17 نوفمبر، 2024 1:54 م
Search
Close this search box.

ارهاصات بعثية وانتكاس الوليد في شبابه

ارهاصات بعثية وانتكاس الوليد في شبابه

في اعتقادي واجتهادي ومفهومي المتواضع البسيط كل تغيير سياسي منذ انقلاب عام 1958 في العراق ولحد الآن . لا يمكن ان نسميه ثورة بل نسميه انقلاب لأن للثورة مفاهيمها ودلالاتها الشكلية والموضوعية العامة المتمثلة في التغيير الشامل في المفاهيم والاقتصاد والبناء والتطور الحضاري الاحسن والافضل لصالح المجتمع . النظام الملكي كان الاساس الصحيح لدولة العراق نظام ديمقراطي نزيه متحضر ومتطور .

بعد استلام السلطة من قِبَل حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق عام 17 تموز 1968 من المرحوم رئيس جمهورية العراق انذاك ” عبد الرحمن محمد عارف ” قام الحزب بعقد ندوة واسعة للكادر الحزبي المتقدم ادارها المرحوم ” احمد حسن البكر ” رئيس الجمهورية في حينها عرضت الندوة وما دار فيها في تلفزيون بغداد فحواها اسباب قيام الحزب بهذا التغيير والاهداف المتوخاة منه . فعند استعراض البكر مسميا لهذا الحال الجديد بـ ” الثورة البيضا ء” والهدف من هذه الثورة هو الانقلاب على الواقع العراقي والعربي الفاسد ورد على الانتكاسة العربية في حرب 5 حزيران من عام 1967 والاعتداء الاسرائيلي عليهم . واسير في خطوات جدية سريعة لتطوير العراق نحو الافضل ” وفعلا تم ذلك ” واثناء حديثه هتف احد الحاضرين ممجّدا بالحزب واهدافه ونظاله ومحذرا وخاشيا على الحزب بعد استلامه السلطة حيث قال بالنص محذرا القيادة ” انه يخشى من انتكاس الوليد ” اي مستقبل هذا الحال الذي وصل اليه الحزب . والسبب في هذا القلق و الخوف المشروع , له اسبابه السلبية التي عاشها الحزب من صراعات بين قياداته في كل من سوريا انقلاب حافض الاسد والعراق عام 1963 وانقلاب عبد السلام محمد عارف بعد وقت قصير .

المهم في حقيقة الامر ان اهداف حزب البعث العربي الاشتراكي ” وحدة حرية اشتراكية ” وشعاره ” امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ” كانت تداعب مشاعر وخيال اغلب العراقيين كونهم عالين الوطنية والقومية ويميلون للنخوة والاستقلال والكرامة الشخصية و العامة و وثابت ذلك كشهادة معروفة وملموسة في ” حرب 1948 مع المنضمات الارهابية الصهيونية عند اغتصابهم لفلسطين ” وكذلك تعززت في موقف العراق وشعبه وقواته المسلحة في حرب عام 1967 على الجبهة الاردنية والحرب مع اسرائيل عام 1973 على الجبهتين المصرية من خلال القوة الجوية العراقية ” اسراب الهوكر هنتر ” التي كان لها الشرف كونها كانت البادية بالضربة الاولى للقوات الاسرائيلية المتواجدة على خط ” حاييم بارليف ” على طول قناة السويس واستمرت في الظرب والاشتباك حتى توقف القتال . هذه الشعارات والاهداف تداعب امل كل عربي ولا زالت ،

لكن المشكلة تكمن بالتنفيذ لهذه الاهداف والتفاصيل المعمول بها لتنفيذها . خاض الحزب في صراعات وتناقضات عدة مع القوى المعروفة والمؤثرة انذاك مثل الشيوعيين العراقيين باشكالهم والتيارات الاسلامية بالوانها ، الشيوعيون العراقيون كانوا يحذون حذو القيادة الشيوعية السوفيتية بنظرتها لحزب البعث على انه ” حزب برجوازي صغير ” جاء هذا الرأي والتشخيص في احد المؤتمرات العامة للقيادة المركزية للحزب الشيوعي في موسكو . والتيارات الاسلامية كان لها ملاحظات على منهجية الحزب واهدافه منها ايمانه بالاشتراكية و العلمانية الايمانية والعمل بهما . في مرة اصدر المرحوم ” ميشيل عفلق ” مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي وامينه العام كتابا عنوانه ” اذا كان محمدا كل العرب فليكن كل العرب محمدا ” من باب الحوار والمناقشات بين القوى الحزبية في وقتها قامت مجموعة من البعثيين بنزع غلاف الكتاب وعرضوه على بعض القيادات الحزبية الاسلامية وطلبوا رأيهم فيه . فاعجبت هذه القيادات بمضمون الكتاب واثنوا عليه عندها اخبروهم انه من آراء ومؤلفات ميشيل عفلق . لكن الاسلاميين مصرين على آرائهم و كذلك الشيوعيون حتى بعد اتفاقهم مع البعثيين ودخولهم الجبهة الوطنية . لم تكن القيادات العربية والامين العام للحزب لها دور في الخلاف والاختلاف لكن القيادات المحلية السورية والعراقية على طول تاريخ الحزب في استلامه السلطة كانت من المصادر الاساسية للخلاف . حافظ الاسد استغل منصبه كوزير للدفاع وانقلب على الحزب وطرد القيادات الشرعية خارج سوريا مدعيا ان ” زكي الارسوزي ” هو المؤسس للحزب وليس ميشيل عفلق وتم تبرير هذا التغيير وتعليقه على شماعة ” اليمين واليسار ” مسميا نفسه وجماعته باليسار والحزب في العراق باليمين .

احمد حسن البكر كان ذكي وسريع البديهية ويميل للمزاح احيانا ،، سأله احد البعثيين الاميين من المكتب الفلاحي عن اليمين واليسار وايهما الافضل والاحسن ولماذا يسمي حافظ الاسد الحزب في العراق باليمين ويسمي نفسه والحزب في سوريا باليسار ، فأجابه البكر بسرعة وعلى الفور قائلا ” ايهما الافضل والاحسن عندك اليد اليمين التي تأكل بها وتضغط بها على زناد البندقية ام اليد اليسار التي تتشطف بها ” فاجاب السائل بان اليد اليمين افضل وانظف من اليسار فضج الحاضرون بالضحك و التصفيق …

في حقيقة الامر دخل العراق مرحلة تطور مهمة في كل المجالات وعلى كافة الاصعدة منذ بداية التغيير عام 1968 يقول في حديث لاحد الاصدقاء كان شيوعيا واصبح بعثيا عند سؤالي له عن سبب تركه للحزب الشيوعي وانتمائه لحزب البعث ، قال البعثيون اشجع و اجرئ من الشيوعيون قلت كيف . . قال استطاعوا ان يستلموا السلطة مرتين خلال خمس سنوات وعند قراءتي للصحف العراقية ارى كل يوم منجز او قرار لصالح المواطن . في فترة رئاسة البكر كان التطور مستمرا واثبت صحة ما قاله وادعاه وكان ذلك واضحا من خلال البناء الشامل في المجال الاقتصادي والزراعي والصناعي والبنية التحتية والجهد والفعل العسكري الذي كان واضحا على الجبهتين السورية والمصرية في حرب 1973 مع العدو الاسرائيلي . بطولات وفعل عسكري عظيم ومتميز في ” تل عنتر وجبل الشيخ والدفاع عن القنيطرة ” وعلى الجبهة المصرية في تدمير القوات الاسرائيلية في الضربة الاولى التي قام بها الطيران العراقي اسراب الهوكر هنتر المتواجدة في قواعدها العراقية في مصر على خط الجبهة لقناة السويس مقابل خط حاييم بارليف ” المحصن تحصين عالي

بعد تنازل احمد حسن البكر عن السلطة واستلامها من قبل نائبه ” صدام حسين ” في عام 1979 ــ 2003 . . .

صدام حسين . شخصية مثيرة للجدل من منحدر فلاحي تمتاز بالشجاعة والنخوة عانى من شظف العيش مثل بقية المجتمع الريفي العراقي لا ماء صافي ومعقم ولا كهرباء . كان عارفا بشكل دقيق بالشخصية العراقية وطموحها وتطلعاتها . لقد ابدى صدام حسين تفهما حقيقيا لاحوال الناس البسطاء اكثر من اي زعيم آخر في تاريخ العراق ، وكان على قدرة عالية للتناغم مع المجتمع العراقي بكل اطيافه وبشكل كبير ومثير وملفت للنظر . وان عدد من زعماء الدول العربية يقلدونه في ذلك . كان صدام يتناغم مع مشاعر الفرد العراقي وارضاء طموحه ، فالفرد العراقي يحب الظهور بمظهر الانسان الراقي المتطور المتمكّن ويعشق التفاخر . وكما يقول المثل في اللهجة العراقية ” يحب الكشخه ” والمظهرية بالحال الاحسن والافضل في وسطه الاجتماعي . امثلة على ذلك قام بالغاء قانون العمل وحول جميع عناوين العمال الى موظفين ، فالعراقي يحب عنوان موظف ولا يحب عنوان عامل . وسمح للضباط المتقاعدين بأرتداء ملابسهم العسكرية وحمل رتبهم متى يشاءون ذلك وهذه اصلحت من نفسيتهم كمتقاعدين من الخدمة . وغيرها الكثير .

كان صدام مسؤولا للجهاز المخابراتي الحزبي في النضال السري ” جهاز الحنين ” وضل رئيس مكتب الامن القومي العراقي لحزب البعث العربي الاشتراكي بين عامي 1975 و 1979 ، ضرب اسرائيل بتسعة وثلاثون صاروخ ارض ارض وكانت تستحق اكثر من الف صاروخ . قلت في ذلك ” وحق الي خلق بغداد والجن * صواريخك بصدر العدو ولجن ” لان ضرب اسرائيل ” القاعدة العسكرية السكانية ” معناها ضرب جميع الدول الاستعمارية وعلى رئسها امريكا زعيمة الاستعمار الحالي . كان يميل للحالة العربية واحيانا يفضلها على الحالة الوطنية العراقية .

صدام حسين . لم يكن نبيا ولا معصوما من الخطئ . اجتهد فيصيب احيانا واحيانا يخطئ . . . كان دكتاتوريا ارضائيا . والدكتاتورية الارضائية تحاول تقريب وجهات النظر لمصلحة العراق من جميع اطرافه دون المساس بالوطنية والاستقلال والحفاظ على مصلحة العراق وشعبه وتعزيز امنه واقتصاده . عمل على ازاحة من ساهموا بتغيير الحكم لصالح حزب البعث من غير البعثيين مثل حردان عبد الغفار التكريتي وعدد من القادة حين ذاك . وعمل على تصفية كل من يعارضه . كان يخشى من الانقلاب عليه فسلّم امور القيادات المهمة الى افراد عائلته واقربائه مثل اخوته برزان ابراهيم الحسن وسبعاوي و وطبان وابنائه عدي وقصي وعمه علي حسن المجيد و ابن عمه حسين كامل . الله يرحمهم جميعا . العراقيون بطبيعتهم يحتاجون الى الدكتاتورية والقرار السريع الحازم تحت ظل العدالة ، وهذا ما شاهدناه عبر تاريخهم والى الآن والحاضر المعاش دليل على ما نقوله .. هناك مقولة عراقية متداولة تقول ” لا يفيد العراق الا اثنين الحجاج وصدام حسين ”

اخطئ عند غزوه الكويت . وكان اغلب العراقيين غير مقتنعين بذلك ويرددون مقولة ” غلطة العاقل كبيرة ” ليسوا مقتنعين بعدم خطأ النظام الكويتي تجاه العراق وشعبه كونهم يدركون تماما ان الوقت غير مناسب لهذا استغلهم وهم في حالة حرب مع ايران وبدافع امريكي . وفات على صدام كون الكويت شرك ومصيدة له نصبتها امريكا . العراقي بدوي ولا يتخلى عن ثأره ابدا لكنه لا يستعجله وله مثل في ذلك ” كان رجلا يطلب ثأرا وعندما اخذ ثأره بعد عشرين سنة عض ابهامه وصاح بألم آخ مع الاسف تعجلت في أخذ الثار ” العراقي بطبعه كريم ومتسامح لكنه عنيد وشجاع على من يحاول الايغال بعداوته . والشعب العراقي لن ينسى ابدا عدوان امريكا واسرائيل وحكام الكويت والنظام الايراني وعملائهم من العراقيين . وسوف ينتقم الشعب لكرامته حتى ولو بعد حين وهذا وعد . صدام حسين لم يكن عميلا لأحد واعدامه واعدام ولديه اثبات على ذلك . كان عليه ان يتنازل قليلا من ” ثورة مراجله ” لخاطر شعبه والرأفة به وأني على يقين ان الشعب كان سيعرف ويقدّر ذلك حق قدره لكن وكما يقول المثل العراقي ” البيك ما يخليك ” نسأل للجميع الرحمة ونحمد الله على كل شيء . ما اراده الله كان وما لم يريده لايكون . سبحانك الله تزيل وتثبّت النعم بأمرك ولا حول ولا قوة الا بك ومنك سبحانك .

أحدث المقالات