18 ديسمبر، 2024 10:47 م

ارفع رأسك، فأنت كورد

ارفع رأسك، فأنت كورد

ايها الكوردي، ليس بخاف عني، أي حجم كبير من عناوين الاعلام وبلغتك وبدعم بلغ ملايين الدولارات، قد تم توظيفه من قبل الاعداء والمحتلين والمناوئين ضدك وضد ثقافتك ولغتك وتاريخك ومآثرك، كل ذلك هو من اجل ان تجد نفسك معدما لا شيء في المعادلة. من اجل ان لا ترى في نفسك، بأنك كائن تستحق كل حق قومي ووطني او ان يكون لك كيان او دولة او وطن مستقل. من اجل ان تنسى تاريخك الممتد لآلاف السنين وان ترى الخواء والفراغ في حاضرك وتنظر بمنتهى السوداوية لمستقبلك. انني اعلم بان القوى التي تحتل ارضك تسعى من اجل اخضاعك ودفعك للخنوع، مهما كانت هذه السوائل متعددة وكبيرة وعظيمة التأثير وارهابية، لكن ارجو ان ترفع رأسك وصدرك مزهوا لأنك كوردي.
أيها الكوردي، انني اعلم بأن المئات من قومك وبلغتك وبأسماء على شاكلة (المثقف، الكاتب، المفكر، الاعلامي، البرلماني والسياسي!)، يسعون دوما الى تصغير حجمك، يطاردون احلامك الكبيرة ويفرغون مخيلتك الجميلة التي تجد فيها بانك موجود تستحق الحياة بكرامة، ويعتمون أفق رؤياك ويحيلون آمالك هباء.
لكن كن مطمئنا، بعضهم مأجورين، وبعضهم من باعة الضمائر والاقلام المأجورة، والبعض الآخر منهم سخفاء ضعفاء مرعوبين لا يمتلكون أية ملكة، والبعض الآخر منهم يجهلون تأريخك الممتد لآلاف السنين، والبعض منهم مفرغون من الثقة بالنفس هزيلون مستسلمون يفكرون كالطيور المقيدة داخل الاقفاص، يرون بأن “التحليق خارج الاقفاص جرم وكفر”، لذلك يريدون ان تعلن انت أيضا استسلامك مثل الذي هم فعلوه وان تطأطأ رأسك امام الآخرين.. كلا، تمرّد على الذي يخططون له ولا تفعل ذلك، ارفع رأسك شامخا لأنك كوردي.
ايها الكوردي، انني اعلم بأنك طوال التاريخ، قد وجدت في الزقاق الذي تسكن وفي وطنك اشخاص يستحقون ان نطلق عليهم (الكوردي الخائن)، وفي كثير من الاحيان قد تعرضت للطعن على يد أخيك من الخلف، لم يراك جديرا بالحياة الحرّة الكريمة، وكان مثل هؤلاء يرونك، مثلما يرون انفسهم، بأنك وحش منخور الذات صغير الحجم، واعلم بان هناك المرتزقة والمأجورين بين ثنايا الوطن، لكن ارجوك ان لا

تحتسب هؤلاء على كوردستان الوطن وامتك الكريمة، ومن المهم ان تتذكر بأن هناك مئات الآلاف من الاوفياء قدموا الغالي والنفيس للوطن ومن اجل عزتك وكرامتك بين ابناء امتك، لأنك كوردي وستبقى كورديا للأبد، عليه لا تنحني وابق مرفوع الرأس شامخا.
ايها الكوردي، انا لا اطلب منك بأن تعتبر نفسك أرقى من جميع شعوب العالم وأكثر اهمية ورفعة، لا اطلب منك ان ترى في ثقافتك ولغتك وتاريخك ومعتقداتك افضل واقدس واكثر موائمة من ثقافة ولغة وتاريخ ومعتقدات جميع شعوب العالم، لأن ذلك داء ومرض كبير للأمة وتجلب المآسي، لكن ارجوك ان تعتبر نفسك موازيا لبقية شعوب العالم، انت ايضا لك تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين في هذه الارض، انك صاحب العديد من الحضارات والامبراطوريات والممالك والامارات والقادة والزعماء الشجعان. انت ايضا لك لغة غنيّة وتتحدث بعشرات اللهجات الدارجة، ولك في وطنك تراث غني وثقافة رفيعة، ظهر في موطنك طوال التاريخ العديد من الاديان والمعتقدات والطرق والمسالك الارشادية الجميلة والانسانية التي تتطلع للحياة من ابوابها المشرقة. كل هذه المآثر قد تم ابداعها فوق ارضك وهي نتاج فكر وتأملات طلائع وحكماء بلادك، تذكر انك اول قومية عرفت الوحدانية، لذا لم ترى نفسك ادنى درجة من الآخر وتطأطأ رأسك؟ كلا، ارجوك ارفع رأسك، لأنك كوردي.
ايها الكوردي، موطنك سلاسل جبال زاكروس مهد البشرية، انت امة زاكروس الشهيرة في تاريخ البشرية، الكهوف التي عثر بداخلها على الهياكل العظمية لأنسان النياندرتال ولقى ومخلفات الانسان القديم في غابر العصور، موجودة في وطنك انت وفي اعماق كوردستانك. حضارات الهوريين والكوتيين واللولوبيين والكاشيين وسومر والميتانيين وزاموا وامبراطورية ميديا ومؤسسي الامبراطورية الساسانية وعدد من قادة وزعماء القرون الوسطى والدولة الأيوبية وعشرات الامارات والدول والقلاع والحصون وصولا الى حركة التحرر الوطنية والثورات والانتفاضات والتمرّدات الكبرى في التاريخ الوسيط والقديم ومملكة الشيخ محمود وجمهورية كوردستان الحمراء وجمهورية كوردستان الديمقراطية واقليم كوردستان الدستوري في جنوبي الوطن، كلها انبثقت وأينعت فوق اديم بلادك وهي جزء من سفر تاريخك، عليه ما الداعي بان ترى في نفسك شعب بلا تاريخ يستحق الافتخار والتمجيد؟ من هنا، حتى وان كان الكلام عن التاريخ، فارفع جبينك لأنك كوردي جدير بالأمجاد.

ايها الكوردي، في موطنك عشرات الآلاف من المواقع الاثرية، انت صاحب اول اشراقة لديانة ورسالة المثرائية وعبادة (مهر) الرحمن، انت صاحب مرشد وفيلسوف ونبي كزرادشت، انت صاحب كتاب آفيستا الذي بات مادة البحث والتقصي في نصوصه وغاتاته لدى الغرب، انت صاحب الايزيدية كأعمق واقدم ديانة لدى الانسانية وهي من اغنى ديانات العالم من حيث التراث والثقافة والادب والطقوس، انت صاحب ديانة المانوية، انت صاحب ديانة اليارسان (الكاكيي) وجميع المرشدين والزعماء الروحين لهذه الاديان والمعتقدات. وعن طريق هذه الديانات والتي موطنها ومنبعها كوردستان، تتربع على تراث ثري في الموسيقى والالحان والشعر والاغاني والطقوس الخاصة ونتاجات الجهاد الروحي. انت صاحب العديد من المسالك والطرق الصوفية وعلماء الدين والعارفين، انت صاحب عشرات دواوين الشعر الكلاسيكي، ادبك الكلاسيكي هو جزء حيوي من التراث الانساني. هذه ثقافتك وهذا هو تراثك السمح الذي مهد للعيش السلمي المشترك بين الجميع، من هنا، لم لا ترفع رأسك افتخارا بما تملك؟ لم لا تعترف بذاتك بكونك ندا موازيا لبقية شعوب المعمورة؟ عزيزي، ارفع رأسك وامشي الخيلاء، لأنك كوردي انت.
ايها الكوردي، انا على اطلاع بانك غاضب حيال الصراع السياسي وانعدام الوفاق والخيانة والضالعين فيه، وادرك تماما بأنك تعاني من ضنك العيش وتدفع باهضا ضريبة عسر المعيشة بسبب المشكلات والازمات التي تعترض سبيل حياتك بأسباب بعضها داخلية وبعضها خارجية، اعلم بأنك غاضب تماما بسبب هذه الامور، تشعر بعدم الارتياح والقلق وانعدام الطمأنينة، وادرك بالتمام بان اعداؤك يبدون وكأنهم اعظم منك من حيث التفكير والسلاح والامكانيات والاقتصاد، مع ذلك ليكن في بالك بأنه طوال التاريخ في عرض الدنيا وطولها، لن تجد شعبا او امة قد تعرضت للضربات القاتلة على مدى آلاف السنين اكثر من امتك الكورد، لم يتعرضوا للأذى مثلما تعرض له الكورد، لم تشهد امة كالكورد حملات الابادة والصهر والغزو والقمع بما لديه من مرتكزات الوجود والثقافة واللغة والتاريخ، ليست هناك امة غير الكورد تعرضت وماتزال للغزو بدءا من عصور السيف وآلات الحرب الجارحة وصولا الى السلاح الكيماوي والدرونات ومصفحات الابرامز، ومازالت صامدة تأبى الركوع، لذلك فارفع رأسك عاليا، لأنك كوردي انت.

 

ايها الكوردي، انت ماتزال باقيا شامخا صامدا كالطود، لغتك باقية بجميع لهجاتها وألحان نطقها الدارجة، ارضك باقية مع ان الكثير منه مازال محتلا، تراثك مازال باقيا، موسيقاك وشعرك وأغانيك ورقصاتك وكتبك ومدوناتك واعلامك، كل هذه الامور مازالت باقية فاعلة، دياناتك باقية بطقوسها، والاهم من كل ذلك، بعد كل حملات الابادة والقتل الجماعي، امتك مازالت باقية، لذلك اخطو نحو الافق المشرق مرفوع الرأس مزهو القامة، بمزيد من التفاؤل ادم المسيرة، تفاعل مع عالم العلوم وتابع منجزات التكنولوجيا وكن فاعلا ومشاركا في مسيرة التقدم الانساني، مثلما كنت مشاركا في سالف الازمان.
نفوسك خمسون مليون نسمة بلا دولة، لن تذوب ولن تنصهر في بوتقة الآخرين، انت ستبقى وتواصل المسيرة، لكن البقاء المجرد ليس بكاف، بل يجب ان يعلم الجميع بأنك موجود وعنصر مؤثر، فاثبت ذاتك، لا تنقطع ولا تفقد الامل، حيثما تعيش، المهم انت ترفع رأسك وهامتك شامخا، لأنك كوردي انت.