23 ديسمبر، 2024 10:58 ص

لا يوجد مكان في العالم متوازن , مناسب , دافئ وآمن ليتحملنا بما يكفي من الحياة إلا أوطاننا..! لكن اي اوطان؟ المكانية الفعلية التي ولدنا فيها ولا نزال ننتمي لها , ام المكانية الروحية التي تلائم جراحنا وتتكفل بتوفير الطمأنينة وتبعث في نفوسنا روح الحياة كأن تكون قصيدة شعرية , لوحة فنية , مقطوعة موسيقية , فكرة معينة او حتى نظرة فلسفية تجعلك تعيش عالمك الخاص والوطن الذي اخترته بنفسك , لينقلك في رحلة بين الماضي والمستقبل على الاقل ليعوض ما كنت تحتاجه وما ستحتاجه كأنه حلم ولا وجود للحاضر سوى حقيقة كونه واقع ويمكن اعتبارها الحقيقة الكاذبة.

كل منا يشعر بالغربة وحتى في داخل اوطاننا ما لم يكن هنالك ما هو جدير بأن يجعلك تشعر انك جزء فاعل مؤثر ذو دور مهم ووجودك ضروري كوجود اي ضرورة اخرى, ومن ثم كيانك محترم كانسان اولاً وفرد من افراد الوطن ثانياً. وعلى هذا الاساس ان لكل شخص وطنه الخاص في خبايا اعماقه يصنع وجوده ويمحيه متى شاء ذلك واينما وجد وان كان في ارض غير ارضه او تحت سماء غير سمائه.

لكن مع ذلك تبقى في طبيعة الانسان غريزة حب الانتماء والانخراط في مجموعة تكبر او تصغر , ويمكن اعتبارها حالة مرضية لكن جزء منها ايجابي , هكذا غريزة بطبيعتها وان تكن الا نشاطاً ظاهرياً في تمثيل معنى الوطنية لكنها ذات اثر عميق في جوانب اخرى ربما تكون لها ثقلها الخاص في صناعة الشخصية مبدأ وقالباً , فمنها يخرج الوطني والثائر والخائن والمفسد والمصلح من منبع واحد.

فالانسان العراقي على وجه الخصوص بطبيعته يحمل عنصرية خفيفة لانتمائه كونه يحمل موروث حضاري ضخم يعود الى الاف السنين اضافة الى انه قدم للبشرية ما قدم لذا من الفخر ان يعتز بأصله وتاريخه , لكن عندما تفسد هكذا شخصية من الصعب اصلاحها وارجاعها الى الوضع القويم وبالنتيجة يحدث خرق بسيط وشيئا فشيئا تتشوه صورة الحياة والوطن مرة واحدة, من المحتمل ان تضعف فكرة الانتماء و تصبح اللغة السائدة لغة فساد والنظر الى مصحلة الوطن تأتي بشكل متأخر في حسابات الجميع , هكذا عواقب متوقع حصولها ويمكن تشبيه ذلك بالنار المستعرة تأكل في طريقها ما تشاء من الاخضر واليابس , وعليه تكون ضحيتها الاولى بالتحديد الطبقى الوسطى من الشعب, وهي الاهم فسيولوجيا وتكوينا كونها حلقة الربط بين تجارب ماضي عريق وطموح مستقبل مليء بالاحلام.

كما نعلم جميعاً ان حال الفئة الشابة يؤسى لها , عدد كبير من الشهادات والمواهب تقتل و تذهب هدراً , تخيل لو يحسن استغلال هكذا طاقات بشكلها الصحيح ماذا يمكن ان تصنع؟

لذلك من الضروري جدا ان تلبي فكرة الانتماء للوطنية بالمقابل حاجة من ينتمي لها , والا لن يسمى وطن وانما مجرد قطعة ارض فرضت قسراً لا حول لها ولا قوة, فعلى الوطني ان يراجع حساباته ويطالب بأبسط حقوقه المشروعة , “الحقوق لا تعطى وانما تنتزع” , شعوب العالم اجمع لم يحصلوا على حقوقهم اعتباطا بالمجان , انما بالاعتصامات والثورات والتضحيات , على الاقل لكي يعرف العالم ان هنالك ظلم. فعندما يثور شعب لا بد ان هنالك ظلم , لا يمكن ان يثور شعب وهو مرفه وضامن حقوقه بالكامل.

في كل عام تجتمع اعداد هائلة تحت راية الحسين (ع) , كي يقولو كلمتهم , كي ينتفضوا بوجه ظالم وينصروا مظلوم استشهد منذ اكثر من الف عام , كلمتهم واحدة وولائهم واحد, ماذا لو توحدت الكلمة في جوانب اخرى تصب في مصلحة الوطن اولاً والمواطن ثانياً. اجتماع 20 مليون شخص كل عام ماذا يستطيع ان يفعل هؤلاء اذا كانت الرغبة حاضرة في التغير والتوجه صحيح , مجرد صرخة واحدة تلعب دور كبير , تغير المعادلات والمفاهيم , تقلب الطاولة على من يسيء استخدام السلطة.