19 ديسمبر، 2024 3:18 ص

ارهاب طائفي بامتياز

ارهاب طائفي بامتياز

منذ اشهر , تتعرض بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية الى حملة ارهابية تذكرنا بحملات المقبور ابي مصعب الزرقاوي , فمع ان المتابع للحالة العراقية لا يسجل في مفكرته انْ مر يوم بالعراق دون جريمة ارهابية , لكنه يسجل تصاعد الهجمة الارهابية حتى بات رقم ثلاث سيارات مفخخة في اليوم الواحد صغيرا , او يعد استقرارا امنيا اذا قيس بعشر سيارات او اكثر في اليوم الواحد تضرب العاصمة بغداد فقط ومعها عدة من سيارات اخر تضرب محافظات الوسط والجنوب والحصيلة مئات الشهداء والجرحى .
     التدقيق في خريطة المدن المستهدفة بهذا القتل الجماعي والابادة البشرية يحيلنا الى راي قاطع لاريب فيه , ان المستهدف بالابادة هم شيعة العراق , وهم اغلبية سكانه , فمدينة الصدر , والشعلة , وبغداد الجديدة , والكمالية , وابي دشير والحسينية , والمعامل , والكاظمية , وغيرها عشرات الاقضية والنواحي في بغداد شيعية الانتماء , والقتل الجماعي لسكانها انما هو ابادة جماعية لهذه الطائفة , وقد يجادل في ذلك احد ما بان مدنا في نينوى والانبار وصلاح الدين مازالت يطالها الارهاب ايضا بجرائمه , فلماذا التمييز بين هذه وتلك ؟ .
    نقول باطمئنان للذي يجادل في ذلك ومن خلال رصد الواقع : ائتنا بيوم واحد شهدت فيه تلك المحافظات الثلاثة تفجير ثلاث عشرة سيارة مفخخة واكثر في اسواقها ومدارسها وساحاتها العامة ومتنزهاتها . اننا لانقلل من شان الارهاب في اي مكان من العراق , ولانفرق بين الدم العراقي , ولكن من الظلم ان نساوي بين اغتيال مسؤول في الموصل لانه جزء من الحكومة وبين عشرات الاطفال يذبحون في مدرسة ابتدائية في تلعفر لانهم من الاغلبية الشيعية مع ان المجرم الذي استهدف المدرسة الابتدائية في تلعفر قادر على ارتكاب جريمته ضد مدرسة ابتدائية في غير تلعفر ومكونها الطائفي , لكن الذي منعه هنا وامره هناك فتاوى تكفير الشيعة واستباحة دمائهم التي تصدر من رجال دين الوهابية والقاعدة في العراق وخارجه .
      قد يكون من نافلة القول وفضول الكلام التعرض للمسؤول عن هذا الارهاب الاعمى لكثرة ما قيل فيه على مستوى التصدي له او الجهات المتورطة فيه , لكنني ساصارحك قارئي العزيز برأيي وقد تشاطرنيه بان التصدي للارهاب مسؤولية الجميع :
1 – المرجعية الدينية , بتحذير قوي يوجه للقوى التكفيرية وحاضنتها يضع النقاط على الحروف من استهداف الشيعة ومحاولة ابادتهم في العراق وكأنهم يعيشون عصر معاوية او الحجاج فلا حول لهم ولاقوة . قرأت لاحد المراجع ان الجهاد يعلن عندما يتعرض الاسلام وديار الاسلام للخطر , وبما انني لست فقيها ولانصف , ولاربع مرجع فلا اناقش المبنى الذي قام عليه هذا الراي , ولكن من حقي ان اتساءل فيما اذا كان الدفاع عن الانسان المظلوم الذي يذبح بدم بارد يقتضي الجهاد , واتساءل عن قيمة الجهاد دفاعا عن ديار خلت من اهلها المؤمنين ؟ . ربما يفهم من تلك التساؤلات انها دعوة للجهاد ضد الاخر , لا , ليس الامر كذلك , وانما اريد ان اعرف ستراتيجية الدفاع عن جماهير الشيعة والتشيع في العراق التي تتبناها المراجع الدينية , مالونها ؟ ما شكلها ؟ .
2 – رئيس الوزراء , باعتباره القائد العام للقوات المسلحة وجميع الاجهزة الامنية , عليه تطوير ستراتيجية الحكومة في مواجهة الارهاب وعدم الالتفات للصوت النشاز ومحاسبة القيادات الميدانية للاجهزة الامنية التي لم ترتفع الى مستوى الخطر المحدق واستبدالها باخرى كفوءة ومخلصة من العناصر التي واجهت الدكتاتورية ببسالة وايمان . وانقل للسيد رئيس الوزراء تصريحا لرئيس الحكومة البريطانية قال فيه : لاديمقراطية ولا حقوق انسان عندما يتعلق الامر بامن البريطانيين . 
3 – مجلس النواب , برفع الحصانة عن اعضائه المتورطين في دعم الارهاب , وبابتعاده عن عرقلة عمل الاجهزة الامنية , وان يكف اعضاؤه عن التصريحات اللامسؤولة المستهترة بالدماء . الكتل البرلمانية ترسم خططها استعدادا للانتخابات وتبرم تحالفاتها كذلك , فراجت سوق المجاملات السياسية على حساب امن المواطن . قال لي احد الاصدقاء : ان اكثر اعضاء المجلس سافروا خارج البلاد لقضاء عطلة العيد بين اسرهم في الخارج , فاجبته : واسرنا ايضا استعدت لاستقبال العيد ولكن لزيارة قبور شهدائها في مقبرة النجف الاشرف .
4 – القضاء , بانزال العقاب الصارم والسريع بالعناصر الارهابية . وهذا لن يكون دون تطهير القضاء من قضاة البعث والقضاة المفسدين .
5 – وسائل الاعلام , بابتعادها عن الغرضية في عملها , وان تعمل بمواثيق الشرف الاعلامي . الاعلام عندنا يغري بارتكاب الجريمة , وهو اما طائفي او حزبي او عنصري او يعمل لحساب جهات ذات اهداف محسوبة في العراق , وما صار كذلك لو عملت الحكومة بمبدأ حماية المواطن وامنه من ارهاب وسائل الاعلام , وما صار كذلك لو عملت نقابة الصحفيين وهيئة البث والارسال برسالتها الوطنية . 
6 – المواطن , بالرصد والابلاغ والتعاون مع الاجهزة الامنية , وبالابتعاد عن البكائيات الذليلة التي تغري الارهاب بارتكاب المزيد من الجرائم , عندما يقع تفجير ارهابي تتسابق الفضائيات لرصد فعل المواطن فيصرح بعضهم بمذلة ويبكي امام الكاميرا : ( شنو ذنبنا , ناس على باب الله , والله مابينه اذيه على احد , الله يرضه يسوون بينه هذا ) , واعتقد ان مثل هذا الشخص بطن الارض خير له من ظهرها , ان هذا الانكسار النفسي هو مايريده الارهاب , وهو تبحث عنه بعض الفضائيات المشبوهة . وماذا على هذا المواطن لوقال : ( ان قتلوا منا عشرة يولد منا الف , اذا كان سلاحهم المفخخات فسلاحنا زحف مقدس على اوكارهم , لايهمنا وقعنا على الموت ام الموت وقع علينا , وهكذا نتحدث بلغة الحسين (ع) وانصاره ) . 
ملاحظة : قال السيد صالح الحيدري رئيس ديوان الوقف الشيعي ان الإرهاب في العراق لا يميز بين مكون او طائفة دون أخرى , وإنما ماكنته تحصد الإنسان البرئ مهما كانت توجهاته……
( معقولة السيد لابس نظارة سوداء الى هذا الحد , سيدنا الارهاب اذكى من سماحتكم ويميز بدقة بين اهدافه ) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات