5 نوفمبر، 2024 6:49 ص
Search
Close this search box.

ارض الشتات

الحرب،،تابى هذه الكلمة البغيضة الا ان تعشعش في الوجدان وترسخ في الذهن ويبقى جرسها الكريه يثقل السمع،،تلك المفردة /القدر الذي تفننت السماء في خط حروفه على جبهة الوجود المتعب دوما على تلك الأرض،،ولهذه القدرية التي قلما تفارق أفكاري وتنفصل عن إيماني الذي بدا يتناقص شيءا فشيئا بكل المسميات ترددت كثيرا في الكتابة،،،ولم الكتابة أصلا؟؟؟الكي أضيف الى جثث الكلمات التي انفخ فيها عبثا من الروح جثثا أخرى،؟؟ام لاسجل خيبة أخرى في سفر الخيبات التي لا تنتهي،،،!!

هنا في هذه البقعة الزمانية والمكانية النائية أجدني شخصا فقد كل شيء،،لم يخرج بشيء رغم انه يبدو الأغنى بين أقرانه ،،هنا في هذا المنزل الذي ياويني وحفنة من اخر معارفي في الدنيا اشعر بالخواء الذي يشبه خواء الأرض،،يشبهني نوعا ما ذلك الجسد الذي خرج عاريا من كل ما يملك ذات فجيعة في احد صباحات وطني السخيف الذي يتسلى بالعبث بمقدرات قلبي الذي تعلم أخيرا الا ينتمي اليه خارج دوائر الوريقات البائسة التي تسمى أوراقا ثبوتية،،لا يشبهني ذلك الذي نهض على عجل من فراش الخوف في ليلة من ليلات القصف الذي لا يعرف لمن ولماذا وعلام يجري،،حمل حقيبة أشيائه البسيطة وهرب ببساطة لانه كغيره من الناس الذين هربوا في تلك الايام اعتاد ان يكون مستعدا دوما للهرب نحو مسارات المجهول لا لذنب جنوه الا أنهم أبرياء في زمن يبدو ان السماء لم تعد معنية فيه فيهم بعد ان توقف ميزان عدلها عن الحركة بانتظار ساعة الحساب،،تلك التي لطالما قالوا عنها انها تختصر عمر البشر على ارض الوجود،،ساعة وحسب في مقابل ،،لا ندري كم من المليارات المختصرة في هولها!!! كأننا لم نعش كل يوم ساعات تشبهها،،او كان عمرنا كله تلك الساعة،،!!!

(شي ما يشبه شي)،،،على غير هدى ركضت في تلك الدقائق أقدام اعرفها وأخرى لا اعرفها رافقني لعبور الشارع الذي سيكون مقدرا عليه ان يكون برزخنا الدنيوي بعد ان جثم الجيش على قلبه وفصلنا عن محلتنا كما فصل المحلات المجاورة عن اهلها،،وكتب علينا بالتعاون مع ثوار المجهول الذين استردوا فجأة ذاكرة الكرامة والعزة والشرف وقرروا القتال خلف سواتر الأجساد المحايدة،،،،

(شي،، ما،،)وركض متعثرا بسنواته الستين يحمل كيس الدواء الذي كان كل ما استطاع حمله من بيته المتهالك ولانه كان لا يفارقه ابدا،،ساعده بعض الصبية على عبور الشارع تحت وابل النيران التي لا يعرف مصدرها،،في حين تسمر حشد من الجنود خلف حائط الدكاكين التي تقع نهاية الشارع الفرعي الذي نقطن فيه،،تبين لاحقا أنهم من الشرطة التي تساند الجيش،،يتقدمهم شخص بملابس مدنية يضع على كتفه عباءة عربية سميكة تشي بانه من الجهة اياها التي تتصدر مشاهد القتال في المدينة زمن الحرب ومشاهد الاستهتار في فسح الرخاء الضيقة التي كانت المدينة تنعم بها،،

كانت عيون المقاتلين المتمترسين خلف الحائط و المدججين بالسلاح والخوف ترقب سرب العوائل التي كانت تغادر الحي بفزع واضطراب،،يطلبون من النساء العبور مطمئنين الجميع بان،،(لاشيء موجود يدعو للخوف،،)،،فترد إحدى السيدات،،(لا شيء طالما انتم موجودون،،،) وكانت تعنيها بكل حرف فيها،،لا شيء وحسب بعد ان ملت الأرواح هذا السجال العقيم بين الأفاعي التي اعتادت ان تحول المدينة الى ساحة معتادة للصراعات التي بدا بوضوح انها ليست أكثر من صراع عشائري مقيت تسانده الحكومة العابثة وتشجعه،،،

الايام الأربعة اللاحقة التي تبعت هذا النزوح المر كانت مزيجا من الياس وشيء بسيط من الأمل،،بعد ان تحول كل ما على الجهة الأخرى للشارع الفاصل الى ما يشبه الحلم،،وخط احمر بدا انه يفصل الموت المتربص بالبشر في تلك الأزقة المتربة الخاوية،،وحياة التشرد واللا استقرار في أماكن لم تكن بالحسبان،،وهناك على ضفة الموت يصعب تخيل ضخامة الحياة التي تركها النازحون خلفهم،،وتاريخا طويلا من الوجود اختزنته البيوت التي خوت من ساكنيها واضطرت للتخلي عنه مكرهة ،،طفولة وصبا وأحلام وضحات وأحزان مكبوته وأخرى تطل للعلن اثر كل فقد،،كل شيء ظل هناك تلفه وحشة الخواء والسكون القاتل،،يصعب بعد هذا ان تصدق اي شيء يقال لك عن قضية مقدسة،،او حق مسلوب،،او كرامة يبحث عنها المجرمون المتلفعون بأثواب الشرف التي ما عادت تستر عري الحقيقة المرة التي تجعل من كل ما هو حي وسيلة لتحقيق مأرب لم يعد أحد يعرف مغزاها،،

تحولت العودة الى تلك الأماكن حلما يراود البسطاء الذين كانوا قد تخلوا عن الأحلام وهم يرقبون عجلة الحياة القاسية تمزق آمالهم بان يحصلوا على وظيفة بسيطة تنأى بهم عن جور العمل اليومي الشاق تحت شمس صيف لا يعرف الرحمة وشتاء تذكر قسوته في السنوات الاخيره ،،او ان يستقلوا يوما سيارة من تلك التي تفنن الأثرياء ممن اتخمهم مال المقاولات والمال السياسي الحرام،،وان يرتاد أبناؤهم إحدى جامعات الخارج يدرسون الطب او الهندسة،،او غيرهما من الشهادات الباهضة التكاليف،،مكتفين من السعادة التي يرونها في تلك الأشياء بالحلم،،،تنازلوا بكل بساطه عنها بالأمس وهاهم يتنازلون اليوم مكرهين عن البيوت التي آوتهم وأحلامهم،،

طال المطال بهم وهم يمكثون في اسر الحلم الجديد الذي ولد في رحم الحرب،،حلم العودة الى البيوت متعلقين بحبال الأكاذيب التي كانت الشرطة والجيش تزرعها في قلوبهم التي ظلت أرضا خصبة للحلم حتى بعد قضى الزمن الأغبر على كل نسغ للحياة فيها،،كانوا يذهبون اخر نهارات الانتظار المضني على أطراف الشارع الذي مسح الخراب والمياه الأسنة ملامحه يبيتون في خيام النزوح التي تأويهم وفي البيوت والشقق في المجمعات التي تقع خارج المدينة والتي كانت في الغالب تاوي أربعة او أكثر من الأسر النازحة التي هربت من نار الحرب،،يقضون ليلهم يوهمون قلوبهم التي تعلم ان أمل العودة بعيد،،يحاولون إقناع أطفالهم بان الغد يحمل خطى تقربهم من البيوت،،وحيث يتسنى لهم حمل بعض من كثير لم يستطيعوا حمله،،تطلع شمس نهار كاذبة أخرى تجفف الدموع التي قضت ليلتها على الوسائد الغريبة،،فيعودون الى نقطة الترقب هناك،،وحيث بضع عشرات من الأمتار تفصلهم عن الشارع العنيد الذي يأبى ان يفي بوعوده ،،تتمايل الشمس ببطء نحو منتصف السماء كعاهرة نهضت للتو من فراش فجورها اليومي،،ولا أمل،،حتى تبخرت شيئا فشيئا قطرات الأمل الكاذب الذي زرعه جيش يرونه يتفنن في الكذب ،،وتخريب المحلات والأماكن التي يحل فيها متواطئا مع المجهولين الذين امتطوا صهوات السطوح العارية وبادروا بإطلاق النار على دورياته،،أولئك الذين تسببوا في تشريد الآلاف من البشر وهم يكبرون باسم اله لا احسب ان أحدا منهم يعرفه،،

تناقص عدد المنتظرين على ضفة الانتظار،،وبقي ممن بقي امرأتان دابتا على الحضور يوميا على أمل العبور الى البيت،،تشجعت إحداهما وشقت طريقها غير آبهة بصرخات التحذير التي يطلقها من كان في المكان من مدنيين قلائل ورجال شرطة،،عبرت وبضع رصاصات من قناص مجهول تتطاير في الفضاء حتى وصلت الى الجهة الأخرى،،عادت بعد ثلث ساعة تحمل على رأسها شيئا مما استطاعت حمله من أغراض،،دفعت تلك المحاولة احد الشباب الى تجربة حظه وحالما عبر الشارع ومشى بضع خطى في الجهة الأخرى باغته القناص بضربة دقيقة مزقت ركبته اليسرى تمدد على اثرها على الأرض،،ظل ملقى هناك يحاول البعض إنقاذه مترددين العبور اليه وجره لإسعافه حتى تدخلت سيارة عسكرية ونقلته الى جهة غير معلومة،،عند تلك النقطة تكشفت أكاذيب الشرطة التي تدعي ان المسلحين يسيطرون على أطراف الحي وان قناصا منهم يمنع الجيش من السماح للأهالي بزيارة بيوتهم والاطمئنان على أحوالها،،كان واضحا ان لعبة قذرة ما يلعبها الاثنان هدفها زرع الخراب وليس شيئا اخر وهو ما بدا واضحا في التسارع القذر للأمور في لاحق الايام،،
عند تلك النقطة،،سيسكت القلم مستريحا على قارعة الوجع ليبكي كلماته عند محطة اخرى منه،،

أحدث المقالات

أحدث المقالات