23 ديسمبر، 2024 4:21 ص

ازدياد ظاهرة العنف ضد الاطفال

ازدياد ظاهرة العنف ضد الاطفال

عندما تسمع كلمة تعذيب ربما يخطر في بالك صورة متهم في مركز شرطة أو في سجن، او لاحد السجناء السياسيين الذين يراد انتزاع أعتراف منه بالقوة ، يقوم الضابط بضربه ليأخذ منه معلومات معينة أو يجبره على اعتراف ما. هذه هي الصورة الأكثر شيوعاً للتعذيب لكنها ليست الوحيدة. فأنا مثلك كنت أتخيل هذه الصورة عندما أسمع كلمة تعذيب لكن ان يكون هذا التعذيب يمارس ضد الاطفال الصغار وبقسوة وأن يؤدي هذا التعذيب الى موت بل قتل طفل ، فهذه هي الصدمة المروعة ،
ترتفع معدلات العنف والقسوة في تربية الأطفال الصغار في مجتمعنا لدي بعض الأسر وتختلف في اساليبها، نتيجة الضرب المبرح، او التعنيف ، أو استخدام حبس الاطفال أو منعهم من الخروج او تقييدهم ، وقد ينتهي الامر بالطفل فارا إلى الشوارع كنتيجة منطقية لهذا العنف والتفكك الأسري.
ان ما مر به العراق من حروب و حصار وازمات و احتلال و حروب طائفيه و تهجير و نزوح ، لم يرحم محافظه من محافظات العراق الا واكتوت بنار الصراعات ؛ واثرت هذه الاحداث الجسيمة في ترك اثر سلبي خصوصا على نفسية الاطفال ، وتؤكد الدراسات بأن المحافظات الأكثر عددا للأطفال المعنفين والمشردين في الشوارع هي بغداد و الموصل والجدير بالتذكير انه في الوطن العربي 300 مليون طفل ثلثاهم من الإناث بلا تعليم و 250 مليون طفل مابين سن 5-14 عاما في العالم، معظمهم في الدول النامية وخاصة الدول العربية .
كما ساهمت بعض التصرفات والممارسات التي تقوم بها الاسرة في اذى نفسي وجسدي على الطفل مثل وضع الاطفال وهم بعمر صغير في الحضانة او رياض الاطفال او تركهم مع مربية اجنبيه لساعات طويله تؤذيهم جسديا ونفسيا ، انا شخصيا ضد أن يترك الطفل لوحده قبل سن الرابعة ويسلم لحضانة او مربية او رياض اطفال فهو مازال لا يدرك شيئًا و لا يمكنه التعبير عن نفسه او الدفاع عنها أو حتى الشكوى بل لا يقوى على التمييز فإن أردت أن يذهب طفلك ليكتسب مهارات و أصدقاء و يلعب ويتعايش مع من هم في سنه ، يمكنك ذلك ، لكن بوجودك ومراقبتك و الا لا داعي للاستعجال وزج الطفل بصعويات قد تؤثر على تكوينه النفسي والسايكولوجي والجسدي في المستقبل.
تنص المبادئ الأساسية لحماية الأطفال في «يونيسف» على أنّ: «جميع الأطفال لهم الحق في الحماية من العنف والاستغلال والإيذاء. إلا أن ملايين الأطفال في أنحاء العالم من مختلف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والفئات العمرية والأديان والثقافات، يعانون يومياً من العنف والاستغلال والإيذاء. وهناك ملايين آخرون معرضون للأخطار». فوفق الإحصاءات المنشورة على الموقع الرسمي للمنظمة، إنّه من المستحيل قياس الحجم الفعلي للعنف ضد الأطفال حول العالم، بسبب نقص البيانات عن العدد الدقيق للضحايا، لكثرة ما يحدث سراً ولا يبلّغ عنه، غير أن التقديرات تشير إلى تعرّض ما بين 500 مليون و1.5 بليون طفل للعنف سنوياً. ويُقدّر عدد الأطفال الذين يشهدون العنف الأسري في كل عام بما يصل إلى 275 مليون طفل حول العالم.
إن تسامحنا مع العنف ضد الأطفال هو سكوت على جريمة بشعة، ففي بلادنا إهانة كرامة طفل وتعريضه لألم مبرح، وتعريض صحته وحياته للخطر، اصبحت أمور معتادة لا تزعجنا. صمتنا وتجاهلنا هما تواطؤ مع الجاني، ولطالما اعتبرنا العنف ضد الطفل ممارسة مقبولة، ناكرين أن بعض أولياء الأمور بالفعل يعذبون أطفالهم، وقصص تعذيب الاطفال تهز مجتمعنا بين فترة واخرى
وهذا التعذيب يترك اثرا بالغا وجسيما نفسيا وجسديا وعلى المدى الطويل بل ان بعض الاطفال الصغار تعرضوا الى التعذيب حتى الموت كما حدث مع الطفله رهف التي تبلغ من العمر سبع سنوات فقط وتوفت في المستشفى في بغداد بعد ان تعرض راسها ودماغها لنزيف داخلي نتيجة الضرب والتعذيب والحروق الذي مارسته معها زوجة ابيها. كما تختلف دوافع الأشخاص المُعنِّفين، من دوافع نفسية كالتعرّض للعنف في طفولتهم، وصورتهم الذهنية عن أساليب التنشئة والرعاية الوالدية،
والتواصل مع الأطفال، إلى تأثير البيئة المحيطة والمجتمع الذي يتقبّل العنف ضد الأطفال، ويعتبره شكلاً مقبولاً من أشكال تعديل سلوك الأطفال وضبطه، وتفريغ الضغط النفسي الذي يعيشه الشخص المعنِف على الطفل، ونرى ان هنا قصورا قانويا وتشريعيا في حماية الطفل، وهو ما يمكن أن نعتبره تواطأ وقصوراً رسمياً يسهم في تشجيع العنف الجسدي ضد الأطفال بدلاً من الحدّ منه، مثل القوانين التي تمنح الوالدين حق الضرب لتأديب أبنائهما، كما في الأردن التي يتيح القانون فيها الى ضرب الاطفال.!!!

فكل هذا أدى إلى هروب الأطفال من واقعهم واسرهم كما ادى الى تسرب الاطفال النازحين إلى سوق العمل للحصول على قوت يومهم أو مساعدة أسرهم في مصروف العائلة و لن أقول البيت لان أغلبهم يقيمون في مخيمات أو ما شابه ورغم ان قانون العمل العراقي، الذي ينص في مادته السادسة من الفصل الثالث، على أن الحد الأدنى لسن العمل هو 15 عامًا. وبحسب اتفاقية حقوق الطفل الدولية في العام 1989، فإن كل من هم دون سن الثامنة عشر يعتبرون أطفالًا ويجب أن تكون لهم حماية ورعاية خاصة.
الا انه بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فإن أكثر من نصف مليون طفل عراقي منخرطون في سوق العمل ناهيك عن تفشي الأمراض المعدية لعدم وصول الماء و الصرف الصحي كما أنه 1.50 مليون بحاجة إلى المساعدة من ناحية الغذاء فهذا الوضع المأساوي أدى إلى خسارة جيل كبير من الاطفال وهم في عمر صغير ولكن العنف وظروف البلاد الماساوية أجبرهم على ترك بيوتهم والنزول الى الشارع بحثا عن لقمة الغيش وعن الامان.
لذل تمر عليهم ايام عصيبة خوفا و بردا و جوعا رغم ما تبذله الكثير من الجهات الحكومية والخاصة في مساعدتهم إلا أن هذه الأعداد الكبيرة و المدة الزمنية الطويلة للمشكلة التي تسببت في نزوحهم جعلت انه من الصعب توفير كل الاحتياجات مما يستدعي تدخل المؤسسات المدنية ومنظمات المجتمع المدني والأفراد لتبني حل منظم لمشاكل الاطفال المشردين والمعنفين والنازحين في كل مكان.
ويبقي تعذيب الاطفال داخل المؤسسة الاسرية عبر الخادمات او داخل رياض الاطفال او مؤسسات رعاية الايتام جرائم يندي لها الجبين الانساني، خاصة بعد ان انضمت لهذه الانتهاكات بحق الطفولة البريئة والعاجزة عن حمايتة نفسها، جرائم تنظيم داعش الارهابي، فكل هذ الجرائم قد حولت المجتمع الانساني إلى غابة متوحشة يأكل فيها القوي الضعيف ويدفع ثمنها الاطفال الصغار الذين يعانون ويدفعون ثمن اخطاء الكبار واخطاء السياسه والازمات والحروب،
حتى تخلت بل عجزت الانسانيه ومنظماتها عن الكثير من واجباتها لحماية الطفولة من الضياع والعنف والحوع وتخل فيها بنو البشر عن إنسانيتهم ورحمتهم بالضعفاء فلذات الاكباد، والذين سرعان ما يكبرون وينتقمون من المجتمع الذي استباح جسدهم وأرواحهم الطاهرة.
فليحذر المجتمع الانساني من تجاهله لحقوق الطفولة التي اعترفت بها المواثيق الدولية، وسيدفع كل من تقاعس عن حماية الطفل ورحمته الثمن غاليا.