في زيارتي الى أرمينيا حدثتْ مفارقة او مداخلة قد تدعو للتأمّل من الجانب الظريف او غير الظريف ايضاً ! او حتى مع بعضهما ! ما أنْ حطّت الطائرة بي في مطار العاصمة ” يريفان ” , ومنْ ثَمَّ استكمالي لإجراءات جواز السفر , كانت هنالك في استقبالي فتاةٌ شابّة في غاية الأناقة والرشاقة , بادرتني بالتحدث بلغةٍ عربيةٍ طليقة ! , ومن قبل أن أسألها على طلاقة ولباقة لسانها , عَرَّفَتْ نفسها بأنها أرمنيّة من أصل سوري وحصّلت مع عائلتها على الجنسية الأرمينية مع بدء الأحداث في سوريا , وانها مُكَلّفة لإستقبالي وتهيئة وتسهيل مهمتي الصحفية – السياحية , استقلّينا السيارة المخصصة مُتّجهينَ الى فندق ” بلازا ” حيثُ ساُقيم , في الطريق ما بين المطار والفندق , سألتني الفتاة الأرمنية – السورية : < هل انتَ مسيحي او مسلم ؟ > , وبعدمِ ارتياحٍ لسؤالها الذي لم استسغهُ , اجبتُ بأنني مسلم والحمدُ لله , وَدّعتني عند بوابة ” البلازا ” للقاءٍ آخر .. في الصباح التالي وما أن إنتهيتُ من تناول وجبة الإفطار , وجدتُها في انتظارى في صالة الإستقبال , جلسنا لبعضٍ من الوقت في تبادل الأحاديث العامّة وبضمنها عن تطوّرات الأوضاع في سوريا , لكنها فاجأتني بسؤالٍ اذا ما كنتُ شيعيّاً أَمْ سنيّاً .! ! , إجتَمعَتْ والتقَتْ ” مع بعضها ” كلّ عناصر الإستهجان والإنزعاج عندي وبدا انها ارتسمتْ بشكلٍ شبهِ مجسّم على تقاسيم وجهي وربما جسدي ايضا .! إستدركتُ أمري وأجبتُ بشكلٍ غير مباشر قائلاً : – < وّمَنْ مِنّا جاءَ الى الدنيا وثُمّ إختار مذهبه ! ” شخصيّاً ” لا يهمّني إنْ كُنتِ ارثودوكسية او بروتستانتية وما الى ذلك , إعتذرتْ الفتاة الشابّة مُبرّرِةً سؤالها بأنه منْ بابِ حُبّ الإستطلاع لا غير .!
اثناء فترة مكوثي في ” البلازا ” نشَأتْ علاقة نوعيّه وسريعة بينَ مدير إدارة الفندق وبيني , الرجلُ يجيدُ التحدّث بعدّة لغاتٍ , ومنْ طرافة الإنسجام بيننا , امست الحالة أنْ احدّثهُ بالأنكليزية فيجيبني بلغةٍ اخرى , والعكسُ بالعكسِ ايضاً ” بالرغمِ منْ محدوديّة وضآلة اللغات التي اُجيدها بتواضعٍ وبِفُقرٍ مُدقع , إنّما ذات مرّه سألني إذا ما كنتُ شيعيّ او سنّي .!؟ , إمتعَضتُ وقلتْ : لا أنتمي ولا اعترف بكلّ المذاهب الأسلاميّة والمسيحيّة كذلك , ثمّ إنسحبتُ .! , في عودتي للفندق هرعَ الرجل نحوي واعتذر قائلاً : < انه كان بصدد التحادث عن الصراعات المذهبية في دول الشرق الأوسط وخشيَ أن اكون متحسّساً لمذهبٍ انتمي له ! > , تقبّلتُ اعتذاره انما لم اكن مقتنعاً لذلك مئة بالمئة .!
في اليوم التالي كان لي لقاء مع صحفيٍّ صديق من جريدة ” ARMENIA NOW ” التي تصدر بالأنكليزية , ودونما سردٍ لتفاصيل اللقاء , فأنّ اهمّ اسئلتي له كانت < حول ما اتعرّض له عن رغبة الأستفسار عن كوني شيعيّاً او سنيّاً – وقد تعرّضتُ لأسئلةٍ مماثلة من بعض الآخرين ممّا لمْ أشر لها هنا في المقال – > ضحِكَ صاحبي وقال : إنَّ كُلّ مَن سألك عن المذهب , فلا علاقة له بمذهبك او سواه .! المسألةُ فقط أنّ الأرمنيين لهم حسّاسيّة ” غير مباشرة ” من المذهب السنّي ! ولا علاقة لها بفقه المذهب او تداعياته مع المذاهب الأخرى .! وانّ جوهر الموضوع يتعلّق بمجزرة الأرمن التي ارتكبتها الدولة العثمانية في عام 1915 , وجرّاءَ ذلك ومع تقادم الزمن غدت عوام الناس ” وبجهلٍ وسذاجة ” تعتبر أنّ كلَ إمرءٍ من المذهب السنّي أيّاً كانت جنسيته فهو محسوبٌ على الدولة العثمانية ! وقد توارثَ هذا الشعور منذ تلك المجزرة , واضحت الشيعة اقرب ” عاطفيا وسيكولوجياً ” الى قلوب الأرمن , ومن دونِ اكتراثٍ او معرفة للفوارق بين كلا المذهبين .! وقد إعتذرَ صديقي عن كلّ ذلك .!
وَ لعَلّي ” هنا ” اُقدّمُ تهنئةً للأخوةِ الشيعة اينما وحيثما كانوا ” بالنيابةِ عن جمهورية ارمينيا الصديقة , ولربما لولا هذا المقال لما عرف الكثيرون عن ذلك .!