ما زالت معاهد الاعلام تعلم طلبتها القاعدة التقليدية الكلاسيكية التي تحدد اركان الخبر في وسائل الاعلام ” ماذا .. متى.. من .. اين ..كيف … الخ ! الا ان تطور مصادر الخبر وانتشار تقنيات البث غير التقليدية خاصة الهاتف والانترنيت والفيسبووك ، جعلت الفرد لا يلجأ الى وسائل الاعلام الشائعة ليعرف ماذا وأين ، فهذه يعرفها هو قبل صدور الجريدة او ظهور نشرات الاخبار على شاشات الفضائيات . انه يتابع الاخبار على وسائل الاعلام ليعرف أمورا اخرل غبلا : ماذا حدث !
فما الذي يدفعنا الى شراء جريدة نعرف اخبارها منذ الامس او متابعة نشرات الاخبار على التلفزيون وهي حدثت قبل بث النشرة ووصلت الينا من قبل ؟؟ ولماذ نفضل متابعة نشرات الاخبار على هذه القناة وليس تلك .. ولماذا نشتري هذه الصحيفة وليس تلك ..
مما لا شك فيه ان الصحيفة اوالمحطة التلفزيونية تحتوي على موضوعات متنوعة وصفحات وبرامج تتناول مختلف مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد والادب والشعر والرياضة وغيرها كثير ، الا ان ما يعنيني هنا هو نشرات الاخبار ، التي ينبغي في تقديري ان تتغير أولويات أركانها في وسائل الاعلام ، فما دام المرء يعرف ماذا حدث ومتى وربما حتى اين ، ما الذي يريد معرفته بعد ذلك من وسيلة الاعلام التي تقدم الاخبار ؟
نحن نتحدث في الفنون الدرامية والروائية عن الحبكة والتشويق وتصاعد الاحداث الى الذروة والبناء الدرامي القادر على شد الجمهور لمتابعة ما يجري امامهم ، ويبدو لي ان هذه العناصر يجب ان تتوفر في صياغة الاخبار ، ليس فقط السياسية وانما عند الحديث عن أي حدث يجب ان ييتم في سرد تتوفر فيه كل عناصر التشويق لضمان المتابعة وان تتوفر فيه الشفافية والنزاهة لكسب ثقة الجمهور .
يبدو واضحا في مجال الاخبار ان كيف اصبح اهم من ماذا ، فنحن نعرف ماذا من الاخبار السريعة قبل ان نقرأ الجريدة وقبل إذاعة نشرة الاخبار ، نحن نعرف مثلا ماذا جرى لللاجئين على الحدود الهنغارية والكرواتية والنمساوية وحتى المانيا ، ولكن ما نريد ان نعرفه هو كيف حدث ذلك وما هي التفاصيل الجديدة ، وما نريد معرفته أيضا ، هو لماذا ثم ذلك هكذا وكيف وصل عشرات الألوف من النازحين في دروب الموت والخطر . وكيف ستسير الأمور وما هي التوقعات ، وما هي التحليلات ووجهات النظر وما هو رأي المختصين . وهنا تبرز قوة الوسيلة الإعلامية ومصداقيتها ومصداقية مصادرها ، وقربها من ميدان الوقائع ، وتفردها بالمعلومات ، أي ان الوسيلة الإعلامية الشاطرة والمهنية تقدم لنا الحدث في تقرير اعلامي تنويري كامل المواصفات ، أي ان لا تنشر الاخبار المجردة بالطريقة التلقليدية ولا تقوم بمجرد إعادة تحرير ما هو منشور في صحف غيرها فمن الشائع ان نرى الكثير من القنوات ليس لها مصادرها الخاصة وانما هي تجتر ما تذيعه او تنشره وسائل إعلامية أخرى .
وبالمقابل نرى بعض وسائل الاعلام الجادة والرصينة والمهنية مصدرا لايضاح الأسباب والعوامل المؤثرة على الاخبار ومجراها ونتائجها لما يتوفر لديها من مصادر ومحررين ومحللين مطلعين حقا وهذا ما لا يتوفر في معظم وسائل الاعلام المألوفة التي تعاني من النمطية وغياب التميز لدى العاملين في اعداد وتقديم نشرات الاخبار ،
ان شحة المهارات إضافة الى محدودية التمويل والتخصيصات وخاصة في تلك القنوات التي نشأت في فوضى الاعلام وتنافس بعض رجال المال او السياسيين في إيجاد منابر إعلامية لهم بغض النظر عن المستوى والجدوى جعلتهم يلجأون الى عاملين محدودي الإمكانات يستخدمون القوالب النمطية التقليدية
وعدم تطبيق أفكار جديدة تتماشى مع التطور في فن تقديم الاخبار والبرامج الإعلامية المؤثرة ، فالتقليد وضعف الابتكار والتجديد والنمطية في الانتاج أحد أهم سمات العديد من القنوات العامة والخاصة التي فشلت في ان تكون احد مصادر الاخبار التي يمكن ان يلجأ اليها المشاهدون ليعرفوا المعلومات المهمة والضرورية التي يبحث عنها المشاهدون وراء كل خبر