23 ديسمبر، 2024 3:53 م

ازدهار سوق المستشارين في ظل الحكومة الحالية

ازدهار سوق المستشارين في ظل الحكومة الحالية

المستشار هو الشخص الملم والمتبحر كما يقال في مجال الاختصاص الذي يتمتع به ذلك الفرد بحيث يستطيع ان يرفد غيره ويعينه بما يمتلكه من خبرة ومعلومات لتوجيهه نحو الطريق السوي المستقيم، والمشورة والاستشارة مسألة نشأت مع نشوء المجتمعات البشرية المنظمة، حيث قال الشاعر بشار بن برد:
اذا بلغ الرأي المشورة فأستعن   برأي لبيب او نصيحة حازم
ففي المجتمعات القبلية قبل نشوء الدول بشكلها الحديث والمعاصر كان الشيخ في القبيلة لديه مجموعة من وجهاء القبيلة، او كما يسمى بمجلس وجهاء القبيلة، هؤلاء يقدمون للشيخ المشورة ويستعين بهم بكل ما يتعلق بشؤون القبيلة وتسيير أمورها في السلم والحرب، وعند نشوء الدول تطورت هذه الفكرة بحيث ان الحاكم كان لابد له من تعيين مشاورين له سواء اكانوا بصفة وزراء او غير ذلك
وأصبحت مسألة المشورة والتشاور من الامور المسلم بها والواجهة لتحقيق العدالة ورفع الظلم عن العباد وعدم التفرد في اتخاذ القرارات من قبل الحاكم وهذا ما سارت عليه الدولة الاسلامية اثناء حياة الرسول (ص) وقد وردت الآيات القرانية بهذا الخصوص “وشاورهم في الامر”، و”أمرهم شورى بينهم”، والذي نستخلصه من التاريخ ان الذي يستشار يجب ان يكون لديه المعرفة والخبرة في مجال اختصاصه بحيث يستطيع الغير الإفادة من معرفته وتجربته وإلمامه بباطن الامور وان يعطي الرأي الصائب في الواقعة التي يستشار عنها، فالمستشار السياسي يفترض به ان يكون متمرسا وذو خلفية سياسية مشهود لها على صعيد البلد وذو سمعة لا غبار عليها بعيدا عن الوصولية والانتهازية والنعق مع كل ناعق، ومتحليا بثقافة سياسية وتجربة يستطيع بها ان يعطي الموقف السياسي عند حدوث اي حدث سياسي يستوجب اتخاذ الموقف تجاهه سواء كان داخل البلد او خارجه، لان السياسة كما يقال فن الممكن.
هذا على صعيد السياسي المتمرس العملي اما على صعيد التكنوقراط فيجب ان يكون ذو شهادة عالية في الشؤون السياسية وصاحب تجربة أكاديمية في هذا المجال وله من البحوث السياسية المشهود بها على صعيد المجتمع والبلد، اما المستشار القانوني فمن مواصفاته إلمامه التام بالامور القانونية والدستورية وان يمتلك الخبرة العالية في صياغة الامور القانونية ولديه الخزين الكافي من المعلومات القانونية وممن أغنى بتراثه القانوني الصحف والمكتبات بكافة البحوث القانونية، اما المستشار للشؤون الخارجية فهو رقم في غاية الأهمية لان مهمته تستوجب الإلمام بالامور القانونية والأمور الدبلوماسية والعلاقات الدولية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والنظم السياسية والقانون الدولي وباختصار ممن مارس العمل والتجربة في السلك الخارجي لفترة طويلة وكونه قد اكتسب الخبرة والمراس في هذا المجال لكي يكون مؤهلا للاستشارة في الشؤون الخارجية.
وفي الدول المتقدمة وزراء خارجية سابقون ورؤساء دول يجعلوا منهم مستشارين لخبرتهم ومعرفتهم، وعلى ضوء ما ذكرت فان المستشار أكان اقتصاديا او زراعيا او في شؤون التعليم او الصناعة او شؤون الخارجية او المالية يجب ان تتوفر فيه المواصفات المطلوبة في مجال اختصاصه، وانما ذكرته هي معايير عامة يجب توفرها في كل مستشار دون الإشارة الى بلد ما وهي تتركز على الكفاءة والمواصفات بشكل عام.
اما في العراق وفي ظل الحكومة الحالية فان الامر مختلف تماما والسبب يعرفه كل عراقي مؤمن بمبدأ المواطنة العراقية حيث ان الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ سقوط النظام السابق هي حكومات محاصصة طائفية وتوافقات سياسية بعيدة عن البرامج الوطنية التي تخدم كل العراقيين.
وان مبدأ الكفاءة والمعرفة وتكافؤ الفرص يكاد يكون معدوما في ظل التوافقات السياسية والمحاصصة لان كل كتلة سياسية مشتركة في الحكم ترشح من هو منظم اليها بغض النظر عن كفاءته ومعرفته، وان معيار الترشيح لديها هو المولاة لها والسير وفق اجندتها، وبذاك فقد مبدأ المواطنة العراقية ومبدأ الاستقلالية، وبالتالي فان خدمة العراقيين اصبح في خبر كان، ومصلحة الوطن والتي هي فوق كل اعتبار فئوي او حزبي اصبحت فوق الرفوف العالية.
نعم ان ما يجري الان ان العراق قد اصبح سوقا مزدهرة للمستشارين لا يضاهيه اي بلد اخر من حيث عدد المستشارين، وتبذير المال العام اصبح مسألة اعتيادية، نرى هناك من يعمل في منصب وفي الوقت نفسه مستشارا يتقاضى راتبا اخر علاوة على راتبه الأصلي، انها فرصة لجمع المال على حساب الجياع من ابناء شعبنا المظلوم.
ان المراكز السيادية كرئاسة الجمهورية او مجلس الوزراء او وزارات الدولة لا يمكن ان يعين فيها مستشار اذا لم يكن تابعا لكتلهم السياسية وكأنما هم وحدهم مكتوب لهم العيش والتنعم دون غيرهم من ابناء هذا الشعب وبقية ابناء الشعب ممن ضحوا وناضلوا ضد النظام السابق مكتوب عليهم ان يتفرجوا عليهم وان يكونوا خارج المعادلة السياسية عليهم الواجبات فقط والحقوق للأسياد الحاكمين.
ان اختيار المستشارين بهذه الطريقة عن طريق المحاصصة الطائفية والعرقية والكيانات الحاكمة يجعلهم يفتقرون الى الكفاءة والمعرفة وبالتالي فان ذلك ينعكس على اداء الحكومة ويجعل منها حكومة ضعيفة لا يرتجى منها خيرا لهذا الشعب.