منذ تشكيل كيان اقليم كوردستان في بداية تسعينيات القرن الماضي اضحت اربيل عاصمة الاقليم محطة مزدحمة للدبلوماسية الاقليمية والدولية بسبب موقعها الجيوسياسي وتاثيرها على مجمل الاحداث في العراق والمنطقة.
فقد زارها عدد كبير من رؤساء و وزراء الدول الاقليمية والاوربية وامريكا ودول صديقة اخرى فضلا على مسؤولين رفيعي المستوى من المنظمات الدولية والمنظمات الانسانية ناهيك عن رؤساء ومالكي كبريات الشركات العالمية النفطية وغيرها والشخصيات السياسية والثقافية والفنية المختلفة.
بعد اجراء الاستفتاء على مصير شعب اقليم كوردستان الذي تم في ايلول 2017 تكالبت القوى المحلية و الاقليمية والدولية على الشعب الكوردي وفرضت حصارا اقتصاديا وسياسيا كبيرا على شعب الاقليم عقابا على اجرائها عملية ديمقراطية اعتيادية ليدلي الشعب بصوته بشأن مطالبته بكيان مستقل من عدمه.
اذ تسبب تداعيات اجراء الاستفتاء الى جانب قطع رواتب موظفي الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية بازمة اقتصادية حادة ، الا ان حكمة القيادة السياسية في الاقليم وعقلانيته في تجاوز الازمة فضلا على صمود الشعب الكوردي في اقليم كوردستان الذي تحمل كل اعباء الازمة من الصعوبات الاقتصادية والدبلوماسية والحملات العسكرية التي شنتها القوات الاتحادية بمختلف مسمياتها تمكن الاقليم بوحدة القيادة مع الشعب وتعاونهما من تجاوز كل الصعوبات وعودة المياه الى مجاريها بشكل ابهر الاعداء قبل الاصدقاء.
حيث كان لباريس وشخص الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرو الدور الكبير في كسر الحصار الدبلوماسي على الشعب الكوردي عندما وجه دعوة رسمية لرئيس حكومة اقليم كوردستان نجيروان بارزاني لزيارة باريس في كانون الاول من عام 2017 في الوقت الذي كان العالم يقف صامتا ازاء ماكان يعانيه شعب اقليم كوردستان من تداعيات الازمة الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية الضالمة التي فرضت عليه جراء اجراء الاستفتاء.
ان هذه المبادرة الكريمة من الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرو فتح قنوات الاتصال من جديد بين اربيل والعواصم الاقليمية والدولية وتوالت تبادل الزيارات بين كبار مسؤولي الاقليم والدول الصديقة ، ما ارغم طهران على فتح حدودها مع الاقليم وتدفق البضائع والتعاملات بين التجار والشركات في كل من اربيل وطهران فضلا على تفاعل دول المنطقة الاخرى مع الواقع الجديد وبالاخص تركيا لعودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الطبيعية، نظرا للموقع الجيوالسياسي والتأثير الكبير لأربيل على مجمل اوضاع الشرق الاوسط وبالاخص الاوضاع في ايران وتركيا وسوريا.
وخلال عام 2018 عادة الأمور الى طبيعتها وبالاخص بعد زيارة السيد رئيس حكومة الاقليم نجيروان بارزاني الى بغداد في 19 كانون الثاني 2018 ولقائه برئيس الوزراء حيدر العبادي ورؤساء الاحزاب والقوى السياسية العراقية المختلفة وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية.
وفي 21 تشرين الثاني 2018 شهدت العلاقات بين اربيل وبغداد تطورات كبيرة عندما زار الزعيم الكوردي ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني بغداد واجرائه محادثات وحوارات مكثفة مع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وكبار المسؤولين العراقيين وزعماء القوى والاحزاب السياسية العراقية.
يبدوا ان اقليم كوردستان مقبل العام الحالي على تطورات كبيرة بالاخص بعد المتغيرات السريعة التي طرأت على الساحة السورية مع اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب عن انسحاب قوات بلاده من سوريا واستمرار فرض الحصار الاقتصادي الامريكي على ايران و التدخل المباشر التركي في الوضع السوري وارساله قوات وتجهيزات عسكرية كبيرة للمناطق الحدودية مع سوريا وتهديده بضرب قوات الاتحاد الديمقراطي الكوردستاني وسوريا الديمقراطية المتمركزة في المنطقة.
حيث زار وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو قبل اسبوع من الان العاصمة اربيل واجرى حوارات مهمة ومكثفة مع قادة الاقليم وبالاخص الزعيم مسعود بارزاني ورئيس حكومة اقليم كوردستان نيجيروان بارزاني ومسرور بارزاني مستشار مجلس أمن اقليم كوردستان مؤكدا على دعم بلاده لحكومة اقليم كوردستان ودعم قوات البيشمركة للاستمرار في مكافحة الارهاب وبالاخص مقارعة تنظيم داعش الارهابي فضلا على دعوته لحل الخلافات بين اربيل وبغداد.
اعقب زيارة بومبيو الى اربيل زيارة لوزير الخارجية الفرنسي وصديق الشعب الكوردي جان ايف لودريان الى اربيل ليلة الاثنين 14 كانون الثاني الجاري واجرائه محادثات مع قادة الاقليم وعلى رأسهم الزعيم مسعود بارزاني والذي وصف زيارته بزيارة الوفاء لشعب وقيادة اقليم كوردستان الذي وقف وقفة شجاعة للدفاع عن العالم الحر في الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي.
وفي نفس الليلة وصل الى اربيل محمد جواد ظريف وزير خارجية ايران والند للولايات المتحدة، حيث التقى كبار المسؤولين في اقليم كوردستان وعلى رأسهم الرئيس مسعود بارزاني.
كل هذه الزيارات والزخم الدبلوماسي على اربيل يبرهن على ان اقليم كوردستان يشكل رقما مهما ومفصليا في التوازنات الاقليمية والدولية في المنطقة ومن دون التشاور والتعاون مع اربيل لايمكن ترسيخ الامن والاستقرار في العراق والمنطقة و اتخاذ اية قرارات بشأن تسوية الاحداث فيها ويظهر جليا ان اربيل تمكنت من ان تجمع الاضداد والاصدقاء في ان واحد لما تشكله من ثقل سياسي واقتصادي وامني في المنطقة وكونها موقع تلاقي مصالح الدول المختلفة في المنطقة.