23 ديسمبر، 2024 5:06 م

ارمسترونغ .. لاتخفف الوطء

ارمسترونغ .. لاتخفف الوطء

لم يكن نيل ارمسترونغ رائد الفضاء الاميركي واول انسان يهبط على سطح القمر (1969) بحاجة لان يقول سوى الكلمات الست التالية لحظة هبوطه .. “خطوة صغيرة لانسان. قفزة عظيمة للبشرية”. ارمسترونغ  الذي رحل عن عالمنا مؤخرا عن 82 عاما لم يكن يعرف , ربما, ان هذه العبارة هي اعظم واهم من مئات الكتب والمجلدات التي تبحث في الحيض والنفاس ومتى يكون الخل خلا ومتي يتحول الى “عرق زحلاوي” من الدرجة الاولى والنوع المدني المبثوثة في كتب التراث.  ست كلمات فقط تعادل سفرا من 50 مجلدا تحمله العير على ظهورها فيها من الغث اكثر مما فيها من السمين. وليت امر بعض هذه الاسفار يتوقف عند هذه الحدود, بل هناك ماهو ادهى وامر من ذلك. ان معظم مصائبنا التي دفعنا اثمانها ومازلنا كوارث ومصائب وخلافات وحروب وويلات هي من بعض مما هو مبثوث من هراء في تلك الكتب الصفراء دون ان يقتنع هذا الطرف بوجهة نظر ذاك ولا يقتنع ذاك بوجهة نظر هذا وكلتا وجهتي النظر لا معنى لهما. فضيلة ارمسترونغ انه منح البشرية فرصة لان تختزل عصورا للامام بينما كل ما حاولته ملايين الكلمات التي قيلت عن هذه المسالة او تلك في  تراثنا هي  ان جعلتنا نعود الى الوراء عصورا بكاملها. ست كلمات نقلت البشرية الى الامام وجعلت من اميركا التي لها من العمر مائتي سنة فقط في مقدمة الركب العالمي. جملة واحدة كانت كفيلة بان  تضع  نيل ومثلما قال الرئيس الاميركي باراك اوباما في رثائه في منزلة اعظم  ابطال اميركا ليس في عصرنا الحالي بل في كل العصور. من حق اميركا ان تفخر بفتى فتيانها ارمسترونغ الذي رحل مؤخرا عن شيخوخة صالحة!!. ولكن من حق البشرية ان تفعل ذلك ايضا. فحتى الرجل حين قال كلمته الخالدة وهو يمشي “واثق الخطوة”   على سطح القمر لم يخص بها بلده وحده بل اعتبر ان  خطوته الصغيرة تلك كانسان هي قفزة عظيمة للبشرية. الشئ الذي لم يحتج اليه ارمسترونغ هو ان “يخفف الوطء” طبقا لنظرية شاعرنا المعري.  فابوعلاء رثى البشرية قبل ارمسترونغ بقرون حين قال ” خفف الوطء ما اظن اديم  ..الارض الا من هذه الاجساد”. المعري كان هو الاخر ضحية ما قراه من مدونات لاهم لها سوى ذبح  الاخر الزنديق, الكافر, المخالف, الذي مأواه جهنم وبئس المصير. واذا كانت هناك من ازمان او عهود ازدهرت فيها العلوم عندنا وتم فيها تشجيع العلماء فانها ظلت محكومة  في مزاج هذا الخليفة او ذاك الحاكم ولم تتحول الى سياق تتراكم فيه المعارف والعلوم والخبرات. ولو لم يكن الامر كذلك لما تمكنت اميركا من ان ترسل اول ابنائها الى القمر بينما نحن الذين “اخترعنا” اول “عجلة” في التاريخ قبل 4000 الاف سنة لاهم لنا سوى ارسال المزيد من ابنائنا الى المقابر شهداء سعداء لا لشئ الا لاننا بتنا “نخترع” من اي.. كلمة او راي مخالف.
[email protected]