع الموازنة، وربما حصل-او يحصل-رئيس حكومة الاقليم على وعود مالية من بغداد، وربما تتعهد اربيل بالتوقف عن تصدير النفط بطرق تراها بغداد غير مشروعة، لاسيما الى تركيا، ولكن كل ذلك، وان كان مهما، الا ان الاهم يتمثل في كيفية ترجمة الوعود والتعهدات والالتزامات الى واقع عملي على الارض، وعدم تكرار المشاهد والسيناريوهات السابقة، والاهم منه بناء الثقة الحقيقية، التي من دونها ستبقى الامور تدور في حلقة مفرغة وان بدا ان فيها انفراجات بين الحين والاخر.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات