تقليد غير مفيد
في منظومة تنمية التخلف يكون المبدع غريبا في قومه، ولعل هذا ذكرني بمالك بن نبي الذي استخدم كلمة التكديس في تقليد مؤسسات للدول الغربية عندنا، واستحضار تفاصيل مؤسساتهم التي انشات لحاجتهم هم.
الاصل بالحكومة والسلطة هي عقد اجتماعي يقوم بعض الناس من الناس أنفسهم برعاية مصالح المجتمع نيابة عنهم وتطبيق القوانين المتفق عليها بينهم، وهذه تنشأ تدريجيا ولا تأتي كحزمة واحدة من قائد مجموعة صيد او غزو…. الى ان نصل لعلاقات خارجية وداخلية ومراكز دراسات وغيرها، فالأمم التي تقدمت بنت حسب الحاجة، انشأت كليات لتدريس ما يحتاجه اقتصادها، ووضعت مراكز دراسات تقرر نوع وعدد المطلوب لها في مرحلة زمنية بالسنين وتبع السوق، لكن الامر مدروس والكوادر تخرج الى مهامها.
كذلك الاحزاب اتت لتعبر عن ايدلوجيا او وجهة نظر اجتماعية او سياسية او ادارة الاولويات ولها برامج تعرض على الجمهور فيكون انتخابها كاستفتاء ضمني على برامجها وعادة ما تكون حزبين او ثلاثة.
هياكل لا نحتاجها
أما في البلدان المتخلفة، فقد نقلت الهيكليات دون الحاجة لوظيفتها، فمثلا ما حاجتك لمركز دراسات صناعية وانت لا تصنع، وبحوث زراعية وانت لا تزرع، ومجالس محلية وبرلمان وانت تقودك العشيرة أو “الرجل الفذ“ أو الطفيلي…. ثم مع الانفتاح تجد عشرات ومئات الاحزاب بلا ايدلوجيا او مشروع متصارعة على السلطة والمال لا الانتاج ولا مشاريع الانماء؛ فليس هنالك منطق دولة للاختلاف، هذا التكديس التجميلي كعمليات التجميل الفاشلة التي تشوه وجها كان جميلا، وعندما تريد أن تثبت نفسها فستكون كأثاث يعترض الطريق يخفف سرعة الحركة أو يتعثر به المشغول وهنا تنشأ الفوضى في الحلول.
الوظيفة المفقودة
اذن الوظيفة مفقودة، لكن المال موجود فتتخم الدولة بعناوين لا فائدة منها ولا عمل حقيقي، وعندما تتعاظم الأعداد بمدارس وجامعات “استثمارية” بلا تخطيط وتنمية مقابلة تتخلص من البطالة العملية او المقنعة، هذا سيجعل التعلم كيفي وليس برؤية تنموية، فيتجهون للاختصاص الاعلى راتبا، وتنزح الشباب من القرى لتصطدم بدولة متخمة لم تعد قادرة على المزيد من العمالة بدون عمل، فمن درس في الجامعة لم يعد بإمكانه ان يعود مزارعا او سائق اجرة او صباغ احذية وهو مقتنع، وانما تأهيله لسوق عمل وهمية هكذا وطن نفسه يدرس من اجل الرزق بالوظيفة، وهنا تبدأ الاضطرابات والانتفاضات، وبدل ان تكون هذه كناقوس يدق عاليا بضرورة اعادة تنظيم الدولة اداريا وبطرق علمية وتوظيف حقيقي للموارد البشرية، يتهم هؤلاء الشباب بانهم اتباع لهذا الطرف او ذاك وانهم يتآمرون ضد الحالة التي يراها من في السلطة مثالية، فلا يشعر بحرارة الصحراء في منتصف تموز الا من غادر خيمته المكيفة.
بقاء الحال يهدد أي نظام مهما كانت ادوات امنه، فلابد ان تعالج ظواهر العمل في توظيف الموارد البشرية ليس بمجرد التوظيف وانما ادخالهم في سوق العمل من خلال تنظيمهم في (مجموعات) عمل تتنافس على التنفيذ ويحكم على نوعية مخرجاتها الى ان تندمج هذه المجموعات لتكون شركات كبيرة تنافس الدولة في التوظيف بعد زمن، ولكن هذا يحتاج دراسة وتخطيطحقيقي ونوعي، مجموعات العمل التخصصي مهمة في التوسع لأسواق خارج الحدود القطرية.
كيف ولماذا تبنى المؤسسات:
المؤسسات لا تبنى لأنها هياكل في دول متقدمة، الأصل في الهياكل هو المهمة وليس الهيكل يخلق المهمة؛ المهام بالتخطيط والموازنة، إيجاد هياكل إدارية أو مجالس أو أية مسميات لمجرد وجودها في بلدان متقدمة صناعية ومتقدمة لا يعني أن هذا سيخلق تنمية بل سيخنق التنمية لأنها أجهزة ستكون منفذ لتبديد الأموال في وظائف غير ضرورية كما أنها بيئة للفساد عندما لا يكون هدفها الخدمات التي أصلا لم تصل لدرجة الحاجة لهذه الهياكل ا وانها تقدم فعلا للمواطن، وهنا يأتي دور مراكز الدراسات في الدولة والشركات فهي مهمة لتحشيد الخبرة والكفاءات ورسم السياسات والاقتصاد ومعالجة الاخفاقات ونقاط الضعف والتداعيات في المجتمع والسياسات والابتكارات والعلوم، وهي عملها طويل زمنيا وربما ان لم توظف الكفاءات بدعم عالي جدا، فان مخرجاتها قد تكون متأخرة عن تقدم التفكك والانحلال.
فالمؤسسات تبنى كأدوات تنفيدية لما خطط له، وقد تعتمد مؤسسات الدولة في أنشائها أو تنشأ مجموعات تمتهن اختصاصات معينة قابلة للمناورة في القطاع الخاص تساعد الحكومة من خلال تعاقدها مع شركات الخبرة الأجنبية مشاركة لتنفيد الأعمال وهذا يعني أنها ستدرب كوادر محلية تتولى العمل مستقبلا.
لابد للدراسات أن تعالج أيضا المسالة الأيدلوجية المفقودة اعماقها واستكشافها وتوظيفها للرقي المجتمعي، وهذا مهم لتنشئة المدنية دون جنوح وترتبط بالقيم والهوية
إن تكديس المؤسسات مثله كمثل الأثاث الزائد يعقك عندما تريد الحركة فيتخلص منه إما برميه أو وضعه في مخزن القديم فلابد من إعادة النظر من العقلاء.