23 ديسمبر، 2024 4:33 م

ارفعوا أيديكم عن الثقافة والإبداع أيها الظلاميون ..!

ارفعوا أيديكم عن الثقافة والإبداع أيها الظلاميون ..!

أقدمت عناصر ظلامية سلفية حاقدة في مدينة باقة الغربية على مهاجمة أحد معلمي اللغة العربية في المدرسة الثانوية ، وطالبت بفصله وإقصائه من المدرسة اثر قراره بتدريس طلابه رواية “أورفوار عكا ” للكاتب علاء حليحل في إطار القراءات التي يختارها المعلم بغية إثراء المعرفة وتوسيع العقول وتذويت عادة القراءة والمطالعة في نفوس الطلاب ، وذلك بحجة احتوائها على مواقف “تخدش الحياء ” – على حد تعبيرهم وزعمهم .

وتعمل هذه العناصر ضد المعلم وتهديده في مواقع التواصل الاجتماعي ومنابر إعلامية أخرى ، وذلك بهدف النيل من هذا المعلم ،الذي يتمتع بثقافة ومعرفة ووعياً واطلاعاً على الفقه الإسلامي وفهماً لأصول الدين والأخلاق أكثر منهم . ووصلت هذه الهجمة التحريضية المسعورة أوجها في بيان مجموعة تسمي نفسها “أنصار الحق” طالب بإقصاء المعلم لأنه “يساوم على ديننا وتربية أبنائنا ” ولذلك ليس له مكاناً بيننا ” – كما جاء في البيان .

ورداً على هذه الحملة الشعواء ضده كتب في صفحته على الفيسبوك :” سيبقى الأدب ملجأ أحرار النفس ، ومتنفس المغردين خارج سرب الترهيب والتجهيل والتكفير ، وسيبقى لنور الأمة سدنته وحفظته رغم الظلام ” . ويتابع قائلاً : ” اندثر حرقة الكتب والمعرفة ، وبقي ذكر ابن حزم وابن رشد خالداً . حظروا ألف ليلة وليلة ألف عام ثم تغلبت عليهم وصارت مصدر الإشعاع الأدبي الأول في العالم ومولد الفخر ! نخاطب الجاهليين الغوغائيين بالسلام وحسبنا !”.

هذه ليست المرة الأولى التي تثور فيها ثائرة الظلاميين والسلفيين التكفيريين في بلادنا ضد الأدب والإبداع الثقافي ، فقد سبق وان تعرض المربي فرسان عبد القادر من قرية مصمص للفصل من عمله في احد مدارس أم الفحم بسبب تدريسه قصيدة الشاعر نزار قباني “خبز ، حشيش وقمر ” ووصلت قضيته إلى أروقة المحاكم ، كما تعرض الأستاذ فريد نصار من عرابة البطوف لهجمة ظلامية قبل سنوات ، نتيجة مواقفه الفكرية والأيديولوجية واتهم بالإساءة للإسلام . كذلك فقد منع عرض كونسيرت “نعنع يا نعنع” للفنانة أمل مرقس في كفر قرع ،ومنع أيضاً عرض “وطن على وتر” في عكا ، كما أحرقت لوحات الفنانة التشكيلية ماريا قعدان .

وفي الماضي الغابر حظر كتاب “ألف ليلة وليلة” ، وتعرضت كتب الفيلسوف القرطبي ابن رشد للحرق ، وحرق كتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي” ، كذلك صودر كتاب “الإسلام وأصول الحكم ” للشيخ علي عبد الرازق الذي نفى فيه أن يكون الإسلام ديناً ودولة ، وبسبب هذا الكتاب طرد من سلك القضاء وسحبت

الشهادة الأزهرية العلمية منه ، وأيضاً ما حصل لكتب خليل عبد الكريم الذي تم تكفيره ، عدا عن مصادرة مئات الكتب منها كتاب “النبي” لجبران خليل جبران ، وسداسية “مدن الملح” لعبد الرحمن منيف” ، وروايات حيدر حيدر ، وغير ذلك من الكتب الفكرية والفلسفية ودواوين الشعر والروايات والقصص القصيرة والمسرحيات وأفلام السينما والفنون التشكيلية والغناء – مثلما حصل مع مارسيل خليفة بسبب قصيدة محمود درويش “أنا يوسف يا أبي ” التي لحنها وغناها – وغيرذلك من الأصناف والألوان والأجناس الأدبية والثقافية .

إن منع معلم من تدريس رواية والمطالبة بفصله من المدرسة ، أقل ما يقال فيه إنه مس بحرية التفكير والاعتقاد والتعبير والإبداع ، بوصفها قيمة عليا في التاريخ الإنساني وحق طبيعي لكل كائن بشري ، وبمثابة اغتيال لهذه الحرية . وبدون شك أنها ممارسات قهرية واستبدادية ضد الفكر الحر والثقافة التنويرية ، وتساهم في ضرب وتقهقر ثقافتنا العربية ، وتؤسس من جديد لمحاكم تفتيش القرون الوسطى ، وتخنق الحريات التي هي سر إبداع كل ثقافة إنسانية ، وبدن هذه الحرية لا يكون إبداعاً ، والمبدع بطبيعته يضيق بكل القيود التي تكبله وبكل ما يحاصر عقله وذاته .

هؤلاء الظلاميون بممارساتهم وسلوكياتهم يشوهون حقيقة الدين الإسلامي الحنيف الذي أعطى العقل الحرية في التفكير والاختيار ، لا في السب والقدح والشتم والحظر والحرق والقتل ، وإنما بالحوار والاجتهاد ، ولم يضق ذرعاً بما لم يقتنع فيه .

ونحن إذ نقف ونتضامن مع المعلم في حقه بتدريس الكتاب الذي يختاره ، نقول لهؤلاء الظلاميين : كفى ، ارفعوا أيديكم عن الثقافة والأدب والإبداع الإنساني ، لكي نطوي صفحة الجرائم والمجازر بحق الثقافة والمعرفة ، ولكي تزهر ثقافتنا وتزدهر ، ولكي ينطلق الفكر العربي محلقاً ومبدعاً في الآفاق الرحبة ، وليس إعادتنا إلى الخلف والوراء آلاف السنين ، إلى عصور الجاهلية ودياجير الظلام الدامس .

لقد أن للمبدع والمثقف أن يعيش في عالم بلا أقفاص ، وينطلق بلا قيود . وكم نحن اليوم بحاجة لحرية التفكير وحرية الإبداع كي نثري الفكر والثقافة العربية وتجديدها ، وذلك يتطلب تجفيف المنابع الفكرية لعصابات وقوى الظلام ، وتنمية الخطاب الثقافي والتربوي، وتسسييد ثقافة العقل والثقافة الديمقراطية التنويرية كي تنتصر على الجهل والتخلف والقمع .