17 نوفمبر، 2024 1:51 م
Search
Close this search box.

ارهاب الدولة في ظل نظام القطبية الواحدة ( 2ـ 3 )

ارهاب الدولة في ظل نظام القطبية الواحدة ( 2ـ 3 )

علاقة الولايات المتحدة بالإرهاب الدولي
يحتل موقف الولايات المتحدة من الإرهاب أهمية كبيرة، نظرا لانها من أكثر الدول المتهمة بدعم الإرهاب، وإرهاب الدولة، بشكل خاص، على الرغم من تزعمها الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب في الظروف المعاصرة وكثرة تعرضها للأعمال الإرهابية والتي كانت ذروتها أحداث 11 سبمتر 2001 . ولكي يتم تفكيك هذه الإشكالية سيتم التطرق إلى الأسباب التي أدت إلى ذلك من خلال استعراض علاقة الدول الغربية الكبرى والولايات المتحدة بشكل خاص، باهم أعمال الإرهاب الدولي التي ارتكبت من في مجموعة من الدول في التاريخ المعاصر.

سأل الرئيس الامريكي السابق جورج بوش” لماذا يكرهوننا؟” ويضيف متسائلاً : استيائهم من حريتنا وحبنا للديمقراطية، أو في فشل ثقافتهم الذي تعود إلى قرون عديدة، أو في عدم قدرتهم للمشاركة في شكل العولمة الذي يمكن لهم ان يشاركوا فيه بسعادة().

وبالعودة إلى تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية ـ الإسلامية، فان أسباب كره الشعوب العربية ـ الإسلامية يعود إلى السياسة الأمريكية نفسها وقد عبر ذلك، الرئيس الأمريكي السابق، إيزنهاور، الذي قال في تصريح له عام 1958، لفت فيه نظر الإدارة الأمريكية، عن أسباب كراهية المسلمين للغرب والولايات المتحدة بشكل خاص، يقول ” المشكلة في العالم العربي تتمثل في وجود حملة كراهية ضدنا وهي حملة لا توجهها الحكومات، بل تؤججها الشعوب، التي تؤيد الإستقلال الوطني العلماني “(). وهذا القول هو تأكيد لرأي مجلس الامن القومي الأمريكي، الصادر بالعام نفسه، الذي علل أسباب كراهية العرب والمسلمين للولايات المتحدة، حيث ورد فيه:” تبدو الولايات المتحدة في أعين الأكثرية العربية كانها تعارض تحقيق أهداف القومية العربية، من خلال سعيها لحماية مصالحها النفطية في الشرق الاوسط عن طريق تأييد إبقاء الحال على ما هو عليه ومعارضة التقدم السياسي والاقتصادي”(). وهذا التحليل دقيق حيث استمرت السياسية الأمريكية، بتحقيق مصالحها الاقتصادية والثقافية من خلال إقامة علاقات وثيقة بالنخب الحاكمة في المنطقة التي تترابط مصالها بمصالح مشتركة مع الغرب، بحيث أصبحت ضامنة للمصالح الغربية على حساب مصالح شعوبها وبلدانها.

وهذه السياسية هي السائدة في علاقة الغرب مع الشعوب العربية الإسلامية ، وهي السبب الأساس في تصاعد عداء الشعوب العربية الإسلامية وغيرها من شعوب البلدان النامية للسياسة الغربية. ولتأكيد هذه الأطروحة، ومن أجل إعطاء مصداقية لخطورة إرهاب الدولة، بالمقارنة مع الإرهاب الفردي او الذي تقوم به منظمات او أحزاب، بهدف بث الرعب لتحقيق أهداف خاصة ذات طبيعة سياسية أو اجتماعية او دينية، وارهاب الدولة الخارجي، الذي يهدف إلى ” إحداث التدمير وايقاع الخسائر الكبيرة بالخصم بهدف التأثير على القرار القرار السياسي لدولة “(). نستعرض بعض الممارسات الإرهابية التي قامت بها الدول الغربية في بلدان العالم الثالث بنقاط مكثفة.

أبرز أوجه الإرهاب المعاصر هو استخدام الولايات المتحدة، الإسلحة النووية خلال الحرب العالمية الثانية ضد مدينتي هيروشيما ونجازاكي التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين.

أدى إرهاب الدولة لجنوب أفريقيا العنصرية، المدعوم من الدول الغربية، إلى وفاة حوالي مليون ونصف إنسان، وكذلك إرهاب دولة الخمير الحمر في كمبوديا الذي قتل ، حوالي 3 مليون إنسان، كما ان فضائع الحرب الأمريكية في الهند الصينية، فيتنام وكبوديا ولاوس، خلال السبعينيات، ادت إلى قتل مئات الآلاف من السكان، وهي تعبير مباشر لأحد أشكال إرهاب الدولة.

تاريخياً، تشير التجربة إلى أن الحكومات الغربية، عملت على اضعاف واسقاط كل الأنظمة الوطنية، خلال فترة الحرب الباردة، ، ففي الشرق الاوسط تم اسقاط حكومة مصدق الوطنية في إيران، بسبب مواقفها الوطنية، وخاصة تأميم النفط. كذلك محاولات اسقاط حكم جمال عبد الناصر، سواء بدعم منظمات الأخوان المسلمين المسلحة، أو العدوان الثلاثي 1956، أثر تأميم قناة السويس، أو العدوان الإسرائيلي حزيران 1967.

الإرهاب الفرنسي ضد مقاومة الشعب الجزائري الذي ذهب ضحيته مليون مواطن خلال سبع سنوات 1954 ـ 1961

دعم المنظمات اليمينية المتطرفة في العديد من الدول الأفريقية، الحكومات العنصرية، في روديسيا الجنوبية وجنوب أفريقيا()، إغتيال الزعيم الوطني في الكونغو، باتريس لومببا، ودعم الزعيم اليميني تشومبي، دعم منظمة يونيتا في أنغولا.

كما يعتبر دعم الإنقلاب الفاشي في العراق عام 1963، الذي اسقط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، أحد أشكال الإرهاب الدولي().

دعم الإنقلاب الدموي في أندونسيا عام 1965، بقيادة الجنرال سوهارتو، ضد الحكم الوطني بقيادة أحمد سوكارنو، والذي ذهب ضحيته أكثر من مليون إنسان، الذي كان يحصل على دعم الولايات المتحدة حتى لحظة سقوطه.

وفي أمريكا اللاتنية، بدأ الإرهاب الأمريكي، ضد كوبا، سواء بدعم المنظامات المسلحة المعادية للنظام الوطني، أو بفرض العقوبات الاقتصادية المنفردة التي أدانتها الأمم المتحدة في أغلب دورات الجمعية العامة. و أسقاط حكومة سلفادور اللندي الديمقراطية، حسب المعايير الأمريكية نفسها في شيلي عام 1973، أحد أبرز أشكال الأرهاب الذي مارسته الولايات المتحدة ضد شعوب أمريكا اللاتنينة.

كما نشطت المنظمات اليمينية المتطرفة في كثير من دول امريكية اللاتنية وبدعم علني مباشر من الولايات المتحدة. ومن أبرز النشاطات الأرهابية للولايات المتحدة، دعم عصابات الكونترا وفرص الحصار البحري ضد نيكاراكوا الذي أدانته الامم المتحدة أكثر من مرة، وصدر قرار من محكمة العدل الدولية عام 1986، يعتبر السلوك الامريكي ضد نيكاراكوا خرقا للقانون الدولي.

أما فيما يخص دعم الإرهاب المعاصر، والذي بدأ بعد التدخل السوفييتي في افغانستان 1979، فقد شكل دعم حركات المجاهدين الأفغان، من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، أساس نشوء منظمات السلفية الجهادية المعاصرة التي تغيرت توجهاتها بسبب الاحباط الذي تعرضت له نتيجة السياسة الغربية تجاه الشعوب الإسلامية، المتمثلة بـ:ـ
ـ دعم الغرب للإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
ـ دعم الحكومات العربية المستبدة التي احتكرت السلطة والثورة، فأصبح التفاوت الاجتماعي الكبير والحرمان السياسي محركاً لرفض الواقع واللجوء إلى أساليب غير واقعية للتخلص منه.
ـ تنامي التفاوت الاجتماعي واحتكار نخب قليلة للسلطة والثروة، باسم الديمقراطية، في أغلب الدول الأوربية والولايات المتحدة().

الموقف اللا أخلاقي من الاعمال الإرهابية التي قامت بها الأنظمة الاستبدادية، المدعومة من الدول الغربية، ومثل الموقف من جريمة حلبجة عام 1988 التي ذهب ضحيتها اكثر من خمسة آلاف مواطن كردي نتيجة استخدام النظام الدكاتوري الأسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا. وكذلك ما قامت به الأنظمة العسكرية أو الأنظمة التي تسيطر عليها القوات المسلحة في تشيلي والأرجنتنين وبيرو والبرازيل وأوروجواي وفي أماكن أخرى، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من إرهاب شامل ضد الحركات العمالية والمنظمات اليسارية والديمقراطية، متخذة من التهديد الشيوعي ذريعة لها().
إن الحصار للدولي الذي فرض على العراق، ذهب ضحيته بحدود مليون مواطن عراقي، نصفهم من الأطفال كنتيجة مباشرة للعقوبات الإقتصادية، بعد مضي خمس سنوات على العقوبات، حسب تقرير منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة(). كما تشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات في إفغانستان والعراق، نتيجة الغزو العسكري لهما، يقدر بين مليون و 2 مليون().

أن رفض السياسة الغربية لا يقتصر على الشعوب العربية ـ الإسلامية بل شمل كل قارات العالم، حيث إنتشرت المنظمات المتطرفة “اليسارية” بادر ماينهوف، الجيش الجمهوري السري في أيرلندا، اضافة إلى حركات أخرى، عبرت عن رفضها للواقع، كحركة الانتحار الجماعي، طائفة “جيم جونز” الذي يذهب ضحيتها أكثر من 900 من الرجال والنساء والشباب والأطفال().

من خلال الاستعراض السابق، يتضح لنا أن الإرهاب الدولي يتم تنفيذه بشكلين، الاول، مباشر ويتمثل بالأفعال الإرهابية التي تمارسها الدول بصورة مباشرة من خلال قيام سلطات الدولة أو إحدى أجهزتها أو بعض الأشخاص الذين يعملون باسمها ولحسابها بارتكاب أعمال إرهابية ضد رعايا أو ممتلكات دولة أخرى. والشكل الثاني، غير مباشر، ويتمثل بالأفعال الإرهابية التي تلجأ بعض الدول ضد دولة أخرى بصورة غير مباشرة بما يمكنها من تحقيق أهدافها ويجنبها ردود الفعل والانتقادات الدولية أو اتخاذ أي إجراءات دولية ضدها في حالة لجوئها إلى استخدام وسائل إرهابية مباشرة تعادل أعمال العدوان ويتمثل الإرهاب غير المباشر في قيام الدولة للمشاركة أو تشجيع أو حث أو تحريض أو تستر عليه أو توفير ملاذات آمنة أو تقديم العون والمساعدة والإمدادات إلى الجماعات التي تقوم بالأعمال الإرهابية.
خلاصات

1. نتج عن سياسة الولايات المتحدة في ظل نظام القطبية الواحدة زيادة الاعمال الأرهابية، حيث تشير الأحصاءات أنه خلال السنوات الخمس الاولى، بعد الحملة الامريكية ضد الإرهاب، زادت الأعمال الإرهابية من 1732 عام 2001 إلى 6659 عام 2006().
2. بعد عشرين سنة على احتلال افغانستان، انسحبت الولايات المتحدة وبالاتفاق مع حركة طالبان التي صنفتها الإدارة الأمريكية بإنها حركة إرهابية، الأمر الذي سمح لها العودة للسلطة بعد أن أزيحت عنها بعد الغزو الأمريكي عام 2001، وهذا السيناريو هو تكرار لانسحابها من العراق عام 2011 الذي أدى إلى تمكن التنظيم الإرهابي ” داعش ” الذي ساهمت الولايات المتحدة بانشائه من تكوين دولته على أراضي واسعة من العراق وسوريا وتوسع تنظيمه عالمياً ليمتد إلى عدد من الدول الأفريقية التي ما زالت تعاني من أعماله الأرهابية الكبيرة ().

3.إن أهم ما يعرقل الاتفاق على تعريف دقيق لمفهوم الإرهاب، مساعي الدول الغربية، لتجاهل حق الدول والشعوب في مقاومة العدوان والهيمنة الغربية الغربية والكفاح ضد النظم الإستبدادية من أجل حقوق الإنسان. وقد تجلى هذا الموقف بشكل صريح، عندما رفضت الموافقة على تضمين، حق مقاومة العدوان في القرار 1737 الصادر من مجلس الامن، بعد أحداث 11 أيلول 2001 ، وهو الحق الذي نصت عليه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1975.

4.هناك شكلان للإرهاب، الأول، إرهاب المنظمات، وهو يتمثل بالأعمال والنشاطات الإرهابية بهدف تحقيق أهداف سياسية او ثقافية أو دينية، والثاني، إرهاب الدولة وهو نوعان، أولهما، ارهاب الدولة الداخلي وهو لجوء السلطات الحاكمة إلى العنف الممنهج بكافة أشكاله المادي والمعنوي، بهدف اخضاع المواطنين لمشيئة السلطة، وثانيهما، ارهاب الدولة الخارجي الذي تمارسه الدول، خارج حدود نطاقها الإقليمي، بهدف اخضاع الدول الاخرى لمصالحها الخاصة.

5. يعتبر إرهاب الدولة، الذي تمارسه دول كبرى بالاستخدام المفرط للقوة العسكرية، أكثرأنواع الإرهاب خطورة، في ظل الوضع الدولي الحالي والعلاقات الدولية السائدة، لشمولية تأثيره أعداد واسعة من الناس وتهديد وجود واستقرار شعوب بكاملها، وغالباً ما يؤدي إلى كوارث إنسانية تتعدى نتائجها وأمتداداتها الزمنية، أفعال الإرهاب الفردية أو التي ترتكبها الجماعية المحدودة التي تستنكرها الدول().

6. للتغطية على إرهاب الدولة، يقوم المسؤولون في الدول الغربية، التي تمارس إرهاب الدولة، في القاء الخطب ” الطنانة” حسب تعبير المفكر الأمريكي، نعوم شومسكي، حول الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وأنقاذ الشعوب من شر الانظمة الديكتاتورية والمنظمات الإرهابية التي تروم تدمير الحضارة والمدنية الغربية.

7. تعتبر المعايير المزدوجة من الإرهاب، من أهم ما يميز المواقف الغربية، وخاصة الولايات المتحدة.

 

أحدث المقالات