23 ديسمبر، 2024 12:50 ص

ارهاب الدولة في ظل نظام القطبية الواحدة 3 ـ 3

ارهاب الدولة في ظل نظام القطبية الواحدة 3 ـ 3

قانون ( العدالة ضد رعاة الارهاب ـ جاستا) : نموذج جديد لإرهاب الدولة
لا تكتفي الولايات المتحدة بممارسة الأشكال المعروفة بارهاب الدولة، كدعم المنظمات الإرهابية وممارسة الدبلوماسية كأداة قسرية اضافة للتحركات العسكرية وغير العسكرية والعقوبات الاقتصادية التي شملت في العصر الحديث دولاً تمتد من كوبا إلى فنزويلا وكوريا الشمالية وإيران، والعراق الذي خضع لأقسى عقوبات، بعد غزو الكويت، وغيرها من الدول التي طُبقت العقوبات الاقتصادية في حقها بمستويات مختلفة بهدف اجبارها لتغيير سلوكياتها، بل تخترع أشكالا جديدة من إرهاب الدولة، كان من أبرزها اصدار قوانين أمريكية خاصة بهدف ابتزاز الدول واجبارها للخضوع لارادتها، ومن أهم هذه القوانين، قانون ( العدالة ضد رعاة الارهاب ـ جاستا) كنموذج جديد لارهاب الدولة التي تمارسه الولايات المتحدة. ومن أجل توضيح العلاقة بين هذا القانون وإرهاب الدولة سيتم تسليط الضوء على مقدمات ومضامين القانون وأهدافه وإشكالياته، وتأثيره على سيادة الدولة الوطنية.

المحور الاول، مقدمات ومضامين قانون جاستا
أولاً، مقدمات القانون
ـ العقوبات المنفردة التي فرضتها الولايات المتحدة على الدول المعارضة لسياستها الخارجية، كأحد وسائل معاقبة الدول التي تقف مواقف مستقلة في العلاقات الدولية خلال فترة الحرب الباردة، وأول هذه العقوبات، التي فرضت على كوبا بعد انتصار الثورة الكوبية 1961، وهي مستمرة لحد الآن رغم إدانة المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة التي توكد على عدم شرعية العقوبات في اجتماعاتها السنوية.
ـ عام 1996 أصدرت الولايات المتحدة تشريعا باسم «هلوز بولتن» يكاد يكون مطابقا لتشريع جاستا، ضد كوبا، بعد فترة تم الغاء القانون، بسبب رفضه من قبل الاتحاد الاوربي ودول امريكيا اللاتينية ودول اوربية أخرى.
ـ قانون الأستثناء من الحصانة السيادية 1996

ينص هذا القانون على استثناء الدول من الحصانة السيادية، إذا صنفت من قبل وزارة الخارجية الامريكية، بانها دول داعمة الإرهاب. وصدر هذا القانون بعد حادثة أوكلاهاما، وصنفت بموجبه، سوريا، السودان، وإيران، كدول راعية للإرهاب.

بدأ التفكير باصدار قانون ” جاستا” عام 2009، واستمرت المناقشات في الكونغرس والإدارة الأمريكية حتى 2015، حيث تم وضع الصيغة الحالية، بعد السماح بنشر القسم المحتجب من تقرير المخابرات الأمريكية عن أحداث سبتمبر 2001.
ـ إن عدم موافقة إدارة، أوباما على القانون، ليس بسبب رفضها للقانون، بل بسبب الاحراج الدبلوماسي الناتج عن استهداف دول معروفة بصداقتها للولايات المتحدة، على الرغم من أن رفض فيتو الرئيس من قبل الكونغرس الأمريكي، بأغلبية تشبه الإجماع 97 من 100 عضو في مجلس الشيوخ، و 338، من 435 في مجلس النواب، يعتبر سابقة غير معهودة في العلاقة بين الكونغرس والرئاسة الأمريكية، حيث لم يرفض فيتو لأوباما خلال فترة رئاسته التي إستمرت لثمان سنوات، كما لم يعارض الكونغرس استخدام الفيتو من قبل الرؤساء المتعاقبين على البيت الأبيض الأمريكي منذ 1983.
ثانياً، مضمون قانون جاستا
صدر القانون في 17 /5/2016 تحت أسم العدالة ضد رعاة الإرهاب، ويتكون من سبع مواد، عبرت المادة الأولى عن اسمه “قانون العدالة في مواجهة رعاة النشاط الإرهابي” وتشير المادة الثانية، إلى خلاصة القانون والغرض من إصداره وتتكون من بابين ( أ و ب) واعتبرت المادة الثانية، “الإرهاب الدولي مشكلة خطيرة تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدةالأمريكية”.
فيما اعتبرت الفقرة الثانية، أن الإرهاب الدولي يؤثر سلباً على حركة التجارة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يلحق ضرراً بالتجارة الخارجية وينسف استقرار السوق ويضيق على حركة سفر المواطنين الأمريكيين إلى خارج البلاد، وعلى قدوم الزائرين الأجانب إلى الولايات المتحدة.
أما الفقرة 7، أ، من المادة الثانية، فتشير إلى أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مصلحة حقيقية في توفير الأشخاص أو الجهات التي تتعرض للإصابة جراء هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة حق المثول أمام النظام القضائي الامريكي من أجل رفع قضايا مدنية ضد أولئك الأشخاص أو الجهات أو الدول التي قامت بتقديم دعم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أشخاص أو منظمات تعتبر مسؤولة عن الإصابات التي لحقت بهم.
أشارت الفقرة ب، من المادة الثانية إلى الغرض من القانون:ـ
توفير أوسع نطاق ممكن للمتقاضين المدنيين تماشياً مع دستور الولايات المتحدة للحصول على تعويض من الأشخاص والجهات والدول الأجنبية التي قامت بتقديم دعم جوهري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأفراد أو منظمات تعتبر مسؤولة عن أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة.

أما المادة الثالثة، مسؤولية الدول الأجنبية عن الإرهاب الدولي الممارس ضد الولايات المتحدة

واهم ما تحتويه هذه المادة الفقرة ب التي تلغي حصانة الدول ” لن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطة القضائية للمحاكم الأمريكية في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالة وفاة تحدث في الولايات المتحدة وتنجم عن:
ـ فعل من أفعال الإرهاب الدولي يتم في الولايات المتحدة؛
ـ عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغض النظر إذا كانت العمليات الإرهابية حدثت أم لا.
الفقرة ج من المادة الثالثة، أعطت الحق للمواطن الأمريكي تقديم دعاوى ضد دولة أجنبية.
المادة الرابعة، تتحدث عن ، المسؤولية والتحريض في القضايا المدنيةالمتعلقة باعمال الإرهاب.
وتحدثت المادة الخامسة، من القانون عن وقف الدعاوى لحين انتهاء المفاوضات مع الدول، ويقول نصها:
” تملك المحاكم سلطة قضائية حصرية للبت في أي قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للقضاء الأمريكي، كما يحق للمدعي العام التدخل في أي قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للسلطة القضائية للمحاكم الأمريكية، وذلك بغرض السعي لوقف الدعوى المدنية كلياً أو جزئياً”. .

ومنح القانون المحاكم الأمريكية حق وقف الدعوى ضد أي دولة أجنبية إذا ما شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة تشارك بنية حسنة مع الدولة الأجنبية المدعي عليها بغية التواصل إلى حلول للدعاوى المرفوعة على الدولة الأجنبية أو أي جهات أخرى مطلوب إيقاف الدعاوى المرفوعة بشأنها.
وحدد القانون مدة إيقاف الدعوى بأن لاتزيد عن 180 يوماً، كما يحق للمدعي العام مطالبة المحكمة بتمديد فترة إيقاف الدعوى لمدة 180 يوماً إضافية.
المادة السابعة: تاريخ سريان القانون: يشمل القضايا المدنية التي لم يبت فيها أو تم البت فيها في أو بعد صدور القانون، الناشئة عن ضرر لحق بشخص او ممتلكات أو باعمال في أو بعد 11 سبتمر 2001. بمعنى سريان القانون بأثر رجعي.
المحور الثاني، أهداف القانون وإشكالياته

أولاً، أهداف القانون
يعتبر القانون، أحد وسائل تحقيق استراتيجية الولايات المتحدة الخارجية المتمثل بـ ” إستبدال الشرعية الدولية بشرعية أطلسية/ أمريكية وقوانين أمريكية عابرة لحدودها الوطنية”().
ـ جزء من محاولات السيطرة على الدول التي يمكن ان تستفيد من تغير ميزان القوى في العلاقات الدولية التي بدات بوادره بعد مساعي الدول الرأسمالية الناهضة كروسيا والصين والهند لاقامة علاقات دولية تقوم على احترام الشرعية الدولية واحترام سيادة الدول الاخرى وعدم التعدي عليها.
ـ أحد وسائل الضغط غير المباشر على الدول التي تعارض السياسة الأمريكية.
ـ أكدت التجربة صعوبة التأكد من إدعاءآت الاتهام بالإرهاب بعد أن أصبح، آفة خطيرة تهدد المجتمع الدولي، وتحت ذريعة مكافحته، يمكن أن يستغل قانون جاستا كأحد وسائل الدول الرأسمالية الكبرى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى.
أ، الأهداف السياسية
خلال الاحتجاجات الشعبية في بعض البلدان العربية، ظهر اختلاف في المواقف من تطور الاحتجاجات بين الولايات المتحدة وبعض دول الخليج العربي، فالولايات المتحدة دعمت الأخوان المسلمين في ليبيا ومصر، وأصبح الاختلاف بيناً بعد اسقاط حكم الأخوان في مصر، حيث اتخذت المملكة العربية السعودية، موقفأ داعماً للسلطة الجديدة، بسبب تغير تحالفات الأخوان الإقليمية والدولية ( تركيا والولايات المتحدة).
هنالك شواهد كثيرة على عدم مصداقية التهم التي تقدمها الولايات المتحدة ضد الدول الاخرى، على سبيل المثال، زعمت الولايات المتحدة ان العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وعلى علاقة بتنظيم القاعدة، كمبرر لغزو العراق، ولكن لم تستطع اثبات تلك المزاعم على الرغم من احتلالها المباشر للعراق لمدة ثمان سنوات.
كذلك فيما يتعلق بالمزاعم عن محور الشر” العراق، إيران وكوريا الشمالية” الذي تتغير الدول التي يتشكل منها تبعاً لتغيير السياسة الامريكية، فعلى سبيل المثال تم رفع إيران من قائمة محور الشر على الرغم من عدم حصول تغيير في سياسة إيران فيما يتعلق بحقوق الإنسان أو سياستها الخارجية.
بمعنى أن الاتهامات تأخذ صبغة سياسية في أغلب الاحيان، وليست قانونية، لذلك، فأن تفسير القانون يوفر الذرائع لاضفاء صبغة قانونية على التهم السياسية.
ختاما، لا يخرج القانون عن هدف توفير الظروف المناسبة، لتفكيك دول الخليج العربي، خاصة العربية السعودية، التي مازالت متماسكة ولم تشملها رياح الفوضى الخلاقة، باستثناء محدود التأثير في البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.

ب ـ الأهداف الاقتصادية
إشارت المادة الثانية، إلى الدوافع الاقتصادية لصدور القانون
” أن الإرهاب الدولي يؤثر سلباً على حركة التجارة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يلحق ضرراً بالتجارة الخارجية وينسف استقرار السوق ويضيق على حركة سفر المواطنين الأمريكيين إلى خارج البلاد، وعلى قدوم الزائرين الأجانب إلى الولايات المتحدة. ”
تعني هذه المادة مقدمة لتوفير شروط أفضل لمواجهة صعوبات اقتصادية محتملة يمكن أن تواجه الاقتصاد الأمريكي خلال المرحلة القادمة، خاصة ان الاقتصاد الأمريكي لم يتعافى من آخر أزمة اقتصادية. ومما يعزز الدوافع الإقتصادية للقانون، نشير إلى أن رجال المال والشركات الاحتكارية الكبرى، هي التي تتحكم بالقرارات الاستراتيجة، وليس الإدارة الأمريكية او الكونغرس، لذلك اتخذ القرار باغلبية تفوق الثلثين وهو نادرا ما يحدث، خاصة وإن الدول المستهدفة بالقانون تمتلك ودائع كبيرة في البنوك الأمريكية( تقدر الودائع السعودية حولي 850 ميار دولار) ().
كما تتضح الاهداف الإقتصادية من القانون، بالارتباط بالممارسات السابقة للقضاء الامريكي، الذي حكم بفرض تعويضات على ليبيا، بسبب حادثة لوكربي بحدود 2.7 مليار دولار، وكذلك فرض القضاء الامريكي على إيران، دفع تعويضات بحوالي خمسون مليار دولار عن مزاعم اتهامها بالمسؤولية المباشرة وغير المباشرة، عن أعمال إرهابية حدثت في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، على أعتبار أن إيران مشمولة بقانون استثناء الدول من الحصانة السيادية الذي صدر عام 1996، بعد تصنيفها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بإنها ضمن الدول الداعمة للإرهاب. ويقدر الخبراء تعويضات 11 سبتمبر بـ 900 مليار دولار كحد أدنى().
ثانياً- دلالات قانون جاستا
ـ القانون تعبير عن نزعة الهيمنة الأمريكية على العالم، فبدلا من فسح المجال لعمليات العولمة أن تحدد مسار التطور في العلاقات الدولية، وما يتطلبه ذلك من صياغة آليات وقوانين ناظمة لهذه العمليات تنال اعتراف المنظمات الدولية ودول العالم والتي بدات ملامحها في تشكيل عدد من المؤسسات الدولية، كاتفاقية الجات، المحكمة الجنائية الدولية ، اتفاقية البيئة وغيرها، فبدلا من كل ذلك صدر القانون ليختصر هذه العمليات بقانون أمريكي ليس له صفة دولية.
ـ تعبير عن عدم قدرة الولايات المتحدة من اقناع دول العالم بحلولها لمكافحة الإرهاب، لجأت لاصدار قانون خاص بها لهذا الغرض الذي يعبر عن رؤية إحادية الامر الذي يعقد جهود المجتمع الدولي للوصول إلى رؤية مشتركة قانونية ـ سياسية لمكافحة الإرهاب والحد من إنتشاره.
لقد سبق وان جربت الولايات المتحدة أسلوبها المنفرد في مكافحة الإرهاب، الذي يركز على استخدام القوة والعقوبات حيث أثبت الأحداث فشله بعد غزو أفغانستان بعد احداث 11 سبمتبر 2001 وغزو العراق عام 2003، بحيث أصبح الإرهاب أكثر شراسة وإنتشارا.
ـ يعبر القانون عن فشل العقوبات الاقتصادية، الدولية والمنفردة، لأن التجربة أثبت ضعف فعاليتها، على الرغم من تأثيرها المحدود على اقتصاديات الدول، كوبا، إيران، كوريا الشمالية.
ـ يعبر القانون، عن غياب المرجعية الدولية فيما يخص، حل الأزمات الدولية، كتعريف الإرهاب وأسلوب مكافحته.
ـ ان القانون، يرمي إلى تهميش السيادة الوطنية للدول النامية، وهو تجسيد لموقف الليبرالية الجديدة من السيادة الوطنية.
ـ يعبرعن نزعة العولمة الأمريكية للهيمنة على الدول الأخرى، متخذة من مساندة الدول الخليجية، لمنظات السلفية الجهادية الإسلامية، ذريعة لإبتزازها وفرض الشروط عليها بهدف الخضوع للمصالح الأمريكية الخاصة.
ـ يعبر القانون عن فشل نظام الامن القومي الأمريكي في توفير حماية لمواطنيه، وللتغطية على هذا الفشل تُحمل، الدول الاخرى المسؤولية باتهامها بالوقوف وراء الاعمال الإرهابية التي تستهدف المواطنين الامريكيين، باجبار هذه الدول على دفع تعويضات عن خسائر يتحملها فشل نظام الحماية الأمنية الامريكي.
ثالثاً، إشكاليات القانون

ـ القانون تعبير فاضح عن إزدواجية المعايير في موقف الولايات المتحدة من القانون الدولي، وتتضح هذه الإزدواجية، في اختلاف الموقف الأمريكي من قرارات الشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة ومنظماتها، حيث تدعم القرارات التي تتماشى مع مصالحها الخاصة، وترفض ما يتعارض معها، فعلى سبيل المثال، عارضت كل قرارات الأمم المتحدة، الخاصة بعدم شرعية الإستيطان الإسرائيلي، وكذلك بعدم شرعية العقوبات المفروضة على كوبا. كذلك رفضت قرار محكمة العدل الدولية حول عدم شرعية الحصار البحري على نيكاراغوا، وكذلك استخدمت حق النقض لـ 71 مرة ضد قرارات مجلس الامن التي لا تتفق مع مصالحها، وتفسر هذه السياسة بالقول: ” نحتفظ لأنفسنا بالحق في تقرير إن كان لمحكمة العدل الدولية سلطة قانونية علينا في شأن أي قضية”().

إذاّ هذا الموقف من القرارات الدولية يكشف ازدواجية معايير الولايات المتحدة من القانون الدولي، ففي الوقت الذي ترفض الإعتراف بالقرارات الصادرة من الشرعية، ضد سلوكها ضد الدول الاخرى، تحت حجة” أن الولايات المتحدة لا تقبل السلطة القانونية الملزمة في شان أي قضية تتعلق بالشؤون المحلية التي تقع أساسأ ضمن السلطة القضائية المحلية للولايات المتحدة “(). بمعنى تعتبر السلوك الامريكي ضد الدول الأخرى شأنا محلياً يخضع لولاية القضاء الأمريكي. وبنفس الوقت تصدر قانونا وطنياً، يسري مفعول تطبيقه، على الدول الاخرى. وبهذا المعنى يمكن اعتبار قانون جاستا، تعبير عن عالم القوة وليس عالم القانون الدولي، وهناك فارق كبير بين مكونات القوة والقواعد القانونية التى توافقت عليها الدول().

ـ خرق أساس العدالة القانونية

صدر القانون في عام 2016 ويمكن أن يطبق على وقائع وأفعال قد حدثت في 11 سبتمبر/‏‏‏أيلول 2001 وينص على سريانه بأثر رجعي، ويعتبر ذلك مخالفة لأحد الأسس القانونية المتعمدة في صياغة القوانين المحلية أو الاتفاقيات والقوانين الدولية، لأن القانون يطبق على المخالفات التي وقعت أثناء سريانه باعتبارها مخالفة قانونية أما قبل سريانه فإنها لن تكون مخالفة قانونية، وهذا المبدأ هو أحد أساسيات العدالة القانونية.

ـ من إشكالية القانون الأساسية، أمركة القضاء والقانون العالميين، بحيث يحدث لأول مرة في التاريخ، أن تقوم هيئة تشريعية وطنية، باصدار قانون يخص كل الدول.

ـ تسييس العدالة
بمعنى إن تطبيق القانون يخضع لمتطلبات السياسة وليس تحقيق العدالة، لان تطبيقه، أي قانون جاستا، يتم بناء على الموقف السياسي لهذه الدولة أو تلك من السياسة الخارجية الأمريكية، ففي حالة تجاوب هذه الدولة مع المصالح الخاصة للولايات المتحدة، فإنها تعفى من تطبيق القانون، والعكس فأنه يطبق على الدول التي تعارض هذه السياسة. خاصة وان الفقرة ” ج” من المادة الخامسة، تعطي لوزير الخارجية الأمريكي، الحق في التأثير على القضاء من خلال الشهادة التي يدليها أمام القضاء، باعتباره شاهد دفاع لصالح الدولة المستهدفة.
كما يعطي القانون الحكومة الفيدرالية الأمريكية سلطات واسعة لوقف الدعاوى المرفوعة ضد دول أخرى بموجب هذا القانون حيث تنص الفقرة ب من المادة الخامسة: ” يحق للنائب العام الأمريكي التدخل في أي قضية تخضع بموجبها دولة أجنبية للسلطة القضائية للمحاكم الامريكية ” بموجب قانون جاستا.
كذلك تزداد إمكانية تسييس العدالة، إذا جرى التشكيك بمصداقية القضاء، وهذا حاصل الآن في الولايات المتحدة حيث توجد شريحة واسعة من السكان تحتج على انحياز القضاء متمثلة بحركة ” «حياة السود مهمة» الغاضبة من النظام القضائي.
كما إن إمكانية تسييس العدالة، يمكن ان تحدث بسبب قيام النظام القضائى الأمريكى على نظام المحلفين وهؤلاء ليسوا قانونيين، وبالتالى يمكن أن يتأثروا بالانطباعات والعواطف والتوجهات السياسية، مثل الإسلاموفوبيا والصورة الذهنية عن العرب عند نظر دعاوى تعويضات الدول الأجنبية ومنها بعض الدول العربية. .
كما أن إمكانية تطبيقه أمام محاكم الولايات وليس المحاكم الاتحادية الأمريكية، الذين ينتخبون” أعني أعضاء محاكم الولايات” من سكان الولاية ولا يعينون بالطريقة المهنية المعروفة وهذا يشكل خطورة أيضا، تدخل ضمن تسييس العدالة.
كذلك يمكن استغلال الشبهات لتنفيذ القانون على سبيل المثال، فيما يخص المملكة العربية السعودية، ففي الوقت الذي برأ تقرير وكالة المخاربات الامريكية المملكة العربية من المسؤولية عن 11 سبتمر إلى ان هناك تقارير أخرى للمخابرات تشير إلى احتمال أن يكون بعض منفذي الهجمات حصولوا على مساعدة بعض المسؤولين السعوديين.
بمعنى ان التهم تقوم على إدعاءات لا توجد أدلة قطعية عليها، ولكن الصياغة الفضفاضة للقانون قابلة للتأويل، من قبيل: مسؤولية غير مباشرة، خطر وقوع الجريمة وليس وقوعها الفعلي، مخاطر الجريمة على الامن القومي، دعم الدول للأفراد عن عمد أو إهمال وغيرها من النصوص الواردة في القانون، بحيث يمكن إخضاع السعودية وبعض دول الخليج العربي للقانون.
ومن الدلالات غير المباشرة، لتسييس العدالة، استغلال ما ورد في القانون عن المسئولية غير المباشرة للدول عن الأفعال الإرهابية، وهذا الامر يمكن أن يشمل بعض الدول التي يسود فيها نوع من الفكر المتشدد الذى تبثه المؤسسات التعليمية والدينية والسياسية الموجودة فى هذه الدولة، وسبل التنشئة السياسية والعقائدية لمختلف المواطنين فى الدولة، فإذا كانت المقررات الدراسية والعقائد الدينية والأيديولوجية تخلق لدى المواطن اتجاهات سياسية نحو التسامح وقبول الآخر والقبول بالتعددية فهو أمر جيد، لكن إذا كانت تؤدى لغير ذلك، فالمسئولية غير مباشرة للدولة عن السلوك الإرهابى().

المحور الثالث: تأثير القانون على سيادة الدولة الوطنية

سيادة الدول تقوم على القانون الدولي، الذي يحدد ملامح النظام الدولي. ويستند القانون الدولي على ميثاق الأمم المتحدة والقرارات التي أتخذت لاحقاً وأحكام محكمة العدل الدولية.

وقد استقرت قواعد القانون الدولي العام بعد الحرب العالمية الثانية، على قاعدتين أساسيتين، الأولى، على عدم جواز التدخل في شؤون دولة أخرى ذات سيادة وأي تدخل في سلطات هذه الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية من دون موافقتها فإنه يعد عدواناً على هذه الدولة، ولا بد من تصدي المجتمع الدولي لمثل هذه التصرفات غير القانونية، والثانية، الاعتراف بالحصانة السيادية للدول الأجنبية، التي تعني أن مواطني الدول المضيفة لا يستطيعون مقاضاة أو محاكمة الدول الأجنبية أو ممثليها. وقد ٌأقرت الولايات المتحدة، في السنوات الأولى لتأسيسها، هذه الحصانة بصورة مطلقة، لدرجة أن المحاكم الأمريكية كانت ترفض حتى الحكم في قضايا يكون أطرافها تجار تابعين لدول أجنبية().

وبناء على قواعد القانون الدولي المشار إليها أعلاه، يؤثر قانون جاستا على سيادة الدولة الوطنية، بالاستناد على العديد من المعطيات، منها:

1ـ خرق القانون الدولي القائم على الحصانة السيادية للدول، وهي قاعدة قانونية دولية أرست أسسها معاهدة وستفاليا 1648،() وعلى أساس هذه القاعدة القانونية يجري التعامل بين الدول التي تلزم ليس المحافظة على سيادة الدولة نفسها بل معاملة الدول الأخرى بالمثل، بمعنى احترام سيادة الدول واعتبار التعدي عليها لأي سبب كان، خرقاً للقانون الدولي.
وقد التزمت التشريعات الوطنية في أغلب دول العالم، باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1975 الخاصة بحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية، ومن بينها التشريع الأمريكي عام 1976 ثم القانون الإنجليزي عام 1978 والكندي عام 1982 والأسترالي عام 1986. كما قامت قامت الدول بالاتفاق على عقد اتفاقيات دولية منظمة لحصانات الدول، ومنها الاتفاقية الأوروبية الموقعة عام 1972 واتفاقية منظمة الدول الأمريكية عام 1983. وفي عام 2004، أقرت الأمم المتحدة إتفاقية جديدة تمت صياغتها من قبل لجنة القانون الدولي.
2 ـ خرق لمبدأ المساواة في السيادة بين الدول الذي أقره ميثاق الأمم المتحدة في مادة الاولى، التي اعتبرت مبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء، مبدأ أساسي، وأن لكل دولة الحق في احترام سيادتها الداخلية والخارجية في حدود الالتزام بأحكام القانون الدولي.

3 ـ خرق الحصانة القضائية للدول

تعتبر الحصانة القضائية للدول أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي، حيث لا يجوز خضوع الدولة للقضاء الأجنبي، ويعتمد هذا المبدأ على المساواة القانونية بين الدول تامة السيادة، أي مبدأ تكافؤ السيادات ، والذي أكد عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة (2/1)، بمعنى أن الدول في تصرفاتها وأفعالها لا تخضع لقضاء ومحاكم دولة أجنبية، لأن هناك احتراماً متبادلاً لسيادة الدول المستقلة. وأيضاً فإن هذا المبدأ يعتمد على قاعدة مستقرة في القانون الدولي وهي عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول فلا تستطيع دولة أن تحصل على حكم ضد دولة أو ممثليها وتجبر الدولة على تنفيذه سواء في أرض الدولة الصادر لديها الحكم أو حتى في أرض الدولة الصادر ضدها الحكم، لأن هذا تدخل في الشؤون الداخلية للدولة.

وبناء على ذلك يعتبر قانون جاستا، خرقاً للحصانة القضائية للدول بتحويله القضاء الأمريكي إلى قضاء عالمي، ويعتبر هذا التوجه من أبرز مخاطر القانون.
4 ـ يخالف القانون الشرعية الدولية التي تلزم كافة دول العالم الاعتراف بشرعية الدول على شؤونها الداخلية وعدم التدخل بها من قبل الدول الأخرى. وجرى تثبيت قاعدة الاعتراف بالشرعية الدولية في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية الفقرة السابعة التي تنص ” على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء ( ليس في هذا الميثاق ما يسوغ ”للأمم المتحدة“ أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع).‏
5 ـ يمهد تنفيذ القانون لفرض العقوبات الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة على الدول الأخرى، تحت ذريعة رعاية الإرهاب، والتي غالباً ما تصبح عقوبات دولية بسبب خضوع الدول الأخرى لها، بسبب الضغوط الامريكية. علماً أن فرض العقوبات المنفردة يخالف قواعد القانون الدولي التي تلزم الدول بأن تمنع ارتكاب الأعمال التي من شأنها أن تسبب إضرارا للدول الأخرى، وفرض الحصار من قبل دولة كبرى، كالولايات المتحدة، يدخل في هذا المجال.
6 ـ من أخطر تأثيرات القانون، إذا جرى تطبيقه، خلق إشكاليات للعلاقات الدولية، تنتج من عدم التزام الدول بالقواعد التي تنظم العلاقات الدولية ، من خلال إصدار دول أخرى قوانين مماثلة ، تطالب بمحاسبة الولايات المتحدة بتعويضات عن الأعمال التي قامت بها ضدها خاصة، كوبا، فيتنام ، نيكاراغوا ، إفغانستان والعراق، حيث سبب الحصار والعقوبات المنفردة التي لا تمتلك شرعية دولية، والاعمال العسكرية والغزو، والتي أدت إلى نتائج كارثية على هذه البلدان، وهذا ما إشار إليه الرئيس الأمريكي السابق في اعتراضه على القانون().

7. مهد القانون لصدور قوانين أخرى، للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى، مثل قانون “فرانك وولف” للحريات الدينية الدولية الذي يجبر الدول على السماح للأفراد بالحريات الدينية والإلحاد وإنشاء دور العبادة وعدم معاقبة الأفراد بسبب تغيير دينهم أو آرائهم الدينية. ويجبر هذا القانون السلطات التنفيذية الأمريكية على اتخاذ عقوبات ضد الحكومات الأجنبية التي تخالف ذلك القانون().

استنتاجات عامة

1. يزداد الإرهاب بالإرتباط مع زيادة إرهاب الدولة، وهناك أمثلة عديدة من واقعنا المعاصر، تؤكد هذا الإستنتاج، حيث أدى إرهاب الدولة الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، والغزو الأمريكي لافغانستان والعراق، التدخل العسكري الفرنسي، في بعض دول غرب أفريقيا، إلى تصاعد نشاط المنظمات الإرهابية

2. وبخصوص قانون جاستا والقوانين الأخرى الخاصة بمكافحة الإرهاب، أرى إنها لا تقدم معالجة لأسباب الإرهاب، بل تعالج نتائج الأعمال الإرهابية، التي يمكن ان تتكرر إذا لم تعالج أسبابها، الاجتماعية والسياسية، بشكل خاص. وهنا يكمن البعد السياسي لقانون جاستا.

3 . إن مكافحة الإرهاب بنحاج، تتطلب سياسة عالمية، نظرا لأن الإعمال الإرهابية غير محصورة بدولة أو قارة محددة، بل تشمل أغلب دول العالم، اضافة إلى أن العنصر البشري الذي ينفذ الأعمال الإرهابية لا يقتصر على دول بعينها، بل منتشر في عدد كبير من الدول، بما فيها الدول الأوربية، حيث تشير التقديرات إلى إن عدد الذين التحقوا بمنظمات السلفية الجهادية في الشرق الأوسط فقط بحدود أربعة آلاف ” الشرق الأوسط 28/1/2017″.

4 . يعتبرغياب المرجعية الدولية الخاصة بمكافحته الإرهاب ، احد اهم العوامل المساعدة لصدرو وإقرار القانون.